تواصل إسرائيل حالة التأهب في مختلف المناطق وتشدد قيودها وإجراءاتها تجاه مواطني الضفة الغربية وتحول كل بلدة فلسطينية، خصوصاً جنين، إلى سجن صغير، فيما يواصل مسؤولو تل أبيب تهديداتهم بتصعيد المواجهات والاعتقالات، التي لم تتوقف منذ تنفيذ عملية ديزنغوف، ليسقط مزيد من الفلسطينيين قتلى ويزج بعشرات الشبان في المعتقلات.
وفي خطوات تعكس الحالة الهستيرية، التي تعيشها إسرائيل، متمثلة بالمؤسسة السياسية والأجهزة الأمنية والعسكرية، في أعقاب "عملية ديزنغوف"، التي أدت إلى مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة عديد في تل أبيب، فرضت الأجهزة الأمنية، بقرار من وزير الأمن بيني غانتس، عقاباً جماعياً على سكان جنين والمنطقة بمنعهم من أية تحركات خارج بلداتهم، ليس فقط من وإلى إسرائيل عبر الحواجز العسكرية، إنما أيضاً بين البلدات الفلسطينية في الضفة الغربية.
يأتي ذلك في حين منحت إسرائيل الحماية لمجموعات من المستوطنين بالتنقل بين الطرقات الرئيسة، التي تربط البلدات الفلسطينية، ومهاجمة المركبات التي يقلها الفلسطينيون بالحجارة، خصوصاً على طريق جنين – نابلس، كما كثف المستوطنون هجماتهم بحماية الجيش الإسرائيلي على القرى الفلسطينية في الضفة وألحقوا أضراراً بعدد منها، بينها اللبن الشرقي، وبرقة، وجالود سبسطية وغيرها.
غانتس يناقض قراراته
في ظل التوقعات الإسرائيلية بتصعيد أمني، تجاوبت المؤسستان الأمنية والسياسية مع مطلب استمرار منح التسهيلات للفلسطينيين، منعاً من أن يكون الرد على الحصار وتشديد الإجراءات بعمليات أشد خطورة على أمن الإسرائيليين.
لكن وزير الأمن، بيني غانتس، أطلق تصريحات متناقضة بشأن التعامل مع فلسطينيي الضفة الغربية. وفي حين أعلن بعد جلسة مشاورات أمنية مع القيادة العسكرية لتقييم الوضع في جنين بعد المواجهات، أن إسرائيل ستواصل التسهيلات، التي أعلن عنها لصالح الفلسطينيين، كما ستبقي السياسة المدنية كما هو متفق عليه، يواصل غانتس تهديده باستمرار العمليات الميدانية في جنين والمنطقة، مؤكداً أن "النشاط العملياتي سيستمر وسيتم تكثيفه هجومياً ودفاعياً واستخباراتياً، وفي كل مكان وزمان إلى جانب الاستمرار بالخطوات المدنية".
وما بين التصريحات باستمرار التسهيلات والتهديدات بتكثيف الهجوم، أصدر غانتس تعليمات أكثر تناقضاً لكل ما تحدث عنه الإسرائيليون من تسهيلات، وتشكل تعليماته عقاباً جماعياً لفلسطينيي الضفة، وجنين على وجه الخصوص، وكذلك لفلسطينيي 48، الذين تربطهم أيضاً علاقات اقتصادية واجتماعية مع البلدات الفلسطينية في الضفة وفي جنين بشكل خاص.
تضييق الخناق على الفلسطينيين
ومن أبرز قرارات غانتس عدم السماح للتجار وكبار رجال الأعمال (BMC) من سكان جنين بالدخول إلى إسرائيل، وعدم السماح بدخول وخروج "فلسطينيي أراضي 48" في السيارات أو مشياً عبر معبري الجلبوع وبرطعة.
وكذلك إيقاف نقل الركام الصخري بطريقة DTD عبر المعابر في محافظة جنين، وعدم السماح بالزيارات العائلية للفلسطينيين من سكان منطقة جنين، في نطاق الخمسة آلاف التصريح التي تمت الموافقة عليها، ما يعني تجميد هذه التصاريح. ويشمل هذا البند العائلات التي تطالب بلم شمل، وقد حصلت على هذه التصاريح خلال شهر رمضان وعيد الفطر.
وحظي غانتس بدعم المسؤولين الأمنيين، الذين اعتبروا أن فرض التشديدات خطوة مهمة جداً في ظل وضعية السلطة الفلسطينية. ونُقل عن مسؤول أمني قوله: إن "الأجهزة الأمنية على قناعة بأن السلطة الفلسطينية تفقد السيطرة على شمال الضفة الغربية، وبأنها تشكك في قدرة أجهزة السلطة على "كبح جماح" الهجمات التي تنطلق من جنين".
التشديدات التي فرضها غانتس جاءت بموازاة احتدام المواجهات في جنين والمنطقة، حيث خرج منفذ عملية ديزنغوف، الذي ما زال يشغل الأجهزة الأمنية والاستخبارية من حيث الخلفية التي قدم منها أو نجاحه في الوصول إلى ديزنغوف والاختفاء لساعات طويلة عن عيون أكثر من ألف عنصر أمني.
عملية "كاسر الأمواج" مستمرة
كثفت الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية و"الشاباك" من الأبحاث والجهود لاستخلاص العبر من عملية "ديزنغوف" ومنفذها رعد حازم. وكان أول ما حرصت على نشره بأن إلقاء القبض عليه كان إنجازاً كبيراً أحبط عملية ثانية بادعاء أنه كان يعتزم الاختباء لمدة أسبوع، وتنفيذ عملية أخرى على غرار عملية ديزنغوف، ليلة عيد الفصح العبري.
ونُشرت عديد من التقديرات والتخمينات إذا ما كان رعد حازم تلقى دعماً من آخرين، وكان آخر ما توصلت إليه الأجهزة الاستخبارية، أن شقيقه قد ساعده في تنفيذ العملية. وبهذه الذريعة تواصل القوات العسكرية الإسرائيلية اقتحام البلدات الفلسطينية وتعتقل الشبان وتنظم عمليات تمشيط بذريعة البحث عن وسائل قتالية غير قانونية.
ومع انتهاء المواجهات، صبيحة الأحد 10 أبريل (نيسان)، في جنين والمنطقة، تفاخر الجيش الإسرائيلي أن عمليته "كاسر الأمواج"، حققت أهدافها وتواصل من خلال مسح هندسي العمل على تحييد مسلحين ومنعهم من دخول إسرائيل وتنفيذ عمليات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
رعد ليس إرهابيا
لم يخف مسؤولون ووسائل إعلام إسرائيلية غضبهم من عدم التعامل مع عملية ديزنغوف ومنفذها كعملية إرهابية. واقتبس البعض ما نشرت وسائل إعلام عالمية تنتقد إسرائيل، ما أثار نقاشاً إسرائيلياً حول مدى نجاح تل أبيب في تجنيد المجتمع الدولي إلى جانب موقفها كضحية للإرهاب الفلسطيني. وبرر مسؤول أمني تشديد الهجمات على جنين، ليس فقط لكون منفذ العملية منها، إنما للدعم الذي حظي به.
وكان أبرز هذا الدعم قد جاء من محافظ جنين، أكرم الرجوب، الذي تحدث لإذاعة إسرائيلية في أعقاب مواجهات الأحد، وقال إن "مطلق النار في ديزنغوف ليس إرهابياً".
وحول إطلاق شبان فلسطينيين النيران على عناصر من الجيش الإسرائيلي، قال الرجوب، إن هذا قد نُفذ رداً على قرار إغلاق معبر الجلمة، الشريان الاقتصادي والاجتماعي للفلسطينيين، وأضاف: "أردنا إخبار العالم بمعاناة سكان جنين. لقد وضعتم الشعب الفلسطيني في الزاوية، ففقد الأمل في مستقبله"، متسائلاً أن "الجيش الإسرائيلي يدخل ويقتل مدنيين، فماذا تريدون من الشعب الفلسطيني؟ ماذا فعلتم بنا؟ دعونا نعمل بهدوء. قوات الجيش الإسرائيلي تدخل وترتكب فظائع بحق الشعب الفلسطيني".
لم يتبق للفلسطيني ما يخسره
رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، ووزير أمنه بيني غانتس، حاولا تجاهل الأصوات التي تحذر من تداعيات الوضع السياسي على الوضع الأمني، حتى قبل تراجع قوة الحكومة إلى ستين نائباً وخطر تفكيكها والتوجه إلى انتخابات.
فقد حذر كثيرون من خطر السياسة التي تتبعها حكومة بينيت في مختلف المجالات وتجاهلها بشكل مركزي للوضع السياسي تجاه الفلسطينيين.
رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" السابق، يوفال ديسكن، اعتبر العمليات الثلاث الأخيرة ناجمة عن الأجواء السياسية والوضعية التي تشهدها الضفة والقدس في أعقاب السياسة الإسرائيلية. وقال "لم يعد للفلسطيني ما يمكن خسارته. فلا حافز أقوى مع انتشار اليأس بين الشبان وفقدان المستقبل، بل حتى الأمل بمستقبل أفضل".
وحذر ديسكن من استمرار إهمال إسرائيل للحيز الفاصل بينها وبين الضفة الغربية، الذي يهدف إلى الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كما اعتبر التوتر والتصعيد الأمني الحالي هو نتيجة للوضع السياسي الخطير السائد في إسرائيل.
توسيع خط التماس
في ساعة متأخرة من ليلة الأحد، انتهت جلسة خاصة للمجلس الوزاري الأمني المصغر "الكابينت" برئاسة رئيس الحكومة، نفتالي بينيت. تم خلالها بحث صورة الوضع الأمني في أعقاب التطورات الأخيرة.
وجاء في بيان مقتضب أصدره مكتب بينيت، أن "الكابينت" صادق بالإجماع على خطة طرحها وزير الأمن، بيني غانتس، تشمل إضافة 40 كيلومتراً للحاجز الذي يمتد على طول خط التماس.