فيما يحيي العالم اليوم الدولي "للتوعية بخطر الألغام" تحت شعار "أرض مأمونة ومنزل مأمون"، يخاطر اليمنيون بأرواحهم كل يوم بسبب الألغام المنتشرة على جنبات الطرقات وفي الحقول والمزارع والمناطق المأهولة بالسكان. فعلى الرغم من الهدنة المعلن عنها لمدة شهرين، لا تعرف العبوات لغة التوقف والتريث في حصد الأرواح وبتر الأطراف.
ويقيم "المشروع السعودي لنزع الألغام في اليمن" (مسام) بهذه المناسبة، معرضاً في العاصمة البريطانية لندن يلقي فيه الضوء على حجم المآسي الإنسانية ومخاطر الألغام والعبوات التي يزرعها الحوثيون في المناطق اليمنية المختلفة.
يضم المعرض صوراً لوجوه بريئة لمدنيين فقدوا أطرافهم بفعل هذه الألغام وآخرين يجزعون لفقد أحبة لهم في حقول الموت المنتشرة في البلد، بينهم أطفال ومسنون لا ناقة لهم في الحرب القائمة ولا جمل وشباب يفترض أنهم يشكّلون قوام قوة إيجابية لإعالة أسرهم والمساهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في اليمن، لكن هذه الألغام أقعدتهم عن العمل والحركة ليصبحوا ضمن غالبية تحتاج إلى مساعدات ورعاية.
تسبب تنقلات كثير من اليمنيين خطر تعرضهم لانفجار الألغام، فيما يضطر عدد منهم إلى مواصلة تحركهم من أجل الحياة اليومية، منها العمل في الحقول الزراعية ورعي الماشية والوصول إلى مصادر المياه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أثناء الحفل الذي أقامته "مسام"، عرض القائمون صوراً لزرع ألغام حتى في المدارس. لدى شرح المأساة، كرر مدير المشاريع الخاصة في "مسام" كريس كلارك أن الأبرياء المدنيين كانوا محظوظين بعثورهم على سلك كان يربط العبوة المخبأة في إحدى قاعات الدرس، إذ تتبعوا رأس الخيط حتى وصلوا إلى العبوة التي زُرعت تحت الأرض وطُليت بالإسمنت وكانت حتماً ستحصد أرواح طلبة أبرياء.
من ضمن الألغام التي عرضت خلال الحفل، ألغام بدائية الصنع بأحجام كبيرة تشبه أسطوانة الغاز المنزلي. ولإيجاد مقاربة عن حجمها ومقاسها، يقف أحد القائمين على إزالة الألغام أمامها ويلفت المتحدث في الحفل انتباه الحاضرين إلى طول العبوة ويردد أنه لم يشهد مثل هذه المآسي طوال عمله ضمن فرق الأمم المتحدة وفي أكثر الأماكن خطورة في العالم.
كما عرض القائمون نوعاً من الألغام تشبه الصخرة، ويذكر أسامة القصيبي أن مثل هذه الألغام شوهدت في جنوب لبنان في السبعينيات من القرن الماضي وهي عبارة عن ألغام يصعب الانتباه إليها. وقد أبطلت "مسام" مفعول 7000 لغم من هذا النوع في اليمن.
تطوي "مسام" العام الرابع من عملها التطوعي والإنساني في اليمن وقد أفلحت في الوصول إلى 329 ألف لغم وعبوة في البلاد ضمن مساعيها لإزالة خطر فقد الأرواح والأطراف.
تشرف المؤسسة على تدريب متخصصين في نزع الألغام وتزويدهم بأحدث التقنيات والأجهزة الوقائية لممارسة عملهم التطوعي في البلاد، لكن القائمين على هذه العمليات في سباق مع الزمن للتعرف إلى أنواع جديدة من الألغام التي تزرعها الميليشيات المدعومة من إيران، منها بدائية الصنع وأخرى متطورة يتلقّى الحوثيون التدريب على استخدامها وزرعها من الخارج.
بعض هذه العبوات يصنعها الحوثيون في الداخل، لكن بعضها تهرّب موادها الأولية إلى الحوثيين من الخارج. لا يعترف بحكم الحوثيين إلا إيران، وعلى الرغم من نفيها التورط في دعم الميليشيات بالأسلحة والعتاد، ضُبطت شحنات أسلحة كثيرة خلال الأعوام الماضية في طريقها إلى الحوثيين.
وسعت "اندبندنت عربية" إلى الحصول على رد من الحوثيين بشأن ما ورد حول تورطهم بزرع الألغام في أنحاء اليمن، لكن لم يرِد تعليق منهم.
ويؤكد مدير عام "مسام" أن بين 70 إلى 80 في المئة من الألغام المنتشرة في اليمن تُهرّب إلى داخل البلد.
وطلب أسامة القصيبي من المواطنين في اليمن عدم التردد والتنقل في الأماكن التي شهدت انفجارات للألغام والحرص على إبلاغ فرق "مسام" بوجود مثل هذه الألغام وتجنّب تخزينها في المنازل.
هذه الجهود تستمر فيما لم تتوقف الحرب بعد، ويقول كريس كلارك إن العمل الأساسي لفرق إزالة الألغام يبدأ بعد انتهاء الحرب، مثل ما هو معهود في كثير من مناطق الصراع، لكن تستمر "مسام" بعملها لإزالة الألغام والعبوات الناسفة لإنقاذ حياة المواطنين الذين يعيشون أزمة إنسانية حادة بسبب إصرار الحوثيين على الهيمنة على الحكم والتمدد في أنحاء البلاد بقوة السلاح.