تبين أن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزراءه أدلوا بعشرات التصريحات الكاذبة أمام البرلمان على مدى العامين الماضيين، وسط "أزمة نزاهة" تواجهها حكومة المملكة المتحدة.
ولم يُجرِ رئيس الوزراء أي تصحيح في السجل الرسمي لمجلس العموم البريطاني، على الرغم من تعرضه للتوبيخ من جانب هيئة الإحصاءات الوطنية، وإشارة نواب المعارضة ومدققي الحقائق إلى تصريحاته غير الصحيحة.
حزب "العمال" المعارض اتهم الحكومة بعدم احترام الرأي العام من خلال الإدلاء "بسلسلة من الأكاذيب والادعاءات"، بينما رأى المدعي العام السابق الذي ينتمي إلى حزب "المحافظين" دومينيك غريف، أن الأرقام تشير إلى "تجاهل مبادئ الحكم الرشيد والحقيقة في آنٍ واحدٍ".
التصريحات الكاذبة، وعددها 17، المنسوبة إلى رئيس الحكومة، والتي كشف عنها تحقيق أجرته "اندبندنت" بشراكة مع مؤسسة "الحقيقة الكاملة" Full Fact (تُعنى بتدقيق وتصحيح الحقائق الواردة في الأخبار والادعاءات التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي)، تشمل مزاعم تتعلق بالحفلات التي أجريت في مقر رئاسة الوزراء في "10 داونينغ ستريت"، وبموضوع اللاجئين، والجرعات المعززة للقاحات "كوفيد"، ومعدلات الجريمة، والاقتصاد.
وتأتي هذه البيانات الـ17 من بين ما لا يقل عن 27 تصريحاً كاذباً أدلى بها وزراء أمام البرلمان منذ الانتخابات العامة في ديسمبر (كانون الأول) عام 2019، ولم يجرِ تصحيحها.
أنغيلا راينر، نائبة زعيم حزب "العمال" أخذت على بوريس جونسون أنه "يهين منصبه". وقالت لـ"اندبندنت" إن "هذا الكم الهائل من الأكاذيب والادعاءات، تظهر عدم احترام الحكومة (المحافظة) ووزرائها للرأي العام في البلاد".
وأضافت قائلةً إن "قواعد السلوك الوزارية واضحة للغاية لجهة ضرورة القيام بتصحيح الأخطاء في أسرع وقت ممكن، وأن تعمد تضليل البرلمان يجب أن يفضي إلى الاستقالة، لكن الحكومة تواصل بدلاً من ذلك الإمعان في سلوكها بتعليمات من رئيس الوزراء نفسه، الذي يبدو ألا مشكلة لديه في تكرار الأكاذيب ونظريات المؤامرة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في غضون ذلك، تتزايد الدعوات المطالبة باعتماد نظام جديد يضمن إمكانية الطعن بالبيانات الكاذبة في البرلمان البريطاني، ويزيل العوائق التي يمكن أن تحول دون إقبال النواب على اتهام بعضهم البعض بالكذب.
زعيم حزب "الديمقراطيين الأحرار" السير إد ديفي رأى أنه "في كل مرة عمل فيها بوريس جونسون ووزراؤه على تضليل البرلمان، إنما كان يضرب ثقة الناس بعرض الحائط، مرةً تلو الأخرى، في الدفة الحكومية التي يديرها ويقودها نحو الغرق - ويتعين في المقابل محاسبة هؤلاء الأشخاص الذين يضللون الرأي العام".
وقال ديفي: "من الواضح أن السيد جونسون قد فقد ثقة البلاد فيه، وإن أقل ما يجب علينا القيام به الآن، هو أن نكون قادرين على محاسبة سلوكه الترمبي"، على حد تعبيره.
ودعا إلى اتخاذ "خطوة جدية تمنع الحكومة من التضليل والتلاعب بالحقيقة"، مطالباً بالسماح لأعضاء البرلمان بالإشارة إلى النقاط التي أدلى رئيس الوزراء حيالها "بتصريحات مضللة"، من دون أن يكون نواب عرضةً للطرد من مجلس العموم.
معلوم أن رئيس الحكومة البريطانية كان قد قدم أول "توضيح" له على الإطلاق، في شهر فبراير (شباط) الماضي، في إطار عملية منفصلة شملت توجيه بيان مكتوب، بعد أن زعم أن رومان أبراموفيتش قد "فرضت عليه عقوبات"، جزءاً من حملة قمع لأوليغارشيين روس، في حين لم تجرِ معاقبته.
أحد التصريحات الكاذبة التي أدلى بها رئيس الوزراء كان زعمه في الحادي والثلاثين من يناير (كانون الثاني) الماضي، بأن زعيم حزب "العمال السير كير ستارمر" أمضى معظم وقته في محاكمة صحافيين، لكنه فشل في مقاضاة جيمي سافيل (مذيع في (بي بي سي) دين قبل وفاته بالتحرش بالأطفال)"، في إشارة إلى الدور السابق لستارمر مديراً للنيابات العامة في بريطانيا.
هذا الافتراء الذي لم يتراجع عنه بوريس جونسون، كرره في وقت لاحق متظاهرون سخروا من زعيم حزب "العمال" في "ويستمنستر"، على الرغم من حقيقة أن السير كير ستارمر لم يكن هو الذي اتخذ قراراً في شأن سافيل.
أثناء النقاش نفسه داخل البرلمان في الحادي والثلاثين من يناير (كانون الثاني)، ادعى رئيس الوزراء أن حكومته "خفضت الجريمة في المملكة المتحدة بنسبة 14 في المئة".
وقد قام السير ديفيد نورغروف رئيس "هيئة الإحصاء في المملكة المتحدة" UK Statistics Authority بتوبيخ جونسون، مشيراً إلى أن الرقم "قد يكون صحيحاً فقط إذا ما تم تجاهل جرائم الاحتيال وإساءة استخدام الكومبيوتر"، في حين أن معدلات الجريمة بما فيها هذه الأنواع قد ارتفعت بنسبة 14 في المئة.
من الوزراء الآخرين الذين أدلوا بتصريحات كاذبة في البرلمان خلال الفترة نفسها، الوزير مات هانكوك الذي كان يتولى وزارة الصحة، ووزيرة الداخلية بريتي باتيل، والمدعية العامة سويلا بريفرمان، ووزيرة الثقافة نادين دوريس.
دومينيك غريف النائب السابق عن حزب "المحافظين" الذي تولى منصب المدعي العام في الفترة الممتدة ما بين عام 2010 وعام 2014، اعتبر أن "القائمة الطويلة من التصريحات غير الصحيحة أمام البرلمان، والفشل في تصحيحها على النحو المطلوب بموجب كل من قواعد مجلس العموم وقواعد السلوك الوزاري، يجب أن تشكل مصدر قلق كبير بالنسبة إلى جميع الذين يعتقدون بوجوب اعتماد النزاهة من جانب الحكومة. إنه هذا الواقع يمثل خروجاً واضحاً عن الممارسة السابقة، ويشير إلى تجاهل لمبادئ الحكم الرشيد وللحقيقة، في آنٍ واحدٍ".
في غضون ذلك، تتزايد الدعوات المطالبة بإجراء تغييرات من شأنها أن تجبر الحكومة البريطانية على تصحيح البيانات الكاذبة - وهي عملية تعتمد في الوقت الراهن على توجيه رسائل طوعية إلى "تقرير هانسارد البرلماني" Hansard parliamentary report (سجل تقليدي لنصوص المناقشات البرلمانية في بريطانيا وعدد من دول الكومنولث، تمت تسميته نسبةً إلى الناشر الأول لنصوص البرلمان، وهو توماس كورسون هانسارد).
وكان هذا السجل قد دون في الفترة نفسها منذ انتخابات عام 2019، نحو 75 تصحيحاً وزارياً، لكن لم يكن بينها أي تصحيح من جانب رئيس الوزراء.
معظم التصحيحات كانت عبارةً عن أخطاء واقعية ثانوية، كإطلاق وزير الدفاع البريطاني بن والاس تسمية خاطئة لأحد الصواريخ، وتحدث وزير النقل غرانت شابس عن سجن 11 ناشطاً بدلاً من 10 ناشطين في مجال المناخ، بعد إغلاقهم الطرق.
ويل موي الرئيس التنفيذي لمجموعة تقصي الحقائق "فول فاكت"، رأى أن ارتكاب أعضاء البرلمان أخطاء أثناء تقديمهم إجابات مرتجلة خلال المناقشات البرلمانية، كان "مجرد سلوك بشري محض".
وأضاف قائلاً لـ"اندبندنت" إن "المشكلة لا تكمن فقط في تعرض أفراد لأخطاء غير مقصودة، بل في ارتكابهم أخطاء هم غير مستعدين لتصحيحها - وهذه ليست بسلوكيات صادقة".
واعتبر موي أن "من السخافة بمكان أن يكون هناك نظام يتيح لرئيس البرلمان بأن يطرد نائباً عضواً في مجلس العموم، لمجرد اتهامه شخصاً ما بالكذب، في حين يمارس نائب الكذب، ولا يمكن تالياً معاقبته بأي شكل من الأشكال".
وأشار إلى أن "النواب الوحيدين الذين يمكنهم تصحيح السجل هم الوزراء الأعضاء في الحكومة، ولا توجد آلية تجعلهم يقومون بخطوة من هذا النوع عندما لا يريدون ذلك".
الرئيس التنفيذي لمجموعة "فول فاكت" وصف الوضع بأنه "أزمة نزاهة". أضاف أن "الفشل المستمر لرئيس الحكومة والوزراء الآخرين في تصحيح السجل عندما يطلب منهم بوضوح القيام بذلك بموجب القواعد البرلمانية، من شأنه أن يؤدي إلى حدوث أزمة ليس فقط بسبب سلوكهم هم، بل لجهة المساءلة داخل البرلمان".
ولفت إلى أنه في حكومات ما قبل انتخابات عام 2019، كان معروفاً عن كبار السياسيين أنهم كانوا "يسقطون بهدوء" الادعاءات الكاذبة، حتى لو رفضوا تصحيح السجل.
وأضاف ويل موي: "اليوم، نلاحظ أن وزراء رفيعي المستوى في الحكومة، ورئيس الوزراء، يكررون إطلاق ادعاءات خاطئة، في حين أنه كان لديهم جميع الفرص الممكنة لتصحيحها، على الرغم من تنبيهات الجهة المراقبة لإحصاءاتهم والتي أبلغتهم بأن ما يقولونه هو غير صحيح، وأردف قائلاً: "هذا أمر جديد ومثير للصدمة".
وفي تعليق عما تقدم، قال ناطق رسمي إن "الحكومة تأخذ واجباتها على محمل الجد، لضمان قيام مساءلة برلمانية وتدقيق من جانب صحافة حرة مستقلة".