على الرغم من المبادرة التي أطلقتها الجبهة الثورية السودانية في ختام مؤتمرها التداولي الأول بالدمازين، عاصمة إقليم النيل الأزرق، ودعت فيها إلى إنهاء الأزمة السياسية بإجراء حوار بين جميع مكونات الفترة الانتقالية، مع تأكيد ضرورة تنفيذ اتفاق سلام جوبا كحزمة واحدة من دون تجزئة، بما في ذلك مسار شرق السودان، يبدو أن غياب مشاركة أطراف أساسية من عضوية الجبهة في مؤتمرها التداولي الأول، نكأ جراحاً قديمة، وأعاد إلى السطح خلافات ظلت مكتومة قد تباعد الخطى بين حركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان.
هجوم وتبرّؤ
كانت حركة العدل والمساواة أول المهاجمين لمؤتمر الجبهة الثورية، إذ وصفته بأنه غير دستوري، كما كشفت، عقب اجتماع مكتبها التنفيذي، برئاسة الدكتور جبريل إبراهيم، أنه المعني، بصفته الأمين العام للجبهة، بالدعوة لاجتماعات المجلس القيادي، بما تشمله من إجراءات تحديد أجندة الاجتماعات وزمانها ومكانها والإشراف على كل الترتيبات الإدارية، لكن أياً من ذلك لم يتبع، بل تم تجاهله على الرغم من أنه من صميم نصوص دستور الجبهة.
الحركة أوضحت، في بيان لها، أنها "ظلت منذ تأسيس الجبهة الثورية، 2011، الأكثر حرصاً على توسيعها وتطوير تجربتها النضالية، وسعت حثيثاً لضم عديد من التنظيمات إليه وتطوير مواثيقها ودستورها، وذلك منذ ميلادها المكون من أربعة تنظيمات مع الرفاق في الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة تحرير السودان، قيادة مناوي، وحركة تحرير السودان، قيادة عبد الواحد محمد نور".
وتبرأت الحركة، في بيانها، من القرارات الصادرة عن ذلك المؤتمر، كونها ليست طرفاً فيه، مجددة حرصها على تقوية الجبهة لتصبح موحدة وفاعلة في الساحة السياسية، وتسهم في تحقيق أهداف الثورة السودانية، ومهام الانتقال الديمقراطي، وتنفيذ اتفاق السلام واستكماله.
وانتقد البيان ما وصفه بـ"سلوك وثقافة اختطاف القرار، وتجيير التحالفات السياسية لصالح أجندات تنظيمات أخرى، بما يتعارض وأهداف الوحدة"، داعياً الجميع إلى تغليب المصلحة الوطنية، والتمسك بالمشتركات، ونبذ أسباب الشتات، ومحذراً من مغبة مثل هذا الاتجاه.
التحالف تقاطع
من جانبها، أصدرت حركة التحالف السوداني، الموقعة على اتفاق السلام، بياناً أكدت فيه عدم مشاركتها في المؤتمر، وانتقدت عدم اتباع اللوائح المنظمة لانعقاد اجتماعات المجلس القيادي، وعدم إشراك عدد من التنظيمات الأعضاء في الجبهة الثورية في إعداد الأجندة وتحديد زمان ومكان الاجتماعات، معتبرة الاجتماع "غير لائحي".
وكشفت حركة التحالف عن أنها قدمت طلباً مكتوباً للمجلس القيادي للجبهة الثورية بتأجيل انعقاد المؤتمر، بغرض المزيد من تجويد الإعداد لتحقيق الأهداف المرجوة، والوصول إلى أقصى قدر من التوافق، لكنه لم يجد التجاوب، على حد قولها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على المنحى ذاته، أرجع القيادي والمتحدث باسم حركة التحالف السوداني، حذيفة محيي الدين البلول، مقاطعتهم المؤتمر إلى عدم إشراكه الحركة في التحضيرات التي تمت من دون علمها، بالتالي فإن مخرجاته لا تعنيها وغير ملزمة بالنسبة لها، مشيراً إلى أن "المؤتمر تجاوز بوضوح الأمين العام للجبهة الثورية، جبريل إبراهيم، وهو الشخص المنوط به الإعداد لأية فعالية خاصة بها، باعتباره الرجل التنفيذي الأول فيها، لذلك يعتبر التحالف أن المؤتمر غير دستوري، ولا يعدو كونه مجرد تظاهرة إعلامية غير ذات فائدة".
البلول أكد دعم التحالف لأية مبادرة تسهم في حل الأزمة السودانية، والوصول إلى حلول لفك حالة الاحتقان الماثلة، داعياً إلى أهمية توحيد الجهود والمبادرات في آلية وطنية واحدة، بالتنسيق مع الجهود الأممية، وبخاصة مبادرة بعثة "اليونتامس" في السودان، لافتاً إلى أن "الوضع السياسي الراهن شهد عدة تغييرات، كما أن هنالك الكثير من المواقف لم توحد القرار داخل الجبهة الثورية، لذلك يبدو أن بعض الصفوف تمايزت، وهناك مواقف اختلفت، ما يجعل المضي صوب تحالفات جديدة من الضرورات المرحلية".
تجدد الخلافات
على الصعيد ذاته، شدد المحلل السياسي والأكاديمي، محمد بادي الرشيد، على أن "أي تقدم ملموس في تنفيذ اتفاق السلام لن يتم إلا بوحدة جميع الحركات التي وقعت على الاتفاق من دون استثناء، في الوقت الذي جدد المؤتمر خلافات قديمة تشي بتباعد الخطى بين الحركات الموقعة على السلام، حينما ركب كل من قادة الثورية المركب الذي يراه". مضيفاً، "لكن الشاهد أن مؤتمر الجبهة الثورية نكأ الجراح القديمة، فضلاً عن أن مخرجاته جاءت على استحياء، ولم تقدم جديداً أو إضافة إلى ما يجري في الساحة السياسية".
وأضاف الرشيد، "هناك في الأصل جبهتان ثوريتان: جبهة (أ) التي يقودها الهادي إدريس، عضو مجلس السيادة، و(ب)، وهي ما تسمى القيادة الأفقية، وتضم أركو مني مناوي وعدداً من الحركات الأخرى، مثل تمازج وشاكوش ومصطفى تمبور، إلى جانب كيانات أخرى يقودها كل من التوم هجو (مسار الوسط) ومحمد سيد أحمد الجاكومي (مسار الشمال) وآخرين".
المحلل السياسي أشار إلى أن "الجبهة الثورية الأم كانت وصلت الخرطوم، وهي أصلاً منقسمة على نفسها (جناح مناوي، وجناح الهادي إدريس)، غير أن المكون الذي يقوده الأول ذاب فيما يبدو لظروف سياسية وعوامل أخرى، بينما لاحت فرصة اغتنمها الشق الآخر من الجبهة الثورية، المشارك في مؤتمر الدمازين، وأعلن عن برنامج يتناغم مع توقعات الصفقة السياسية التي قد تسفر عنها الوساطات الدولية (أممية وإقليمية) الجارية في الخرطوم".
الرشيد شبه بيان مؤتمر الجبهة الثورية السودانية الختامي بـ"مسك العصا من المنتصف"، بخاصة أن "القادة المشاركين فيه يمثلون نحو ثلث مجلس السيادة الانتقالي الحاكم الآن، بمعنى أن جزءاً من قادة الجبهة هم جزء أيضاً من السلطة الانتقالية، بكل ما تتعرض له من ضغوط وحصار، ومع ذلك، فقد حقق المؤتمر سبقاً في تحديد موقف واضح من الوضع الراهن الذي يسيطر عليه المكون العسكري".
ولفت المحلل السياسي إلى أن "المؤتمر شمل معظم الذين لم يكن لهم تأييد واضح للإجراءات التي اتخذها قائد الجيش، 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وجاء ضمن المخرجات البارزة للمؤتمر التمسك بوجود المكون العسكري خلال الفترة الانتقالية، من منطلق أنه الذي وقع اتفاق السلام، جوبا 2020، كطرف حكومي مع الحركات، بينما يلاحظ أن الذين لم يشاركوا في المؤتمر هم من قوام قوى الحرية والتغيير (الميثاق الوطني)، الذين أسهموا في اعتصام القصر من أجل كسر معادلة حكم الحرية والتغيير (المجلس المركزي) لغرض سياسي، هدفه توسيع قاعدة المشاركة".
عقدة الشرق
من جانب آخر، حمل مقرر المجلس الأعلى لنظارات وعموديات البجا، عبد الله أوبشار، الجبهة الثورية مسؤولية أي شيء قد يحدث في الإقليم، محذراً من أن "أي محاولات لإحياء مسار شرق السودان، الذي علقه مجلس السيادة الانتقالي، ديسمبر (كانون الأول) الماضي، هو بمثابة صب مزيد من الزيت على النار"، مجدداً حرص المجلس الأعلى على تحقيق مطالب أهل المنطقة وحماية قضيتهم بالطرق السلمية، وأنه لن يكون طرفاً في أي مؤتمر تنوي الجبهة الثورية تنظيمه خلال الفترة المقبلة.
وطرح المؤتمر التداولي الأول للجبهة الثورية السودانية، من دون مشاركة بعض الحركات، في ختام أعماله بعاصمة إقليم النيل الأزرق (الدمازين)، الأسبوع الأخير من مارس (آذار) الماضي، مبادرة لحل الأزمة السودانية، تشمل خريطة طريق، ومصفوفة للتنفيذ عبر حوار يقوم على مرحلتين، تكون المرحلة الأولى منه بين شركاء الفترة الانتقالية المنصوص عليهم في الوثيقة الدستورية، بهدف الوصول إلى تشكيل حكومة تدير الفترة الانتقالية، بينما سيكون حوار المرحلة الثانية بين كل القوى السياسية بحيث يفضي إلى إنتاج مقاربة في الموضوعات التي تختص بنظام الحكم والدستور والانتخابات. وأكدت المبادرة أن "المخرج الصحيح من الأزمة الراهنة هو التوافق الوطني حول ثوابت تُفضي إلى تسوية سياسية شاملة تشارك فيها كل القوى السياسية الفاعلة، عدا المؤتمر الوطني المحلول".
والجبهة الثورية هي تحالف يضم نحو 7 فصائل مسلحة ومدنية، وقعت اتفاق جوبا لسلام السودان مع الحكومة، أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وعادت وفقه إلى الخرطوم، وبموجبه تم تعديل الوثيقة الدستورية فأصبحت شريكة في السلطة الانتقالية، وبعد قرارات قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، 25 أكتوبر الماضي، التي حل بوجبها مجلس السيادة والحكومة الانتقاليين، وفرض حالة الطوارئ بالبلاد، وعطل الشراكة مع قوى إعلان الحرية والتغيير، احتفظ أعضاء حركات السلام بمناصبهم في السلطة الانتقالية بموجب اتفاق سلام جوبا.
وعقد المؤتمر التداولي الأول للجبهة الثورية بالدمازين، وكان أبرز الحضور فيه، رئيسها، الهادي إدريس، ومالك عقار، رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال، والطاهر حجر، رئيس حركة التحرير والعدالة، وثلاثتهم أعضاء بمجلس السيادة الانتقالي، إلى جانب أسامة سعيد، المتحدث باسم الجبهة الثورية، رئيس مؤتمر البجا المعارض، وعدد من القيادات الأخرى بتلك الحركات. وسجلت بالمؤتمر كل من حركة العدل والمساواة، بقيادة جبريل إبراهيم، وزير المالية والاقتصاد الوطني، والتحالف السوداني، فضلاً عن أركو مني مناوي، رئيس حركة جيش تحرير السودان، حاكم إقليم دارفور الحالي، الذي فارق الجبهة مبكراً وأسس جبهته الخاصة.