يمسك الصغار ممن يستعدون لصوم أيام رمضان كاملة، أي من الفجر إلى المغرب، وليس الظهر أو العصر، بالإمساكية ويبدأون في حصر عدد ساعات الصيام. منهم من تصيبه صدمة، لأنه سيمكث 14 أو 15 ساعة من دون قطرة ماء أو رشفة عصير أو حتى قضمة شوكولاتة، ومنهم من يعتبر نفسه أهلاً للتحدي ويبدأ في التخطيط لكيفية قضاء تلك الساعات.
لكن الصغار ليسوا وحدهم من يفعل ذلك، فالكبار يقتدون بهم، ولكن على استحياء. القاعدة هي أن لا أحد يتقدم به العمر لدرجة ألا يتطلع على عدد ساعات الصيام، لا سيما حين يتزامن الشهر مع فصل الصيف، أو يتواجد الصائم في بلد يؤذن فجره في الثالثة صباحاً ومغربه في السابعة مساءً.
لا مجال للقهوة
المسلمون في إيسلندا موعودون بعشرين ساعة صيام هذا العام. بمعنى آخر عليهم تناول وجبتي الإفطار والسحور، وما بينهما من شاي وقهوة وكنافة وقطائف وبسبوسة في أربع ساعات فقط لا غير.
في المقابل، فإن الصائمين في دول مثل نيوزيلندا وجزر القمر والأرجنتين لديهم بحبوحة أكبر في تناول ما تتوق إليه الأنفس وتهفو إليه البطون في الساعات الواقعة بين المغرب والإمساك.
لكن الساعات الواقعة بين الفجر والمغرب طويلة، وعلى الرغم من نسبية الطول، وتفاوت قدرات وظروف وأولويات الصائمين والصائمات، إلا أن تفاوت عدد ساعات الصيام يدفع أعداداً غير قليلة من الـ1.8 مليار مسلم حول العالم للابتكار والإبداع في كيفية تمضية ساعات الصيام، لا سيما الطويلة.
ساعات العمل الطويلة
ساعات العمل الطويلة تتحول بشكل أو بآخر في رمضان إلى قصيرة، فغالبية الدول العربية، وتلك ذات الغالبية المسلمة، تخفض عدد ساعات العمل النهاري للموظفين، حتى في الدول التي لا تصدر مراسيم رسمية بالتخفيض، يجري التخفيض بشكل أو بآخر.
في مصر مثلاً، تحدد القوانين العمل بثماني ساعات يومية، ولا يوجد نص قانوني يقلص العدد خلال شهر رمضان، لكن ما يحدث أنه ينخفض ساعة أو ساعتين، وأرض الواقع تشير إلى أكثر من ذلك بكثير في بعض الأماكن.
وكثيراً ما يترك موضوع تخفيض عدد الساعات للشركات وأماكن العمل، التي تصدر لوائح داخلية تنظم بها عملها أثناء الشهر. فمثلاً البنك المركزي في مصر أصدر قراراً قبل أيام يحدد ساعات عمل موظفي البنوك بخمس ساعات، أربع منها متاحة للجمهور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دول عربية أخرى، مثل قطر والإمارات والبحرين والسودان والسعودية والمغرب تخفض عدد ساعات العمل في رمضان ساعة أو ساعتين. وكذلك الحال في المدارس والجامعات، حيث لا تتوقف الدراسة، ولكن تتقلص عبر تقليل مدة الحصص والمحاضرات ليصبح بعضها 40 دقيقة بدلاً من ساعة، والاكتفاء بفترة راحة واحدة وصرف الطلاب والمعلمين مبكراً.
أما الدول ذات الأغلبية غير المسلمة، فيلتزم المسلمون العاملون فيها ساعات العمل العادية، حيث لا مجال للتقليص أو تخفيف الأحمال، وذلك باستثناء حالات فردية يكون زملاء العمل أو المديرون متفهمين للفرض الديني الإسلامي وآثاره الجسدية والفكرية وحاجة الصائم لقدر أوفر من الراحة وأقل من العمل أثناء ساعات الصيام.
الصوم بحسب مكة
فتاوى عدة تصدر في كل عام بشأن الصائمين لساعات طويلة. دار الإفتاء المصرية إحدى الجهات الوسطية التي تحرص على الرد على مثل هذه الأسئلة، وتميل دائماً إلى التخفيف والتيسير في حدود الأحكام الشرعية.
أبرز ما جاء عن دار الإفتاء المصرية هو مقترح للمسلمين في دول ساعات الصيام الطويلة جداً بأن يتبعوا تقديرات الصوم بحسب مكة، على اعتبار أنها "أم القرى"، وأنها المقصودة دائماً لا في تحديد القبلة فقط، لكن في تقدير المواقيت أيضاً.
أما الخيار الثاني، فهو اتباع تقدير أقرب البلاد، ولكن أقرب البلاد قد يكون ساعات صيامها فيها كثير من المشقة أيضاً. لذلك ترى دار الإفتاء المصرية أن يصوم مسلمو هذه الدول عدد ساعات الصوم في مكة، على أن يبدأ الصوم مع طلوع الفجر حسب موقعهم على ظهر الأرض من دون نظر إلى عدد ساعات النهار أو الليل. في المقابل دأبت مؤسسات دينية في بلدان أخرى على التمسك بساعات الصيام مهما كانت طويلة.
أنشطة خيرية متنامية
ساعات الصيام، سواء الطويلة أو القصيرة، تحوي تشكيلة بالغة الثراء من الأنشطة. فبتنحية ساعات العمل أو الدراسة الإجبارية، وكذلك سويعات الراحة والنوم أثناء ساعات الصيام، تتبقى ساعات يخصص البعض جانباً منها للصلاة وقراءة القرآن والدعاء، وتتبقى ساعات للرياضة والطهو والمشي وتنظيم "كراكيب" البيوت ومشاهدة التلفزيون والقيام بأعمال الخير.
الملاحظ أن تمضية ساعات الصيام في أعمال وأنشطة خيرية وتطوعية ظاهرة متنامية في عديد من الدول خلال السنوات القليلة الماضية. عدد كبير من الجمعيات الأهلية والخيرية يكثف الجهود في رمضان بالتعاون مع جيوش من المتطوعين والمتطوعات الذين يمضون جزءاً من ساعات الصيام في طهي وتجهيز وتعبئة وتغليف وتوزيع وجبات الإفطار والسحور للفئات الأكثر احتياجاً. كما يمضي البعض الساعات القليلة السابقة للإفطار في التعاون مع الجيران والأصدقاء في تجهيز أكواب العصير وزجاجات المياه والتمر لتوزيعها على المارة وقت الإفطار.
لكن ساعات الصيام الممتدة تتسع لما هو أكثر من ذلك. وكما أن فصل الربيع يحفز كثيرين على إخضاع البيوت ومحتوياتها للجردات السنوية، حيث التخلص من المقتنيات غير المستخدمة وإعادة ترتيب البيت، فإن تحفيزاً مماثلاً يجده البعض من الصائمين ممن تتحول بيوتهم من مخازن عشوائية إلى بيوت منسقة منمقة بفضل ساعات الصيام الطويلة، والبحث عن أنشطة مفيدة وغير مرهقة جسدياً لملئها.
جهود ملء المعدة
ملء ساعات الصيام يمر أحياناً عبر جهود ملء المعدة، روائح القلي والتحمير والشوي وتسوية الحلوى، التي تظل تتصاعد من نوافذ مطابخ ملايين الصائمين حول العالم تشي بنشاط مطبخي يجعله البعض محموماً أثناء ساعات الصيام.
رياضة المشي في الساعة التي تسبق أذان المغرب، إلا أن هذا التوجه الحميد يتأثر ببرودة الجو وحرارته تتحكمان في ما يفعله أو لا يفعله الصائم في أثناء ساعات الصيام.
الطريف أن وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي تنضح بكميات هائلة من المقترحات والأفكار لأنشطة يوفرها الأهل للصغار أثناء ساعات الصيام، وذلك بين ترفيهية ودينية ورياضية واجتماعية. لكن تفتقد هذه الصفحات مقترحات مشابهة للكبار لاعتقاد خاطئ بأن الكبار لا يحصون عدد ساعات الصيام، تماماً كما يفعل الصغار.