تشهد تونس في الأشهر الأخيرة انفراجة في ملف المجمع الكيماوي، موطن قطاع المناجم بالجنوب التونسي، حيث ارتفع مستوى إنتاج الفوسفات، ومن ثم عودة تصنيع الأسمدة الزراعية المرتبطة به، ما يشير إلى استرجاع التوازن في كميات الإنتاج بعد أن شهد ركوداً طوال السنوات العشر الماضية، وفق ما ورد في الحوار الذي أدلت به نائلة نويرة القنجي، وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة التونسية لـ"اندبندنت عربية".
الوزيرة تطرقت في الحوار إلى الآليات التي تنتهجها الحكومة التونسية لتفادي مخلفات الأزمة الاقتصادية واسترجاع النشاط بتكلفة مالية أقل، في إشارة إلى التسهيلات الإدارية وتبسيط الإجراءات على المؤسسات التونسية. وخصّت بالذكر الطاقات المتجددة، وانتقدت التأخير في الاستثمار بالمجال في السنوات الأخيرة. وتحدثت عن الأساليب المتبعة لاحتواء أزمة الإمدادات للسلع وللمواد الأولية بسبب الحرب الأوكرانية.
انفراجة في ملف الفوسفات
قالت القنجي، إن مستوى إنتاج الفوسفات ارتفع ليسجل زيادة قدرت بـ212 في المئة بالأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وعادت خطوط المناجم إلى العمل، وبلغ الإنتاج منذ بداية هذا العام مليوناً و200 ألف طن، بينما لم تتجاوز الكميات 300 ألف طن في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021، وبذلك يأخذ إنتاج المجمع الكيماوي منحى تصاعدياً، ويسير نحو تحقيق ما تصبو إليه تونس عام 2022، وهو إنتاج 5 ملايين طن في المجمل لكامل السنة.
وأشارت إلى أن إعادة هيكلة المجمع الكيماوي التونسي تمثل أحد أهم محاور الإصلاح، والنظر جارٍ في الأمر، لكن الجهود الحالية تتركز على عودة الحوض المنجمي (مركز المناجم بالجنوب الغربي) إلى نسق إنتاجه، فهي الأولوية القصوى.
وانعكس نشاط المجمع على تطور إنتاج الأسمدة، حيث عادت وحدات تصنيع الأسمدة المستمدة من مادة الفوسفات إلى نشاطها، وهي مصانع الأسمدة بالمضيلة 1، والمضيلة 2 (محافظة قفصة بالجنوب الغربي) بعد تعثر دام قرابة سنتين، ومصنعان بقابس وصفاقس (الجنوب الشرقي).
ويوفر المجمع 750 طناً من مادة الأمونيتر للفلاحين يومياً، منذ انطلاق موسم التسميد، وبذلك يسجل انفراجاً في ملف الفوسفات الذي شهد توقف الإنتاج في السنوات الماضية، وكانت له انعكاسات سلبية على القطاعين الصناعي والزراعي.
رخص التنقيب
وبخصوص الإشكاليات التي واجهها قطاع الطاقة، وبالتحديد مجال التنقيب على النفط وما وصف بعزوف الشركات العالمية عن البحث في تونس، ردت القنجي بأنه لا يخفى على الجميع التأثيرات السلبية لأزمة كورونا على هذا القطاع، حيث بات من الصعب استقطاب شركات جديدة للبحث، تماماً كما هي الحال في مجال الاستثمار، بالتالي سجل تراجعاً على مستوى الاستكشاف والبحث، لكنه يسجل عودة تدريجية لنسق التنقيب.
الوزيرة أشارت إلى أن تونس تلقت طلبات جديدة في هذا المجال، وستُسند رخصتان جديدتان للبحث والتنقيب قريباً جداً، منوهة بأن الأهم هو التركيز على رؤية جديدة ومراجعة الإطار القانوني في تونس، وفق استراتيجية اتصالية عصرية، لاستقطاب الراغبين في الاستكشاف.
القنجي وفي ردها على سؤال عن مدى تأثر المؤسسات التونسية بالاضطراب المسجل في سلاسل إمدادات السلع جراء الحرب في أوكرانيا، كشفت عن تخصيص "لجنة يقظة" متخصصة بالنظر في الانعكاسات السلبية للحرب على المصنعين التونسيين. ورأت أن الأولوية تتمثل في توفير السلع وتفادي أي نقص ممكن في المواد الأولية، أو التأخير في الإمدادات ما يحدث نقصاً في التخزين والإنتاج.
وأشارت الوزيرة إلى أن لجنة اليقظة تشتغل على هذا المبدأ، ولم يسجل إلى الآن تأخير في تدفق السلع على تونس. في المقابل، وفي ظل ارتفاع أسعار السلع بالسوق العالمية، وبخاصة منها المحروقات، لا بد من التحكم في الاستهلاك بهدف تقليص النفقات، وهي السياسة المعتمدة حالياً في عديد من بلدان العالم، فارتدادات الحرب حتمية على الجميع، بمن فيهم تونس.
تمويل المؤسسات
وحول نصيب المؤسسات التونسية من التمويلات المنتظرة لتونس من البنك الدولي، التي أعلن عنها أخيراً، والنوايا المعلنة للاتحاد الأوروبي بتقديم دعم مالي لتونس، قالت القنجي إن قانون المالية لعام 2022 قدم الإطار لتطوير قيمة خطوط التمويل للمؤسسات، تماماً كما وفرت الإجراءات العاجلة التي اتخذت هذا الأسبوع لتنشيط الاقتصاد خطوط تمويل للمؤسسات الصغرى والمتوسطة لدفعها، ثم خطوط أخرى مخصصة لرقمنة المؤسسات وكل برنامج إنتاج للكهرباء من الطاقات المتجددة. وقد ارتكزت الخطوات المتخذة لإنعاش الاقتصاد على التسريع والتبسيط في الإجراءات في مجال تسيير الولوج إلى خطوط التمويل، لذلك فهي ليست مكلفة لموازنة الدولة. وقد عبرت الجهات الدولية المانحة عن رغبتها في المساعدة على أن تكون البرامج الممولة واضحة الأهداف ومضمونة النتائج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبخصوص الطاقات المتجددة أوضحت القنجي أن تونس سجلت تأخيراً في تنفيذ عدد من المشاريع، حيث وضع مخطط وصفته بـ"الطموح" وهو مخطط الطاقة الشمسية منذ 2015، وأطلق طلب عروض في هذا الصدد 2018 لكن لم يتم إسناد أي استثمار إلى حدود نوفمبر 2021 عندما منحت مشاريع استثمار في الطاقة الشمسية بقيمة 500 ميغاواط للمستثمرين الخواص، علماً بأن تونس تطمح إلى إنتاج 30 في المئة من استهلاكها للطاقة من الطاقات البديلة في أفق عام 2030. وهناك تقدم على مستوى 26 مشروعاً في الوقت الراهن، وتقرر منح تسهيلات للمصنعين للاستثمار في الطاقة المتجددة بحذف الرخص لدى المستغلين لمشاريع لا تزيد على 1 ميغاواط، للتشجيع على الاستثمار في الطاقات البديلة لمواجهة ارتفاع أسعار الطاقة والتكلفة العالية للمحروقات على الموازنة، وكذلك على المنتجين التونسيين.
واختتمت الوزيرة قائلة إن هناك تسريعاً في إصدار طلب عروض حجمه 1500 ميغاواط قبل شهر يونيو (حزيران) 2022 تشمل مشاريع في الطاقة الشمسية والهوائية ومفتوحة للمستثمرين التونسيين والأجانب، على أن تقدم الطاقات المتجددة في تونس دفعاً للصناعات المعملية.