بدأت المحكمة العليا الباكستانية، الاثنين الرابع من أبريل (نيسان)، الاستماع للدفوع المتصلة بمدى قانونية دعوة رئيس الوزراء عمران خان إلى انتخابات عامة جديدة بعد أن عرقل حزبه التصويت على سحب الثقة منه وبعد أن قرر خان حل البرلمان لإحباط محاولة المعارضة الإطاحة به.
وفقد خان، نجم الكريكيت السابق، أغلبيته في البرلمان الأسبوع الماضي، وكان يواجه الأحد اقتراح حجب الثقة الذي تقدمت به المعارضة. لكن نائب رئيس البرلمان، وهو عضو في حزب خان، رفض الإجراء الذي كان من المتوقع على نطاق واسع أن يخسره خان، قائلاً إنه جزء من مؤامرة أجنبية وغير دستوري.
وتُلقي هذه الخطوة بالدولة المسلحة نووياً، التي حكمها الجيش لما يقرب من نصف تاريخها منذ الاستقلال في عام 1947، في خضم أزمة دستورية كاملة.
وأياً كان قرار المحكمة العليا فإن باكستان تبدو متجهة إلى انتخابات عامة جديدة قبل استكمال الفترة الحالية لكل من البرلمان ورئيس الوزراء في عام 2023.
وإذا تغلب خان على خصومه السياسيين ستُجرى الانتخابات في غضون 90 يوماً. وتريد المعارضة أيضاً انتخابات مبكرة لكن بعد تكبيد خان هزيمة سياسية من خلال الإطاحة به في اقتراع حجب الثقة.
"خيانة عظمى"
ووصف زعيم المعارضة شهباز شريف منع التصويت بأنه "لا يقل عن الخيانة العظمى".
وقالت صحيفة "دون"، التي تصدر باللغة الإنجليزية، "الأمة مذهولة". وأضافت في افتتاحيتها، "حتى في الوقت الذي توقع فيه الخبراء السياسيون ووسائل الإعلام هزيمة السيد عمران خان في التصويت بحجب الثقة، بدا أنه غير منزعج. لم يكن بإمكان أحد توقع أن تتضمن حيلته الأخيرة إحراق النظام الديمقراطي".
وحل خان الحكومة أيضاً ويريد إجراء انتخابات عامة في غضون 90 يوماً، على الرغم من أن هذا القرار يعود رسمياً إلى الرئيس ومفوضية الانتخابات ويعتمد على نتيجة الدعوى المقامة أمام المحكمة العليا.
وفي بيان، قال الرئيس عارف علوي، ومنصبه شرفي إلى حد كبير، إن خان سيبقى رئيساً للوزراء بصورة مؤقتة لحين تعيين قائم بأعمال رئيس الوزراء يشرف على إجراء الانتخابات.
وقال مكتب الرئيس في البيان إن علوي كتب إلى خان وشريف طالباً من كل منهما التقدم خلال ثلاثة أيام بأسماء مرشحين لشغل منصب القائم بأعمال رئيس الوزراء لاختيار أحدهم.
قرارات المحكمة المحتملة
لكن إجراء الانتخابات يعتمد بشكل كبير على نتيجة الدعوى القضائية التي بدأت هيئة مكونة من خمسة من قضاة المحكمة العليا الاستماع إلى دفوع طرفيها في قاعة مكتظة بالحضور.
ويمكن أن تأمر المحكمة العليا بإعادة البرلمان، أو الدعوة إلى انتخابات جديدة، أو منع خان من الترشح مرة أخرى إذا تبين أنه تصرف بطريقة غير دستورية. كما يمكن للمحكمة أن تقرر أنها لا تستطيع التدخل في الشؤون البرلمانية.
ويقول خان إنه لم يتصرف بطريقة غير دستورية، واصفاً خطوة الإطاحة به بأنها مؤامرة دبرتها الولايات المتحدة، وهو ادعاء تنفيه واشنطن.
وبعد وصوله إلى السلطة في عام 2018، عمل خان على التقارب بين باكستان والصين وروسيا وابتعد بالبلاد عن الولايات المتحدة. واتهم خان أيضاً رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي بالتقاعس عن حماية حقوق الأقلية المسلمة في بلاده.
ويقول محللون سياسيون إن الجيش نظر بشكل إيجابي لأجندة خان المحافظة القومية عندما فاز في الانتخابات التي أجريت عام 2018، لكن دعمه له تراجع لاحقاً بسبب خلافات متعددة. وينفي الجيش تدخله في السياسة المدنية، لكن من المستبعد أن يقف الجنرالات مكتوفي الأيدي إذا اعتقدوا أن الفوضى السياسية تضر بالبلاد أو إذا كانت مصالحهم الأساسية مهددة.
تحديات كثيرة
وأياً كان رئيس وزراء باكستان المقبل، فإنه يواجه تحديات كبيرة.
وقال مدير معهد البحوث التاريخية والاجتماعية البروفيسور جعفر أحمد، إن الحكومة المقبلة ستحتاج إلى خوض "تحديات متعددة على مستوى العلاقات الداخلية والخارجية". وفي ما يأتي أهم المسائل المطروحة على رئيس الوزراء المقبل في باكستان التي يبلغ عدد سكانها 220 مليون نسمة.
الديون والتضخم
تراكمت الديون وتسارع التضخم وضعفت الروبية، ما أدى إلى ركود النمو على مدى السنوات الثلاث الماضية مع احتمال ضئيل لحصول تحسن حقيقي. وقال نديم الحق نائب رئيس المعهد الباكستاني لاقتصادات التنمية وهو منظمة بحثية في إسلام أباد، "فقدنا البوصلة"، وأضاف، "هناك حاجة لإصلاحات سياسية جذرية لتغيير مسار الاقتصاد".
وتجاوز معدل التضخم 12 في المئة، والدين الخارجي 130 مليار دولار أي 43 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وانخفضت الروبية إلى 185 مقابل الدولار، أي بنحو الثلث منذ تولي عمران خان السلطة.
ولم تستكمل باكستان تلقي حزمة الدعم التي قدمها صندوق النقد الدولي بقيمة ستة مليارات دولار، ووقعها خان عام 2019، لأن الحكومة تراجعت عن اتفاق حول خفض أو إنهاء دعم سلع معينة وتحسين الإيرادات وتحصيل الضرائب.
واعتبر رئيس مجلس الأعمال الباكستاني إحسان مالك أن "حزمة صندوق النقد الدولي يجب أن تستمر".
تحويلات المغتربين في الخارج
على الصعيد الإيجابي، بلغت التحويلات المالية للمغتربين الباكستانيين أعلى مستوياتها على الإطلاق، على الرغم من أن التدفقات النقدية وضعت باكستان تحت مجهر مجموعة العمل المالي، الجهة الرقابية العالمية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأكد جعفر أحمد أن "هذا سيف مسلط على البلاد يمكن أن يسقط في أي وقت".
هجمات دامية
في الأشهر الأخيرة، صعدت حركة "طالبان - باكستان" هجماتها، وهي حركة قائمة بذاتها تشترك في جذورها مع الحركة الأصولية التي تولت السلطة في أفغانستان، العام الماضي، وهددت الحركة بشن هجوم واسع على القوات الحكومية خلال شهر رمضان الذي بدأ الأحد في باكستان، واتهمت في السابق بالمسؤولية عن سلسلة هجمات دامية.
وحاول عمران خان ثني المتشددين عن ممارسة العنف، لكن المحادثات مع مقاتلي الحركة لم تنجح، العام الماضي، قبل انهيار هدنة استمرت شهراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعهدت حركة "طالبان" الأفغانية بعدم السماح باستخدام البلاد قاعدة للمسلحين الأجانب، لكن لا يُعرف بعد إن كانت ستوقف بالفعل أنشطة الآلاف من الإسلاميين الباكستانيين المتمركزين في أفغانستان وسط تساؤلات عن وجهتهم في حال طردتهم سلطات كابول، ويرى الخبراء ألا حلول سهلة في هذا الملف حتى بالنسبة إلى الحكومة المقبلة، وقال المحلل السياسي رفيع الله كاكار، "تحدي التمرد سيبقى كبيراً ومهماً للحكومة الجديدة".
الحكم الذاتي
أما في بلوشستان الغنية بالمعادن، أكبر ولايات باكستان، فيطالب الانفصاليون منذ أعوام بتعزيز الحكم الذاتي ونصيب أكبر من الثروة في حين تعاني المنطقة اضطرابات طائفية وعنف جماعات متطرفة، واقترح كاكار نهجاً من شقين يشمل "تدابير بناء ثقة ومصالحة سياسية" في بلوشستان، وتشديد التعامل مع "طالبان" "مرة واحدة وإلى الأبد"، ويقول عمران خان إن الولايات المتحدة تقف وراء محاولة إطاحته من خلال التآمر مع المعارضة، وسيتعين على الحكومة المقبلة العمل بجد لإصلاح العلاقات مع واشنطن التي تمثل مورداً رئيساً للأسلحة في مقابل توريد روسيا للأسلحة إلى الهند.
وأثار خان غضب الغرب بمواصلة زيارته موسكو في اليوم الذي بدأت فيه روسيا حرباً على أوكرانيا، كما كان أيضاً أحد قادة الدول القلائل الذين حضروا افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين التي قاطعها آخرون احتجاجاً على سجل الصين في مجال حقوق الإنسان.
ومع ذلك، هدأ قائد الجيش الجنرال قمر جاويد باجوا بعض المخاوف في نهاية الأسبوع بقوله، "العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة لا تزال على رأس اهتمامات باكستان، والجيش له نفوذ كبير في البلاد بغض النظر عن توجهات الحكومة"، وقال المحلل السياسي توصيف أحمد خان، إن "الحكومة المقبلة تحتاج إلى بذل جهد جاد لإصلاح الأضرار".