Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ينهي الحسم العسكري الصراع القبلي في دارفور؟

مؤيدون لـ "حميدتي" يرون التدخل هو الحل الأمثل... ومعارضون يحذرون: الحلول العسكرية فاقمت الأزمة

أصبحت أزمة دارفور دولية بعد تفجرها عام 2003 على إثر تأسيس حركتين رئيستين متمردتين (اندبندنت عربية - حسن حامد)

شهد السودان خلال العقود الثلاثة الماضية تطوراً خطراً في قضية دارفور التي اندلعت منذ زمن بعيد في حقبة الاستعمار الإنجليزي على السودان، ومرت بمراحل عدة ما بين الحرب والصلح إلى أن تفجرت في العام 2003، بعد توقفها لما يزيد على عقدين من الزمان نتيجة لمؤتمر صلح عام 1967 بين قبيلتي الرزيقات والمعاليا.

وكانت الحرب قد اندلعت في ذلك الوقت بسبب خلاف حول الأرض وتوزيع "الحواكير" وهي إقطاعات كان يمنحها سلطان دارفور لخاصة أهله وكبار قومه بأختام معروفة، لكن التحول التاريخي للأزمة في مرحلتها الأخيرة كان في انتقالها من مشكلة داخلية تمس بشكل ما دول الجوار الإقليمي إلى تدويلها على نطاق واسع، وأسهم في ذلك بذل العداء من قبل الرئيس السابق عمر البشير للمجتمع الدولي، ومن دون أن يكون السودان مستعداً لتحمل تبعات ذلك التحدي. ومنذ ذلك الوقت كان أي صراع يخلف عشرات القتلى وسلسلة من عمليات الانتقام من دون الاحتكام إلى القانون، ومن غير أن تفرض الحكومة سلطتها لحسم هذه الخلافات.

 ويبدو أن المجلس السيادي الانتقالي الذي يحكم في فترة ما بعد ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، لا يمتلك تصوراً محدداً يسمح له بالعمل على حل قضية دارفور بعيداً من الحلول المجترحة في حقب سابقة. وعلى إثر القتال الذي اندلع بين قبيلتي الرزيقات والفلاتة في محليات دمسوا وتلس وبرام بولاية جنوب دارفور الأسبوع الماضي بسبب مقتل ضابط تابع لقوات الدعم السريع التي يترأسها حميدتي على يد مسلحين انتقاماً لحادثة نهب، وجه نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو بحسم النزاعات القبلية بولاية جنوب دارفور بالقوة العسكرية.

وكان هذا الصراع أسفر عن مقتل نحو 45 شخصاً، وما حدث بين قبيلتي الرزيقات والفلاتة ظل يحدث خلال حرب دارفور بين قبائل أخرى بينها تنافس على الأحقية في الأرض، يغذيه شعور بالتفوق من قبائل معينة والدونية من أخرى، وكذلك التعصب.

مراحل متعاقبة

وبعد أن بدأت ترتسم معالم مرحلة جديدة في السودان انعكاساً للتغييرات التي حدثت بعد الثورة، إيذاناً بإيقاف الحرب وإحلال السلام، وصولاً إلى إقامة الحكم المدني، يبدو أن "السلطة تنبع من فوهة البندقية" مثلما قال الزعيم الصيني ماو تسي تونغ، والسلطة المفترضة لحسم ازدياد العنف والوصول بالإقليم إلى حال سلام تستخدم الأداة ذاتها.

على الرغم من معرفة مسببات العنف في دارفور إلا أنها في بعض جوانبها تبدو شديدة الغموض، ولا يزال التعامل معها كظاهرة قائمة ومستمرة جزءاً من طبيعة هذه المنطقة وتاريخها. أسست سلطنة دارفور عام 1650 بعد قيام سلطنة الفونج عام 1504، وفي تلك الفترة كان نظام الدولة السودانية شبيه بالنظام الإقطاعي إذ يتحصل السلطان وأعيان السلطنة على المحاصيل التي يزرعها المنتجون من عامة الشعب، ولم يكن هؤلاء المزارعون قادرين على الاعتراض أو رفض الأوامر العليا لإرغام السلطة في ذلك الوقت لأن تكون أقل لؤماً وظلماً.

وعلى هذا الأساس كان سلطان دارفور يقرب ويباعد بين القبائل بحسب الولاء، فمنح المقربين الأراضي وطور الجيش التابع له المكون من الرقيق. ولما كانت البلاد حديثة عهد بالإسلام فقد تحول الدين إلى أيديولوجيا للسلطان يبرر بها اعتداءاته على حقوق العامة.

واستمرت تعقيدات قضايا الأرض إلى بعد سقوط سلطنة دارفور بقيادة السلطان علي دينار في أيدي الاستعمار البريطاني عام 1916، وكانت وسيلة الحكم الإداري في معاقبة القبائل والمجموعات السكانية التي قاومته، هي انتزاع الأراضي منهم ومنحها للموالين له، وبهذا تشكلت المرحلة الثانية من الصراع في دارفور حول مناطق الرعي والزراعة التي منحها السلطان بفرمانات سلطانية وانتزعها الإنجليز ومنحوها لغيرهم.

أما المرحلة الثالثة من الصراع في دارفور فقد تشكلت منذ الثمانينيات عندما استقطب الصادق المهدي في استعداده لخوض انتخابات 1986، تحالفاً قبلياً من دارفور من أجل الحصول على أصوات هذه المجموعات القبلية في الانتخابات، مقابل الدعم الرسمي والمالي من حزبه وحكومته والذي تحقق بعد فوز حزب الأمة وانفراده بأغلب مقاعد البرلمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تدويل الأزمة

أصبحت أزمة دارفور دولية بعد تفجرها عام 2003 على إثر تأسيس حركتين رئيستين متمردتين هما "حركة العدل والمساواة" برئاسة خليل إبراهيم و"حركة وجيش تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد محمد نور وأمينها العام مني أركو مناوي قبل انشقاقه في عام 2004 وانضمامه بعد ذلك بسنوات إلى حكومة الوفاق الوطني مع النظام السابق.

ووقعت كثير من الاتفاقات بين الحكومة والحركات المتمردة المسلحة في دارفور، وكانت البداية باتفاق وقف إطلاق النار الإنساني الخاص بالنزاع في دارفور الموقع في 8 أبريل (نيسان) 2004. ثم جاءت اتفاقية أبوجا التي وقعت في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2006. وتقرر تمديد التفويض الممنوح لقوات الاتحاد الأفريقي المنتشرة في إقليم دارفور لستة أشهر تنتهي في 30 يونيو (حزيران) 2007. ثم أقر مجلس الأمن نهاية أغسطس (آب) 2006 نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مكونة من 17300 جندي، لتحل محل قوة الاتحاد الأفريقي. ومع معارضة حكومة الخرطوم أقر "مجلس السلم والأمن الأفريقي" عملية "مختلطة" وفقاً لخطة الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كوفي أنان التي تضمنت نشر قوات مختلطة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.

وفي فبراير(شباط) 2009 كانت محادثات الدوحة التي وقع نتيجة لها الاتفاق الإطاري في فبراير 2010، ورفضته "حركة العدل والمساواة" بقيادة زعيمها السابق خليل إبراهيم الذي ينحدر من قبيلة الزغاوة كبرى القبائل في دارفور، احتجاجاً على وجود حركات مسلحة أخرى في المحادثات، قال إبراهيم إنها لا تمثل أهل دارفور، مما أرغم الحكومة السودانية على التفاوض مع حركته بشكل ثنائي، اتفق فيه الطرفان على وقف إطلاق النار، وسلطة دارفور الانتقالية وعودة النازحين وقضية التعويضات.

وبعد مقتل قائد الحركة في غارة جوية باستهدافه بصاروخ أطلقته طائرة مجهولة في ولاية شمال دارفور، أصبحت حركته مترددة في التواؤم مع النظام السابق بقيادة شقيقه جبريل إبراهيم نتيجة لاستمرار الضغوط التي تعرضت لها منذ تنفيذها غزوة أمدرمان في 10 مايو (أيار) 2008.

عوامل الصراع

تأسست دوامة الحرب في دارفور على نوعين من الصراع، الأول هو الصراعات القبلية، والثاني هو الاعتداءات المتكررة على المدنيين كما في عهد النظام السابق، وفي كل يكاد يكون السلاح واحداً وهو حرق القرى ومعسكرات النزوح وقتل الرجال والإبقاء على النساء في أوضاع مزرية يتعرضن للاغتصاب وأشكال أخرى من العنف.

وبعد زوال نظام البشير بدأت ثنائية المواجهة بين القبائل الزنجية "الزرقة" والقوات النظامية الحكومية وبعض الميليشيات المدعومة من قبائل عربية تخفت لمصلحة المواجهات القبلية بين القبائل الأفريقية مثل الفور والزغاوة وغيرهم من جهة، وبين القبائل العربية مثل الرزيقات والمعاليا من جهة أخرى. وقد شهدت الفترة الماضية أحداث عنف كثيرة بين هذه المكونات المختلفة آخرها بين الرزيقات والفلاتة.

 ولهذه الصراعات عوامل عدة من التهميش السياسي والاقتصادي والصراع على الموارد الشحيحة، إضافة إلى عامل حديث وهو نشاط التعدين الأهلي في مجال التنقيب عن الذهب، وتقوم كلها على أرضية التعقيدات الإثنية، بيد أن هناك عاملاً مهماً آخر وهو الصراع على الأرض الذي يتعلق بعنصر البقاء، وطغى وصف الصراع بأنه إثني فقط في الدوائر الغربية على العوامل الأخرى، وحجب قضية الخلاف حول الأرض ودورها في تأجيج الصراع.

وفي كل المعالجات لهذه القضية سواء أكان إقليمياً أو دولياً كان التركيز على العوامل الأخرى مع إهمال عنصر الأرض الذي يقوم على جذور تاريخية واختزال المواجهات على أنها بين إثنيات مختلفة مع أنها في بعض الأحيان تنشأ بين قبيلتين من إثنية واحدة.

وبعض الأنثروبولوجيين رأوا أن ادعاء بعض إثنيات دارفور لهوية عربية إسلامية هو نتيجة اعتقادهم أن ذلك سيرتقي بهم إلى دوائر القوة وامتيازاتها، وذلك لأن سلطان سلطنة الفونج التي تعد النموذج الهادي لسلطنة دارفور أصدر مرسوماً في القرن الـ 16 الميلادي أعلن أنه ومجموعته ينحدرون من العنصر العربي وبالتحديد "سلالة الأمويين"، وخلقت هذه النظرة مشكلة الهوية واستقواء بعض القبائل في صراعها مع الأخرى بالمركز الذي تمثل في حكومة النظام السابق، واستفادت الحكومة من هذا الاضطراب بأن استقطبت بعضها لإشعال الصراع مع الأخرى.

اتساع رقعة الصراع

في حين يرى مؤيدون لموقف النائب الأول حميدتي أن التدخل العسكري هو الحل الأمثل لحل النزاع في دارفور، يرى آخرون أن الحلول العسكرية هي ممارسة كانت سائدة في ظل النظام السابق مع قضية دارفور، وهي التي فاقمتها ووسعت رقعة الصراع وازدادت بموجبها الانتهاكات التي ارتكبتها القوات النظامية، وصولاً إلى اتهام الرئيس السابق عمر البشير ومسؤولين بتنفيذ إبادة جماعية، مما نتج عنه إصدار أمر من محكمة الجنايات الدولية بالقبض عليه، كما أنه يبدو مجافياً لخيار الحل السلمي خصوصاً بعد تعزيز اتفاقية السلام بجوبا في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. كما تعد ناسفة لبعض بنود الاتفاق التي اشترطت تنفيذ وقف إطلاق النار الدائم والترتيبات الأمنية الشاملة، وتنفيذ برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، وإعادة النظر إلى ملكية الأرض القبلية عبر الإصلاح القانوني لقوانين الأرض والملكية خصوصاً قانون 1970.

تتأثر تفاعلات ديناميات البيئة الداخلية لإقليم دارفور بتحديد كيفية تفاعلها مع بيئة الإقليم المجاور ومنطقة وسط وغرب أفريقيا، وتؤثر وتتأثر بتفاعلات المنظمات الدولية وأهدافها التي تشكل أطرافاً فاعلة، ليس لديها التعقيدات الموجودة في هيكل الدولة وتعارضها مع التفاعلات الاجتماعية ومطالب المجموعات الإنسانية على اختلافها، ويتضح أن استجابة السلطة السياسية في كل الحكومات السودانية ضعيفة، إذ تركز جل جهودها على بسط سلطتها من خلال معادلة سياسية، وفي حال السلطة العسكرية تنتهج معادلة عسكرية وهنا تتضح ورطة الحكومة الانتقالية التي تريد تجاوز مشكلات الإقليم بحسم عسكري متجاوزة مواطن العجز في هيكلها السياسي ومستعيدة إخفاقات النظام السابق.

تنطبق ديناميات التفاعل الداخلي أيضاً على عمل المنظمات الدولية، وإذا كانت هذه المنظمات تعمل على مستوى استراتيجي وقوالب حلول جاهزة لكل مناطق النزاعات، أو أن بإمكانها مقاربة الحلول وفقاً لطبيعة دارفور. ولذلك ينبغي ابتداء معرفة تأثير هذه البيئة على عمليات صنع القرار والوسائل المناسبة لوضع الحلول.

تصادم التدخلات

سينشأ عن هذا الوضع بوجوب التدخل العسكري في دارفور تصادمه مع التدخل الإنساني للمنظمات التي ظلت تشكو منذ النظام السابق من تدخلات البشير باعتبارها معيقة لجهودها، وأن تدخله حتى بعد توقيع اتفاقيات السلام لحل القضية كانت لتحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية وترسيخ وجود قمعي. وقد يقول قائل إنه كان هناك تدخل عسكري دولي، لكن كل البعثات الأممية بثياب عسكرية كانت لدواع إنسانية تتمثل في الدعم اللوجستي والعسكري وتدخلها عند الضرورة لفض النزاعات، ومن غيرها كان بمقدور أطراف النزاع لتستطيع التفوق على خصمها من دون تدخل فعلي أو مباشر وتفرض قوة تبتلع قوة الدولة.

ومن دون مشكلة دارفور وبغير الأمر بهذا التدخل العسكري، فإن ظروف البلاد وأوضاعها الداخلية وتزايد حجم مشكلاتها وضعف الحكومة الانتقالية في مواجهة التحديات والأزمات بأنواعها السياسية والاقتصادية والأمنية، كل ذلك محفز لاحتمال التدخل الخارجي وتوسعته من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، لأخرى شاملة بما في ذلك إقليم دارفور.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير