استمراراً للتقليد الخيري، الذي دأب عليه المجتمع الجزائري، فتحت جمعيات خيرية ومطاعم يقوم عليها الأهالي أبوابها أمام الصائمين من المعوزين وعابري السبيل، ضمن مبادرات إنسانية تسعى للمحافظة على العمل التطوعي، وتجسيداً لروح التكافل الاجتماعي وخلق أجواء عائلية دافئة طيلة شهر رمضان.
لكن مع اتساع شريحة المحتاجين تصطدم تلك المبادرات بغلاء المعيشة، نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، التي أثرت في مداخيل الأسر والعائلات خلال عامين متتاليين، بسبب وباء كورونا، إضافة إلى تراجع قيمة الدينار الجزائري.
شح الموارد
الناشط التطوعي في الأعمال الخيرية، أوراري يوغرطة، قال إن "موائد الإفطار هذه السنة واجهت تحدياً بسبب الأزمة الاقتصادية وتأثيرات جائحة كورونا، ويظهر ذلك في شح الموارد، إضافة إلى ندرة بعض المواد الأساسية وغلائها".
لكن على الرغم من ذلك، فإن "مطاعم الرحمة" تواصل نشاطها بكل جهد، إذ استطاع مطعم الرحمة في حي المعلب بالحميز في الجزائر العاصمة، التابع لجمعية العلماء المسلمين، تقديم 250 وجبة في اليوم الواحد منذ بداية رمضان، وهي في ارتفاع، حيث وصلت في اليوم الخامس من الشهر إلى 400 وجبة، كما يقول أوراري.
واضطرت جمعيات عدة للتخلي عن بعض الأطباق، التي تستهلك كميات كبيرة من الزيوت، التي تعرف غلاء وندرة، مثل طبق "البوراك"، وهو من أكثر المشهيات شهرة وسط المواطنين، ويقدم رفقة حساء "الشوربة" أو "الحريرة".
ويحضر "البوراك" من "الديول"، وهي رقائق عجينة شفافة وخفيفة مصنوعة من السميد (الطحين)، يتم حشوها باللحم أو الدجاج، ويقدم في أشكال مربعة أو مستطيلة، ويتم قليه في الزيت، كما يمكن طهيه في الفرن.
كما غابت بعض الفواكه عن موائد إفطار الصائمين، مثل الموز بسبب ارتفاع أسعاره، في حين تقدم في أغلب مطاعم الرحمة، أطباق متنوعة مثل السلطة وطبق "المثوم" و"طاجين الزيتون"، وأطباق تقليدية أخرى مشهورة في المطبخ الجزائري.
"خيمة مرحبا"
ومن المبادرات التي تلفت الانتباه، تلك التي أطلقتها جمعية "أمل الجزائر"، وهي "خيمة مرحبا"، في ساحة "كتاني" بباب الوادي (أعالي العاصمة الجزائرية)، التي تندرج ضمن برنامجها الإنساني والخيري الرمضاني "قلب دافئ"، وهي عبارة عن خيمة عملاقة لإفطار أكثر من 1000 شخص يومياً من عابري السبيل والمعوزين، والأشخاص من دون مأوى، إضافة إلى العائلات ذات الدخل الضعيف.
"خيمة مرحبا" مبادرة تقام للعام الرابع على التوالي، إذ دأبت هذه الجمعية على جمع ما يلزم من أموال ومساعدات عينية لفائدة الفئات المحرومة والهشة، من متعاملين اقتصاديين ومواطنين جزائريين، في أجواء يسودها التضامن والتراسي بين كل أطياف المجتمع.
ويتوافد على موائد الإفطار عشرات الأشخاص من عابري السبيل، سواء بالجلوس على الطاولة، أو أخذ نصيبهم من الفطور الرمضاني. وتشكل هذه الموائد أرقى أشكال التضامن والتكافل، إذ يجلس الشخص مقابل شخص آخر لا يعرفه، ويتقاسم معه وجبات الإفطار، وقد يتطور الحديث لتتشكل معارف وصداقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عودة الشباب المتطوع
تبدو الجمعيات الخيرية أكثر تحمساً لمطاعم الرحمة هذه السنة، بعد فترة الإغلاق والحجر الصحي، التي قلصت من النشاطات الخيرية، وحرمت الشباب المتطوع من ممارسة شغفه في العمل الإنساني.
وشجع تراجع الإصابات بفيروس كورونا ارتفاع وتيرة الأعمال الخيرية، إذ باتت الجزائر تسجل صفر وفيات، إضافة إلى تراجع محسوس في عدد الإصابات، التي أصبحت أقل من العشرة يومياً، وهو ما جعل وسائل إعلام تصف الأرقام المسجلة بأنها "نهاية كورونا في البلاد، حتى وإن لم تعلن السلطات الصحية ذلك.
واستبقت السلطات شهر رمضان بإقرار إجراءات تخفيفية برفع التباعد أثناء الصلاة وفتح مصليات النساء، وفق ما جاء في بيان مشترك للجنة العلمية لمتابعة ورصد فيروس كورونا ولجنة الفتوى بوزارة الشؤون الدينية.
إلى جانب الجمعيات الخيرية، انخرط الأحمر الجزائري، وهو منظمة إنسانية غير حكومية، في "موائد الرحمة" بفتح 200 مطعم لإفطار عابري السبيل وتوزيع وجبات إفطار ساخنة لمستعملي الطرق، للتقليل من حوادث المرور التي باتت تفتك بأرواح العشرات، إذ تؤدي السرعة المفرطة قبل لحظات من أذان المغرب إلى تسجيل حوادث مميتة.
وقالت المنظمة الإنسانية، إن هذه العمليات التضامنية تعد "مكملة لجهود الدولة"، وذلك "تعزيزا لمبدأ التكافل والتآزر مع مختلف فئات المجتمع"، إذ تم أيضاً استحداث مطاعم رحمة متنقلة إلى أماكن اللاجئين وقرب ورش البناء وأماكن وجود عابري السبيل.
"رمضان اقتصادي"
ووضعت السلطات العمومية تعليمات تقضي منح تراخيص فتح مطاعم الرحمة بطريقة عشوائية، وفي مواقع متقاربة، وفي المستودعات والمطاعم المدرسية، وبالقرب من الطرقات الخطيرة، وتشدد التعليمات على الغلق الفوري لأي مطعم رحمة تحرر ضده فرق النظافة تقارير مخالفة للشروط المطلوبة، وتلزم إبقاء البروتوكول الصحي للوقاية من عدوى كورونا داخل هذه المطاعم. وتأتي هذه التعليمات لتهذيب العمل الخيري الذي تغلب عليه العواطف.
إلى جانب كل المبادرات الخيرية، تسعى جمعيات مثل جمعية الأمان لحماية المستهلك، إلى توعية المواطنين بـأن "رمضان اقتصادي"، وذلك من خلال التقيد بتدابير ترشيد النفقات، حيث نصبت خيمة بساحة البريد المركزي وسط العاصمة، لدعوة الأفراد إلى استغلال الشهر في التوفير من خلال التخطيط لمشتريات وفقاً لإمكاناتهم، وعدم الاستسلام لرغباتهم أثناء التسوق، وتجنب شراء ما لا يحتاجونه، مع حثهم على إعادة استعمال بقايا الطعام لتفادي التبذير.