في شهر أبريل (نيسان) كل عام، يحتفل الأميركيون العرب بشهر التراث العربي - الأميركي الذي اكتسب اعترافاً من الرئيس جو بايدن ووزارة الخارجية ومن ولايات ومدن أميركية عدة، لكن على الرغم من النجاحات الكثيرة التي حققها الأميركيون العرب وإسهاماتهم في نمو وازدهار الولايات المتحدة على مدى أجيال، إلا أنهم يصنفون في البيانات الفيدرالية على أنهم من "البيض"، ولا يُعترف بهويتهم العربية التي ينحدرون منها، وهذا يعني أن المنتمين إلى مجتمعات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مستبعدون من البرامج الحكومية الأميركية المصممة لمكافحة عواقب التهميش التاريخي، ما يزيد من ترسيخ التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والصحية ضد الأميركيين العرب، فما هي أبرز قصص نجاح الأميركيين العرب؟ وكيف بدأ التمييز ضدهم على الرغم من إسهاماتهم العديدة في المجتمع الأميركي؟
النواة الأولى
تشير وزارة الخارجية الأميركية على موقعها الرسمي إلى أن المغربي إستبانيكو أزموري، وصل إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1527، وأصبح مع أنطونيو بشلاني الذي هاجر من لبنان، أول شخصين في مجتمع يُعرف اليوم باسم "الأميركيين العرب" والذي يقدر المعهد العربي الأميركي عددهم بنحو 3.7 مليون على الرغم من عدم وجود تقديرات رسمية بسبب تصنيفهم في الإحصاءات السكانية التي تجري كل 10 سنوات، ضمن العرق الأبيض الذي يشمل القادمين من أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وبحسب موقع "هيستوري" الأميركي، فقد جاء المهاجرون العرب إلى الولايات المتحدة الأميركية على أربع موجات، بدأت الموجة الأولى عام 1880 واستمرت حتى عام 1924 حيث وصل ما يقرب من 95000 مهاجر مما كان يُعرف حينها داخل الإمبراطورية العثمانية باسم سوريا الكبرى، والتي تضم حالياً سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، جاؤوا هرباً من حكم العثمانيين أو بسبب الضغوط الاقتصادية وسعياً لحياة أفضل، وعملوا إلى حد كبير كبقالين وباعة متجولين في مختلف أنحاء الشمال الشرقي والغرب الأوسط، لكن هذه الهجرة تباطأت بسبب الحرب العالمية الأولى ثم حل التحول الكبير عام 1924، عندما أصدرت الولايات المتحدة قانون الهجرة المعروف باسم قانون "جونسون ريد" الذي أنشأ نظاماً للحصص يفضل المهاجرين من شمال وغرب أوروبا، ويقيد بشدة غيرهم من المهاجرين، وهو ما أدى إلى وصول أقل من 1000 مهاجر عربي فقط كل عام.
هجرة الأدمغة
ولم يتغير ذلك إلا عقب الحرب العالمية الثانية، حينما قدمت الحكومة الأميركية استثناءات للأطباء والعلماء والمهندسين وغيرهم من الأشخاص ذوي المهارات المهنية المطلوبة، لتبدأ معها ظاهرة "هجرة الأدمغة" من سوريا ولبنان ومصر وفلسطين والأردن والعراق، كما سمح قانون إغاثة اللاجئين لعام 1953 لـ 2000 أسرة فلسطينية بالهجرة إلى أميركا عقب حرب 1948، وقبلت الولايات المتحدة 985 أسرة فلسطينية أخرى في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي عام 1965 شهدت الولايات المتحدة تحولاً رئيساً آخر في سياستها المتعلقة بالهجرة، حيث ألغى قانون "هارت-سيلر" للهجرة والجنسية نظام الحصص التمييزي لعام 1924، ما سمح للعديد من الأشخاص من خارج شمال وغرب أوروبا بالهجرة إلى البلاد، وأدى ذلك إلى زيادة الهجرة إلى الولايات المتحدة من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الدول العربية، حيث هاجر حتى عام 1990، حوالى 400000 من العالم العربي.
هجرة تتباطأ
غير أن موجة الهجرة الرابعة الكبرى التي بدأت عام 1990 حتى يومنا هذا مشحونة للغاية، فقد فرّ العديد من اللاجئين من الصراع في الدول العربية، بما فيها الحروب التي شنتها الولايات المتحدة، حيث هاجر الآلاف من الصومال والسودان والعراق وسوريا، وبعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، اتخذت إدارة الرئيس جورج بوش إجراءات أكثر تمحيصاً على المهاجرين العرب، ما جعل العديد من الأميركيين العرب يشعرون بأنهم غير مرحب بهم في البلاد.
ولكن بعد انخفاض محدود، استمرت الهجرة العربية في النمو بدخول عشرات الآلاف من المهاجرين العرب إلى البلاد كل عام، قبل أن تتراجع من جديد بعد عام 2017، عندما وقع الرئيس السابق دونالد ترمب، أمراً تنفيذياً يقيد السفر أو الهجرة أو المطالبة بوضع اللاجئ من سبع دول ذات غالبية مسلمة منها ست دول عربية، وعلى الرغم من إلغاء الرئيس جو بايدن حظر السفر، العام الماضي، عندما تولى منصبه، إلا أن الحظر لا يزال يبطئ بشكل كبير الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة.
تنوع وانتشار
مثلما يضم العالم العربي 22 دولة تمتد من شمال أفريقيا في الغرب إلى الخليج العربي في الشرق، يتنوع الأميركيون العرب، عرقياً ودينياً وسياسياً، لكنهم ينحدرون من تراث لغوي وثقافي مشترك، وبينما يشكل المسلمون غالبية الشعوب العربية، فإن المسيحيين يشكلون غالبية الأميركيين العرب وهم يتنوعون بين الكاثوليك (الموارنة والكلدان والسريان والروم)، والأرثوذكس (الأقباط والسريان والروم)، والبروتستانت، كما يتنوع المسلمون بين السنة والشيعة والدروز.
ووفقاً للمراكز المهتمة بشؤون الأميركيين العرب مثل المعهد العربي الأميركي، ينتشر الأميركيون العرب جغرافياً في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، غير أن 90 في المئة منهم يقطنون المناطق الحضرية، حيث يعيش واحد من كل ثلاثة أميركيين من أصل عربي في واحدة من أكبر ست مناطق حضرية في البلاد هي لوس أنجليس وديترويت ونيويورك، وشيكاغو وواشنطن العاصمة، ونيوجيرسي، ويقطن ثلثاهم في 10 ولايات هي كاليفورنيا وفلوريدا وإلينوي وميتشغان ونيوجيرسي ونيويورك وأوهايو وبنسلفانيا وتكساس وفيرجينيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكل ذوو الأصول السورية اللبنانية نحو نصف العرب الأميركيين (1.6 مليون)، بينما يشكل ذوو الأصول المصرية (360 ألفاً)، والفلسطينية الأردنية (180 ألفاً)، والعراقية (160 ألفاً)، والمغربية (100 ألف)، بينما يشكل ذوو الأصول العربية الأخرى نحو 600 ألف شخص.
تعليم ودخول أفضل
ويتمتع الأميركيون العرب بوضع اجتماعي وتعليمي أفضل من المعدل المتوسط للأميركيين، إذ إن أكثر من 43 في المئة من الأميركيين العرب حاصلون على درجة جامعية، وهو أعلى من المتوسط الأميركي الذي يصل إلى 37.5 في المئة، ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة كولومبيا عام 2016، كان متوسط دخل الأسرة للأميركيين العرب هو 56331 دولاراً، وهو ما يمثل زيادة قدرها 10 في المئة أعلى من متوسط كل الأسر الأميركية، في حين أن متوسط الدخل الفردي للأميركيين العرب يعد أعلى بنسبة 27 في المئة من المتوسط القومي في الولايات المتحدة.
شهر التراث العربي الأميركي
واحتفاء بهذه الثقافة الغنية والمتنوعة وإسهامات السكان الأميركيين العرب، بدأ الاحتفال بشهر التراث العربي الأميركي خلال شهر أبريل بدءاً من عام 2017، واكتسب هذا الاحتفال زخماً باعتراف الرئيس جو بايدن به والذي أشاد بدور الأميركيين العرب ومساهماتهم وما يمثلونه من العمل الجاد والرحمة والكرم في نسيج المجتمع الأميركي، كما احتفى بالثقافة والتراث والحضارة العربية.
وجاءت رسالة بايدن في أعقاب بيان من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لدعم هذا الشهر وتكريم مساهمات مجتمع الأميركيين العرب المتنوع الذين وصلوا الولايات المتحدة منذ ما قبل استقلال أميركا، وساهموا في تقدم الأمة الأميركية في العلوم والأعمال والتكنولوجيا والسياسة الخارجية والأمن القومي، مشيراً إلى عدد من الأميركيين العرب الذين خدموا البلاد، بما في ذلك ناثان بادين، وهو رجل سوري مات في القتال أثناء الثورة الأميركية، والسفير فيليب حبيب، وكيل وزارة الشؤون السياسية السابق الذي لعب دوراً مهماً في محادثات السلام الفيتنامية، وسلوى روزفلت المعروفة باسم (لاكي)، التي شغلت منصب رئيس البروتوكول في الولايات المتحدة على مدى سبع سنوات وهي فترة أطول من أي شخص آخر.
وعلى الرغم من تقدم النائبتين في مجلس النواب ديبي دينغيل ورشيدة طليب، لاستصدار قرار من الكونغرس عام 2019 لإعلان شهر أبريل شهراً وطنياً للتراث العربي - الأميركي، إلا أن مشروع القانون لا يزال معلقاً، لكن بحلول عام 2022، أقرت إلينوي وأوريغون وفيرجينيا تشريعاً دائماً يحدد شهر أبريل باعتباره الشهر القومي للتراث العربي - الأميركي، مع وجود تشريع مماثل معلق في ولايات إنديانا وميريلاند وميشيغان ونيويورك وأوهايو ورود آيلاند.
قصص نجاح كثيرة
تعد قصة الأميركيين العرب هي قصة أميركا، فقد شكلت تجربة المهاجرين العرب كغيرهم، موطنهم الجديد في الولايات المتحدة، من خلال الانخراط الكامل في الحياة المدنية، وقدرتهم على إحداث تغيير ذي مغزى نحو المثل الديمقراطية للمساواة والعدالة والاندماج، ومن بين القصص الناجحة التي استعرضها قبل أيام موقع "عرب أميركا"، قصة كانديس لين لايتنر اللبنانية الأصل، التي لعبت دوراً جوهرياً في دفع المجتمع الأميركي للتحرك إيجابياً لتعزيز التشريعات ضد جرائم السائقين المخمورين، فقد بدأت قصة لايتنر عندما قتلت ابنتها البالغة من العمر 13 سنة عام 1980 على يد سائق مخمور صدمها بسيارته في ولاية كاليفورنيا ثم لاذ بالفرار.
وأثار الحكم الصادر على المخالف الذي تبين أنه يقود سيارته بشكل متكرر وهو مخمور غضب لايتنر، ما دفعها إلى تنظيم برنامج "أمهات ضد السائقين المخمورين" والذي تغير اسمه لاحقاً إلى "أمهات ضد القيادة تحت تأثير الكحول"، وكان هدف منظمتها زيادة الوعي العام بالطبيعة الخطيرة للقيادة تحت تأثير الكحول وتعزيز التشريعات الصارمة ضد الجريمة.
وقادت لايتنر حملة واسعة على مستوى الولايات المتحدة، وشاركت في برامج تلفزيونية كبرى، وتحدثت أمام الكونغرس، وخاطبت المجموعات المهنية والتجارية، وعملت بلا كلل على مدى سنوات لتغيير المواقف العامة، وتعديل السلوك القضائي، وإصدار تشريعات جديدة صارمة، وهو ما نجحت فيه في النهاية، بل حازت أيضاً على جائزة الرئيس للعمل التطوعي، ونالت دكتوراه فخرية في العلوم الإنسانية والخدمة العامة، وكانت موضوعاً لفيلم تلفزيوني، وعيّنها الرئيس رونالد ريغان في لجنة وطنية شكلت لمكافحة القيادة تحت تأثير الكحول، قبل أن تشغل لايتنر بعد ذلك منصب رئيس اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
ومن بين الشخصيات التي يحتفي بها موقع "عرب أميركا" هذا الشهر، الممثل تيغ أندروز الذي ولد لأبوين سوريين في بروكلين بمدينة نيويورك، ورُشح لجائزة "إيمي" عن دوره في عدد من أضخم المسلسلات التلفزيونية، والمستثمر العقاري اللبناني الأصل توم باراك جونيور وهو مؤسس ورئيس شركة "كولوني كابيتال" التي تدير محفظة أصول بقيمة 25 مليار دولار من سلاسل فنادق عالمية، وهو أيضاً حليف مقرب للرئيس السابق ترمب، وشغل منصباً مرموقاً في إدارة ريغان، وتعلم اللغة العربية وعمل مع عدد من المستثمرين الخليجيين.
علماء وساسة
غير أن قائمة مشاهير العرب الأميركيين تطول من الأحياء أو الراحلين الذين تركوا أثرهم وبصماتهم في العديد من الحقول والمجالات ويمكن تتبع جذورهم إلى إحدى البلدان العربية، حيث تشمل الأطباء والأدباء والعلماء والمعلمين والمصرفيين والفنانين ورجال الأعمال، وجميعهم ساهموا في حركة النمو في الولايات المتحدة، ومن بين أبرز الأسماء من العلماء والأطباء، الكيميائيان الحاصلان على جائزة نوبل، الدكتور إلياس كوري اللبناني الأصل عام 1990، والدكتور أحمد زويل المصري الأصل عام 1999، وإلياس زرهوني الجزائري الأصل الذي شغل منصب مدير المعاهد الوطنية للصحة، ومخترعة الهندسة الكيميائية غادة المطيري التي ولدت في أميركا لأبوين سعوديين، ومايكل دبغي اللبناني الأصل، مخترع مضخة القلب، ولكن ربما يكون أشهر أميركي من أصل عربي هو ستيف جوبز شقيق، الذي غير العالم إلى الأبد قبل أن يرحل عبر شركة "أبل" والتطوير الثوري لأجهزة "آيفون".
وفي عالم السياسة، يبرز اسم دونا شلالا وهي أول أميركية من أصل لبناني تتولى منصباً وزارياً في الحكومة الأميركية، حيث عيّنها الرئيس بيل كلينتون وزيرة للصحة والخدمات الإنسانية، فضلاً عن العشرات الذين شغلوا مناصب مهمة في الكونغرس الأميركي ومنهم جورج ميتشل، زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، وأعضاء مجلس الشيوخ جيمس أبو رزق وسبنسر أبراهام وجيمس عبد النور، وهم من أصل لبناني، فضلاً عن جون أتش سونونو وهو من أصل فلسطيني لبناني، وفي مجلس النواب، تبرز أسماء نيك راحال، وبات دانر، وتوبي موفيت، وإبراهام كازن، وراي لحود، وكريس جون، وداريل عيسى، وتشارلز بوستاني، وغوين غراهام، وريتشارد حنا، ورالف أبراهام، وجميعهم من أصل لبناني، إضافة إلى جاستين أماش، ورشيدة طليب من أصل فلسطيني، وإلهان عمر من أصل صومالي.
فنانون وأدباء
ومن مشاهير الفن من أصل عربي، تقفز أسماء كثيرة لامعة، مثل الممثلة والناشطة الاجتماعية سلمى حايك المولودة في المكسيك من أصل لبناني، والممثل من أصل لبناني طوني شلهوب، وجيري سينفيلد وهو من أصل سوري، والممثل رامي مالك الحائز على جائزة "أوسكار"، والممثل الكوميدي رامي يوسف، ومغني موسيقى الريف كريم سلامة، والممثل الكوميدي أحمد أحمد وهم من أصل مصري، فضلاً عن الممثل الكوميدي دين عبيد الله وهو من أصل فلسطيني.
وفي مجال الإعلام، تبرز هيلين توماس المراسلة المخضرمة في البيت الأبيض التي عاصرت 10 رؤساء وهي من أصل لبناني، وهالة غوراني مذيعة ومراسلة "سي أن أن"، وهي من أصل سوري، واللبناني الأصل أنتوني شديد الحاصل على جائزة "بوليتزر" في الصحافة، وبولا فارس مقدمة برنامج "صباح الخير أميركا" على شبكة "أي بي سي" وهي من أصل لبناني، فضلاً عن هدى قطب مقدمة برنامج "اليوم" على شبكة "أن بي سي"، وهي مصرية الأصل، وأيمن محي الدين مقدم البرامج في شبكة "أم أس أن بي سي" وهو مصري فلسطيني الأصل.
ومن بين أشهر الكتاب الأميركيين العرب الكاتب والشاعر والفيلسوف اللبناني الأصل جبران خليل جبران، والروائية الشاعرة الفلسطينية الأصل نعومي شهاب ناي، والروائية منى سيمبسون شقيقة ستيف جوبز، السورية الأصل.
أزمة الاعتراف بالهوية
ولكن على الرغم من هذا الوجود القوي والمؤثر داخل المجتمع الأميركي، إلا أن كثيرين من الأميركيين العرب يرون أن مجتمعهم مهمش تاريخياً، لأنهم يواجهون التمييز في مختلف القطاعات، بما في ذلك البرامج والسياسات الفيدرالية، إذ لا يزال الأميركيون المنحدرون من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا يمتلكون تعريفاً عرقياً أو إثنياً في التعداد السكاني الذي يجري كل 10 سنوات، ما يجبرهم على التصنيف في فئة "البيض" شأنهم شأن المنحدرين من أوروبا كما تنص اللوائح الحكومية، أو اختيار فئة "آخر"، ويعني هذا المحو المنهجي أن الحكومة الأميركية ليس لديها سوى القليل من البيانات حول تأثيرات التمييز ضد المنحدرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الولايات المتحدة، وهو ما يعني أيضاً أن الأميركيين العرب مستبعدون من البرامج الحكومية المصممة لمكافحة عواقب التهميش، ما يسهم في ترسيخ التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية والصحية العامة.
ويعود التصنيف الحالي للعرب في فئة "البيض" عرقياً، إلى عام 2015 حين اعتبرت محكمة استئناف جورجيا مهاجراً من سوريا يدعى جورج داو على أنه من البيض، وفي عام 1977، أصدر مكتب الإدارة والميزانية الفيدرالية التوجيه رقم 15 الذي يصنف رسمياً "البيض" أنهم هؤلاء المنحدرون من أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وعلى مدى السنوات الـ 20 التالية، انخرط المجتمع العربي الأميركي في مناقشات داخلية وخارجية حول كيفية تعريف المجتمع لهم، وما إذا كان يجب فرض هوية على الشعوب التي تنحدر من 22 دولة مختلفة وأعراق متعددة عبر العالم العربي، وأثمرت هذه الجهود أن قرر مكتب الإدارة والميزانية عام 1997 أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث وأغلق القضية.
وشكل عدم وجود بيانات دقيقة عن مجتمع الأميركيين العرب على مدار الـ 20 عاماً التالية تهديداً خطيراً لصحة الأميركيين العرب وتعليمهم وتوظيفهم وإسكانهم وحقوقهم المدنية، ما دفع أعضاء الجالية العربية الأميركية إلى شن حملة لتغيير كيفية تصنيفهم في التعداد السكاني، وتم تشكيل ائتلاف تحت قيادة المعهد العربي الأميركي، وجّه رسالة تاريخية إلى مكتب الإحصاء تطلب تحديد مساحة للمنحدرين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في استمارة التعداد، واستجاب المكتب بنشر إشعار في السجل الفيدرالي، وفي 2014، أعلن المكتب عن نيته اختبار إنشاء فئة للمنحدرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإدراجها في تعداد 2020، ما اعتبر خطوة تاريخية كان من الممكن أن توفر بيانات تشتد الحاجة إليها حول مجتمعات الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، واحتياجاتهم ومساهماتهم.
غير أن مكتب الإدارة والميزانية أوقف الجهود في ديسمبر (كانون الأول) عام 2018 في عهد الرئيس ترمب، مشيراً إلى الحاجة إلى مزيد من البحث من دون مزيد من التوضيح.
وفي ظل اعتراف بايدن وبلينكن بشهر التراث العربي الأميركي، يأمل الأميركيون العرب في أن يكون ذلك خطوة على الطريق الصحيح بينما يواصلون العمل من خلال القنوات السياسية والقانونية المحلية والفيدرالية المختلفة لجعل التمثيل حقيقة واقعة.