فتح مسؤول محلي في إحدى مناطق شرق الجزائر، ملف حقوق الطفل بقوة بعد إقدامه على إصدار قرار يمنع تجوال الأطفال والقصر ليلاً بالساحات العمومية والشوارع الرئيسة والمقاهي وأماكن التسلية التابعة للبلدية.
وثيقة على "فيسبوك"
ووقع رئيس بلدية "سرايدي" التابعة لمحافظة عنابة، على وثيقة رسمية نشرت على الصفحة الرسمية للبلدية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، جاء فيها أنه نظراً لتدهور النتائج المدرسية لتلاميذ المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وكذلك لقيام بعض الأطفال بأعمال شغب وتخريب للممتلكات العامة، إضافة إلى انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والحبوب المهلوسة بين القصر والتخطيط للهجرة غير الشرعية، وحفاظاً على الأمن والسكينة العمومية والممتلكات العمومية وغيرها من الأسباب، تقرر منع تجمع وتجوال الأطفال والقصر ابتداء من أذان المغرب من دون مرافقة أولياء أمورهم، وذلك في الساحات العمومية والشوارع الرئيسة وأماكن التسلية والمقاهي.
وأضافت الوثيقة، أنه يمنع منعاً باتاً، قيام القصر بإصدار ضجيج وأصوات عالية وإزعاج مواطني البلدة ليلاً، وأي مخالفة لهذا القرار يُحمل أولياء الأطفال المسؤولية الكاملة لذلك، حيث جرى تكليف الفرقة الإقليمية للدرك بتنفيذ محتوى هذا القرار.
تحريك المياه الراكدة
وبحسب مصدر من داخل البلدية، رفض الكشف عن اسمه، قال في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إن رئيس البلدية قرر منع تجوال الأطفال القصر بعد السابعة مساء من دون مرافق راشد، وشدد على أن كل مخالف لهذا القرار ستنذر عائلته، وفي حالة معاودة الخروج بعد الـ7 مساء يحوّل لمركز حماية الطفولة المسعفة، وأبرز أن المسؤول أكد أنه اتخذ القرار لحماية أطفال البلدية من الانحراف.
وأثار القرار سجالاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي ونقاشات في وسائل الإعلام التي وجدت في الخطوة مادة دسمة لتحريك المياه الراكدة في مجال حقوق الطفل، وبين مرحب ومنتقد يستمر صمت الجهات الوصية سواء تعلق الأمر بوزارة التربية التي وجه لها المسؤول المحلي اتهامات غير مباشرة من خلال حديثه عن تدني النتائج المدرسية، أو وزارة الداخلية التي فشلت في مواجهة الظواهر السلبية المنتشرة مثل تعاطي المخدرات والهجرة غير الشرعية، إضافة إلى وزارة الأسرة والتضامن التي لم تهتم بالطفولة بعد أن وجدت في الشوارع ملجأ.
قرار تعسفي يخالف القانون
إلى ذلك، يقول أستاذ علم الاجتماع، مصطفى راجعي، إن الأطفال يقعون تحت مسؤولية عائلاتهم وهي الجهة المخولة برعايتهم ومراقبتهم وليس الدولة، موضحاً أن هذا التصريح من مسؤول محلي من دون أن نعرف سياقه ودافعه يعتبر تدخلاً في شؤون الأسر وتعدياً على حقوق الأسرة في رعاية أولادها، وأضاف أنه يمكن للدولة أن تتدخل فقط حين تقوم الأسرة بإهمال الأطفال وتتخلى عن دورها، مشيراً إلى أنه لا يمكن لرئيس البلدية أن يمنع أي مواطن من الحركة، وحدها الدولة وفي ظروف استثنائية من يمكنها أن تفرض حظر التجوال، وختم بوصف القرار بـ"التعسفي" الذي يخالف القانون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطوة تفضح الفشل
في المقابل، يعتبر الناشط السياسي، عبدالرحمن قايسي، أن القرار يكشف حجم الفساد المجتمعي الذي بلغته البلاد، وما ترتب عنه من مخاطر باتت تهدد الجميع وأولهم الأطفال، مضيفاً أن الخطوة بقدر ما تدق ناقوس الخطر، تدفع أيضاً إلى تحميل عدة جهات مسؤولية الوضع الذي يعيشه الطفل الجزائري، وقال إن رئيس البلدية بقراره فضح عن قصد أو من دون قصد، فشل المنظومة المدرسية والأمنية والحقوقية والحماية، بعد أن عدد أسباب الخطوة، من تدهور النتائج المدرسية إلى التخطيط للهجرة غير الشرعية نحو سواحل إيطاليا، مروراً بتعاطي المخدرات والحبوب المهلوسة.
ويواصل قايسي، أن القرار من ناحية الشكل يسهم في إيقاظ الأسر بعد أن رفعت يدها عن تربية الأبناء، كما يحرك الجهات الأمنية بعرض ما يدور في المنطقة وخطورة انعكاس ذلك على الأطفال، لكن من ناحية أخرى يبدو أن القرار تضييق على الحريات وانتهاك للحقوق وتعد على القانون ودفع نحو الفوضى بعد أن هدد الأولياء بتحويل الأطفال المخالفين إلى مركز حماية الطفولة المسعفة، وشدد أن الخطوة مفيدة لكنها ملغمة.
جهود غير كافية
وتقوم رئيسة الهيئة الجزائرية لحماية وترقية الطفولة، مريم شرفي، بجهود من أجل حماية الأطفال من أي انتهاكات. ويعتبر تخصيص خط ساخن يمكنهم من حماية أنفسهم من خلال التبليغ عن أي اعتداء لفظي أو جسدي قد يتعرضون له سواء على مستوى المحيط العائلي أو الوسط التربوي أو الشارع، دليلاً على سعي الجهات الوصية لحماية وترقية الطفولة.
وكغيرها من دول العالم، انضمت الجزائر إلى معظم الاتفاقيات والأجهزة الدولية لحماية حقوق الطفل، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، والميثاق الأفريقي لحقوق الطفل ورفاهيته في 1990، إلى جانب المصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء والمواد الإباحية واشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة المعتمد بنيويورك في 25 مايو (أيار) 2000.
كما قامت الجزائر بإصدار قوانين جديدة، وعدلت وألغت أخرى، في هذا المجال، بما يجعل منظومة حماية حقوق الطفل على المستوى النظري، قانونية وحقوقية متكاملة وذات معايير عالمية، تعززها أساساً قيم الدين الإسلامي ومختلف القيم المجتمعية والثقافية التي تولي أهمية خاصة للطفل باعتباره عضواً في الأسرة يحتاج إلى رعاية وتربية وتكفل بمختلف احتياجاته.