تبين أن البشر ينقلون الفيروسات إلى الحيوانات على نحو أكثر مما كان يعتقد سابقاً، وذلك في حوادث تسمى علمياً "ارتداد" "spillback" العوامل الممرضة، بحسب ما تشير دراسة حديثة تحمل انعكاسات إيجابية بالنسبة إلى حماية الحيوانات البرية والحفاظ على الصحة العامة.
وذكر عدد من العلماء، بعضهم من "جامعة جورج تاون" في الولايات المتحدة، أن حوادث من هذا القبيل لانتقال الفيروسات لقيت اهتماماً في الفترة الأخيرة بسبب انتقال "كوفيد-19" من بشر إلى نوع من الأيائل البرية يسمى "الأيل الأبيض الذيل" "white-tailed deer"، في الولايات المتحدة وكندا.
ومعلوم أنه على امتداد جائحة "كوفيد"، اكتشف العلماء أن فيروس كورونا المستجد الذي يتسبب بداء "كوفيد" في مقدوره أن ينتقل من البشر إلى حيوانات الهامستر، والمنك، والفهود، والأسود المحتجزة في حدائق الحيوانات، والنمور.
وبعدما أشارت بيانات حديثة إلى أن أيلاً أبيض الذيل ربما نقل الفيروس إلى البشر مجدداً، في حالة واحدة على أقل تقدير، أعرب باحثون عن مخاوفهم من أن خزانات جديدة للفيروس بين مجموعات الحيوانات قد تمنحه فرصاً إضافية لتطوير متحورات جينية إضافية.
كي يتوصلوا إلى فهم أفضل للمخاطر التي يطرحها انتقال مسببات الأمراض من الإنسان إلى الحيوانات البرية، عمد العلماء إلى إجراء تقييم لتقارير منشورة حول حوادث "ارتداد" للفيروس، وذكروا أن في حوالى 100 حالة مختلفة وجدت الأمراض طريقها من البشر إلى الحيوانات البرية.
وفي تصريح أدلى به غريغوري ألبيري من "جامعة جورج تاون"، وكبير الباحثين الذين نهضوا بالدراسة، قال إنه "بغية المساعدة في توجيه النقاشات والسياسات المتعلقة بانتقال الكائنات المسببة للأمراض إلى الحيوانات من خلالنا في المستقبل، لجأنا إلى البحث في منشورات علمية متخصصة كي نكتشف الأوجه التي تجلت بها هذه العملية في الماضي".
ونتائج الدراسة، التي نُشرت الثلاثاء الماضي في 22 مارس (آذار) في مجلة "إيكولوجي ليترز" "Ecology Letters"، كشفت أن نصف حالات انتقال الفيروسات من البشر إلى الحيوانات البالغ عددها 97 حالة الواردة في الدراسة شهدتها أماكن لاحتجاز الحيوانات من قبيل حدائق الحيوانات، حيث يواظب أطباء بيطريون على مراقبة صحة الحيوانات عن كثب، ولديهم فرصة أكبر كي يكتشفوا الأمر عند التقاطها فيروساً من البشر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شكل مجموع حوادث انتقال العدوى من إنسان إلى رئيسيات أكثر من نصف الحالات البالغ عددها 97 المشمولة في الدراسة، في نتيجة غير مستغربة [مفاجئة أو مستهجنة] نظراً إلى أن الانتقال بين أنواع حية مضيفة يجمعها ارتباط وثيق يعتبر أكثر سهولة بالنسبة إلى مسببات الأمراض، فضلاً عن أن المجموعات البرية من "القردة العليا" "great apes" المهددة بالانقراض تخضع لمراقبة علمية شديدة.
"تدعم (النتيجة المذكورة آنفاً) الفكرة القائلة إننا ننجح أكثر في رصد مسببات الأمراض في الأماكن التي نولي فيها عمليات البحث وقتاً وجهداً أكبر، مع تركيز عدد كبير من الدراسات على الحيوانات الجذابة والمثيرة للفضول المحتجزة في حدائق الحيوانات أو التي تعيش على مقربة من الناس"، بحسب ما قالت المشرفة على الدراسة آنا فيغر من "جامعة ولاية كولورادو" في الولايات المتحدة.
وقال الباحثون إن هذا الشكل من انتقال الفيروسات إلى الحيوانات من طريق الإنسان ربما يفاقم عبء المرض في أوساط الحيوانات، ذلك أن بعض الكائنات المسببة للأمراض الموجودة لدى البشر من شأنها أن تفضي إلى ظهور أمراض في صفوف الحيوانات أو حتى نفوقها.
أما الشاغل الرئيس الثاني فيكمن في "انتشار ثانوي" محتمل لمسببات الأمراض من الحيوانات إلى مجموعات بشرية مجدداً، ما يهدد الصحة العامة.
وضرب الباحثون مثلاً على ذلك بداء السل البقري المنتشر بين حيوانات الغرير في المملكة المتحدة الذي "يمثل"، وفق كلامهم، حاجزاً كبيراً يعترض سبل السيطرة على المرض والقضاء عليه.
ودعا العلماء إلى النهوض ببحوث إضافية مركزة لتبيان الدراسات الناقصة المتعلقة بحوادث انتقال المسببات الممرضة بين الأنواع الحية، ليس لأغراض الصحة العامة فحسب، إنما أيضاً للحفاظ على الأنواع الحية الأخرى المصابة.
كذلك وجد البحث الجديد الذي تولى مراجعة دراسات سابقة أن أدوات التعلم الآلي يمكن أن تساعد العلماء في وضع توقعات متصلة بالأنواع الحية التي يرجح ربما أن تلتقط من البشر أشكالاً من العدوى، وعندما عقد الباحثون مقارنة بين الأنواع الحية المصابة بـ"كوفيد" من جهة، وتوقعات وضعها باحثون آخرون باستخدام أدوات التعلم الآلي في وقت سابق من الجائحة من جهة أخرى، وجدوا أنه هؤلاء توصلوا غالباً إلى تخمينات صحيحة.
في الواقع، "يبعث على ارتياح شديد أن نرى أن جهود تحديد تسلسل الجينوم لدى الحيوانات والإلمام بطريقة عمل أجهزتها المناعية قد أتت ثمارها"، على ما قال كولين كارلسون، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة أيضاً من "جامعة جورج تاون"، وفي رأي الدكتور كارلسون، "منحت جائحة كورونا العلماء فرصة كي يختبروا بعض الأدوات المعتمدة في وضع التوقعات، واتضح أننا أكثر جاهزية مما كنا نظن".
ونظراً إلى أن العالم يراقب "كوفيد" عن كثب، قال العلماء إنهم أكثر استعداداً لاكتشاف حالات انتقاله من الإنسان إلى الحيوانات عند حدوثها، لكنهم في حالات أخرى [كائنات أخرى مسببة للأمراض] لا تتوافر معلومات كافية بشأنها واجهوا "صعوبة أكبر" في تقييم المخاطر على نحو يتسم بالصدقية.
ثم قال الباحثون إنه ما زال من الصعب أن نتبين مدى الخطورة والتهديد اللذين يطرحهما انتقال مسببات أمراض غير فيروس كورونا من البشر إلى الحيوانات على صحة الإنسان أو الحياة البرية.
بناء عليه، تمس الحاجة إلى تنفيذ تدابير جديدة تحول دون ظهور جوائح بين البشر في ما بعد.
ولحسن الحظ، "تساعدنا المراقبة طويلة المدى في إنشاء أطر مرجعية أساسية متعلقة بسلامة الحيوانات البرية وانتشار الأمراض، ما يضع أساساً مهماً للدراسات المستقبلية. إذا تمعنا في عمليات المراقبة، نرصد حالات انتقال العدوى بين الأنواع الحية على نحو أسرع كثيراً، ثم نتخذ الإجراءات المناسبة"، قالت الدكتورة فيغر.
وخلص العلماء إلى أن التوصل إلى فهم تام لعمليات انتقال العدوى بين الأنواع الحية، ولإيكولوجيا الأنظمة المتعددة المضيف عموماً، سيكشف عن أنواع حية مضيفة معرضة للخطر ومسببات أمراض مرتبطة بها، ويوجه الفهم البيولوجي الأساسي للتطابق في انتقال مسببات الأمراض بين الأنواع الحية، ويعزز صحة الإنسان والحيوان في القرن المقبل".
© The Independent