حلّ رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، الخميس السابع من أبريل (نيسان)، بالمغرب في زيارة بالغة الأهمية تخصّ مستقبل علاقات البلدين، حيث تأمل مدريد في أن تتجاوز الرباط خلافها معها، ساعية إلى توطيد علاقاتهما بعد مرحلة طويلة من الخلافات.
مرحلة جديدة
وبعد عقود من اعتماد مدريد نوعاً من الحياد في قضية الصحراء الغربية، قامت الحكومة الإسبانية أخيراً باعتماد توجه محوري في علاقاتها مع المغرب، حيث دعمت مقترح الحكم الذاتي الذي قدمته الرباط كمرتكز لحل نزاع الصحراء، من جانبه، خصّ العاهل المغربي محمد السادس رئيس الوزراء الإسباني باستقبال رسمي، ما يعكس ارتياح الرباط للتوجه الجديد لمدريد، الأمر الذي يؤكده جانب من البيان الثنائي الذي أعقب الاستقبال، وأكد البلدان أنه وعياً منهما "بحجم وأهمية الروابط الاستراتيجية التي تجمعهما، والتطلعات المشروعة لشعبيهما للسلام والأمن والرخاء، فإنهما يدشنان اليوم بناء مرحلة جديدة في علاقاتهما الثنائية"، مضيفاً أن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب تشكل لحظة مهمة لتعزيز خريطة الطريق، وتحديد الأولويات للاجتماع المقبل، الرفيع المستوى، المقرر عقده قبل نهاية السنة الجارية.
وأوضح الباحث المتخصص في العلاقات المغربية - الإسبانية نبيل الدريوش أن العلاقات بين البلدين تدخل مرحلة جديدة من خلال الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الإسبانية إلى المغرب التي تنهي نحو سنة من الأزمة الدبلوماسية والسياسية بين البلدين، والتي وصلت الى مستويات غير مسبوقة، مشيراً إلى أن "هذه المرحلة الجديدة تفتح آفاقاً واعدة بالنسبة للبلدين، بعدما غادرت إسبانيا المنطقة الرمادية التي كانت توجد بها إزاء قضية الصحراء المغربية، ودعمت بشكل صريح وواضح خطة الحكم الذاتي في الصحراء، ورجحت كفة الحل السياسي للملف على حساب الحل القانوني الذي بات متجاوزاً اليوم". وأضاف الدريوش أن هذه الزيارة تحمل أبعاداً، أولاً أنها تجري في شهر رمضان لما له من رمزية كبيرة، كما أن سانشيز حلّ ضيفاً على مائدة إفطار العاهل المغربي في جو عائلي وإنساني يزكي المصالحة بينهما، وثانياً لأنه حلّ برفقة وزير خارجيته خوسيه مانويل ألباريس الذي طالما سعى للقيام بأول زيارة له للمغرب، بعد تعيينه في يوليو (تموز) الماضي خلفاً لأرانشا غونزاليس التي تتحمل مسؤولية كبرى في تفاعلات الأزمة.
خريطة طريق
وحدد البلدان عقب الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الإسباني خريطة طريق لمستقبل علاقاتهما، و"تعترف إسبانيا بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب، وبالجهود الجادة وذات المصداقية للمغرب في إطار الأمم المتحدة لإيجاد حل متوافق بشأنه، وفي هذا الإطار، تعتبر إسبانيا المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي قدمها المغرب عام 2007 هي الأساس الأكثر جدية وواقعية وذات المصداقية لحل هذا النزاع"، واتفق الجانبان على معالجة المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح من الثقة والتشاور، بعيداً من الأعمال الأحادية أو الأمر الواقع، بالإضافة إلى الاستئناف الكامل للحركة العادية للأفراد والبضائع بشكل منظم، بما فيها الترتيبات المناسبة للمراقبة الجمركية وللأشخاص على المستوى البري والبحري، وكذلك إعادة إطلاق وتعزيز التعاون في مجال الهجرة، واتفق البلدان كذلك على إعادة تفعيل التعاون القطاعي في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما فيها الاقتصادية والتجارية والطاقية والصناعية والثقافية، إضافة إلى التواصل حول تحيين معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون لعام 1991، على أساس المبادئ والمحددات والأولويات التي ستوجه العلاقات الثنائية في السنوات المقبلة.
وأوضح نبيل الدريوش أن البلدين يأملان بوضع خريطة طريق جديدة للعلاقات سيكون الاقتصاد قاطرتها الأساسية، وذلك بحكم شبكة المصالح القوية التي تربط البلدين، مشيراً إلى أن إسبانيا تعد الشريك التجاري الأول للمغرب منذ تسع سنوات، ومذكراً بوجود نحو 1000 مقاولة إسبانية في المغرب، إضافة إلى طموح البلدين لينفتح هذا التعاون على مجالات جديدة مثل الطاقات المتجددة، كما أن المغرب يعد بوابة عبور رئيسة لإسبانيا صوب القارة الأفريقية الواعدة من حيث الإمكانيات الاستثمارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد الباحث في العلاقات المغربية - الإسبانية على أن هذا التوافق سيكون له أثر أمني إيجابي على إسبانيا، بحكم أن تعاونها مع المغرب سيجعلها تنام آمنة وحدودها محروسة، بحكم الأهمية القصوى للتعاون بين البلدين في ملفات محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية والجريمة العابرة للحدود.
جبهة البوليساريو
ومنذ اندلاع نزاع الصحراء، احتفظت إسبانيا بعلاقاتها مع جميع أطراف الصراع بما فيها جبهة "البوليساريو"، الأمر الذي كان يثير غضب الرباط، إلى أن غيرت أخيراً من موقفها لصالح المغرب، ساعية إلى فتح صفحة جديدة مع جارتها الجنوبية. ولفت الباحث في العلاقات الدولية محمد عطيف إلى أنه "خلال مارس (آذار) الماضي، عرفت العلاقات المغربية- الإسبانية منعطفاً جديداً، نتيجة اتخاذ مدريد موقفاً إيجابياً بشأن القضية الوطنية التي كانت أساس المشكل بين الجانبين، فضلاً عن استقبال زعيم البوليساريو من قبل الحكومة الإسبانية"، معتبراً أنه "في خضم عودة العلاقات بين المغرب وإسبانيا، اتضح الموقف الإسباني من قضية الصحراء المغربية، واعترفت بأن الحكم الذاتي هو الحل الواقعي والأساس لحل النزاع المفتعل بالأقاليم الجنوبية من المملكة المغربية، إضافة إلى إشادتها بالجهود التي تبذلها الرباط مع الأمم المتحدة حول مشكلة الصحراء المغربية"، موضحاً أن "موقف حكومة سانشيز من الصحراء المغربية إيجابي، وسيسهم في تجاوز الخلافات التي كانت سائدة في العلاقات بين الجانبين خلال الفترة الماضية".
ورأى عطيف أن مشكلة الصحراء قد حسمت على إثر الموقف الصريح للحكومة الإسبانية، فضلاً عن الإشادة الدولية بهذا الموقف الذي يبرهن على أن الخطوة الدبلوماسية التي اتخذتها إسبانيا مفادها احترام السيادة المغربية وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، مضيفاً "يمكن اعتبار هذا الموقف تحولاً في السياسة الخارجية الإسبانية، واعترافاً بالمكانة الإقليمية التي يتميز بها المغرب في القارة الأفريقية، لذا حاولت إسبانيا أن تلائم توجهاتها الخارجية مع أولويات السياسة الخارجية المغربية، وعلى رأسها القضية الوطنية بقصد توطيد وتعزيز العلاقات بين الجانبين في العديد من المجالات، ومواجهة التحديات المشتركة المتمثلة في التهديدات الإرهابية ومشكلة الهجرة غير النظامية".
وبخصوص مستقبل العلاقات بين المغرب وإسبانيا، أشار عطيف إلى أن العلاقات الدولية في الوقت الراهن مبنية على منطق البراغماتية، بالتالي سيستغل البلدان الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية في سبيل بناء علاقات التكامل والاندماج، من أجل تحقيق المصالح المشتركة القائمة على مبدأ حسن الجوار والثقة المتبادلة.