ربما لم تعرف روسيا القيصرية شخصية في غموض صاحب هذا الاسم: غريغوري راسبوتين، والذي عجزت أغلب رموز التاريخ الحديث أن تثير عن شخص ما هذا الكم الهائل من الأدب الحسي واللاواقعي كما أثاره راسبوتين، والذي كتب عنه أكثر من مئة كتاب لم ترتق جميعاً إلى مستوى القبول كعرض سليم لشخصيته، وكأنه سيظل سراً حتى بعد نحو مئة عام من وفاته، كما كانت حياته لغزاً غير مسبوق في تاريخ روسيا.
ليس مؤكداً تاريخ ميلاد راسبوتين، ولكن معظم الآراء تجمع على أنه جاء إلى العالم في أواخر العام 1860، على رغم أن كثيرين يحددون موعد ميلاده بالثاني والعشرين من شهر يناير (كانون الثاني).
لماذا تأتي كتابات كثيرة على ذكر راسبوتين الآن على نحو خاص؟
ربما تدفع الأوضاع المرتبكة في الداخل الروسي اليوم إلى العودة للغوص في أعماق التاريخ الروسي، ومقاربة الأوضاع في فترة حياة راسبوتين، والارتباك الذي ساد القيصرية في تلك الآونة، مع نظيرتها اليوم بشكل عام، ومحاولة التوقف أمام الأشخاص الذين يلعبون دوراً مصيرياً في حياة روسيا عبر الأجيال المتعاقبة، وقد كان راسبوتين أحدهم، بل إن كثيراً من المؤرخين يرون أن الرجل كان أحد أسباب قيام الثورة البلشفية عام 1917، بسبب الفساد الذي ساد في الأرجاء الرسمية لدولة القياصرة.
من هو راسبوتين، وكيف اكتسب نفوذه وشهرته، وهل كان بالفعل رجلاً مجنوناً أم ساحراً غامضاً، وما هي القدرات الخفية التي امتلكها هذا الذي أدعى أنه راهب أرثوذكسي روسي، على رغم زواجه وإنجابه، وهل تخطى نفوذه التقاليد الروسية وبخاصة سيطرته على الإمبراطورة ألكسندرا... هذا وغيره ما نحاول قراءته عبر هذه السطور.
"الفاجر" المحظوظ
في مدينة بوكروفسكوي، الصغيرة الواقعة في مقاطعة "تيومين" الريفية في سيبيريا، رأى غريغوري النور لوالد فلاح، وهناك أمضى طفولة سعيدة كان فيها محباً للخيول ومولعاً بالسهول الخضراء الواسعة.
لم ينل من التعليم إلا قليلاً، ولم يتعلم الكتابة بطريقة صحيحة ومحاولاته في كتابة بعض الرسائل لم تكن سوى محاولات طفل عقيمة مترددة.
امتلك راسبوتين منذ نعومة أظفاره خصلة حلق بها فوق أتراب قريته، إنها البصيرة النافذة والثاقبة فطرياً وفراسة لا مثيل لها امتلأت حياة راسبوتين بالبلايا في مقتبل العمر، فقد توفيت والدته عندما بلغ الثانية عشرة من عمره، وأكلت النيران معظم منزله، ثم سقط شقيقه في النهر ومات، وهو ما تكرر مع أخته لاحقاً، ولم يخفف من أهوال بواكير حياته، سوى اكتشافه أنه جذاب للنساء، ولم يدر بخلده يوماً أنه سيتحكم في عقل الإمبراطورة ألكسندرا وقلبها وروحها.
لم يكن راسبوتين راهباً أبداً، وإنما اقترب من حياة الرهبان، عبر بعض الأديرة القريبة من قريته، فلم يجد نفسه في هذا الوسط الروحاني بالمرة، وسيقدر له لاحقاً أن ينتمي لإحدى أخطر البدع التي ظهرت في أواخر القرن الرابع عشر في روسيا، تلك المسماة "الخالستية"، ومفادها أنه يتوجب علينا أن نصنع الشر، لكي نرى رحمة الله في حياتنا، ومرد تلك البجعة لي عنق إحدى آيات "سان بول"، والتي تقول: "إثمنا يظهر بر الله"، والتي وردت في الإصحاح الثالث من رسالته إلى أهل رومية.
في سن التاسعة عشرة، التقى راسبوتين في دير "أبالاكك"، بفتاة تدعى براسكوفي، من القرية المجاورة، شقراء ونحيفة القوام، كانت تكبره بأربع سنوات، ويرى الكاتب الأميركي كولون ولسون، في كتابه المعنون "راسبوتين وسقوط القياصرة" أن راسبوتين قرر الزواج منها لأنها رفضت أن تهبه نفسها، وهذا رأي لا ينسجم وشخصية راسبوتين، أما الاحتمال الأوفر حظاً فهو أن شخصية الفتاة كانت نقيضاً تاماً لشخصيته فوجد فيها الزوجة المثالية.
أنجب راسبوتين، والذي يعني اسمه باللغة الروسية "الفاجر" أربعة أطفال من براسكوفي، قبل أن يصل إلى سن الثلاثين، وحيث تغيرت حياته دفعة واحدة، وبدأ طريقاً مغايراً، كحاج إلى الأماكن المقدسة، لا سيما في اليونان القريبة من روسيا جغرافياً.
تجوال المهرطق
هل كان راسبوتين قديساً أم شيطاناً؟ علامة استفهام اختلف من حولها المؤرخون الروس، فالبعض يرى أنه بشر بواحدة من أسوأ الهرطقات الدينية في روسيا الحديثة، وهي البدعة التي أشرنا إليها أعلاه المعروفة باسم الخالستية، فيما البعض الآخر يرى أن مذهبه الإيماني كان أحصن من كل شك.
مهما يكن من أمر فإن الفترة ما بين الأعوام 1894 و1900، لا توجد بشأنها بيانات كثيرة عما كان يفعله راسبوتين، وما نجده فقط يتعلق بمولد ابنه ديمتري عام 1895 وابنته ماريا عام 1898، وابنته الأخرى فارفارا عام 1900.
استمر راسبوتين في طوافه ودعوته، وطرقت حكايات شهرته المتزايدة مسامع أهل مدينته وما حولها، كما بزغ نجمه بملكته في التنبؤ وفراسة نأى بها من محاولات الآخرين لخداعه، وقدرة على شفاء الناس من عللهم بوضع يديه على موطن الداء، كما عرف أيضاً بكرمه فقد أهداه الكثيرون من أتباعه هدايا ونقوداً وتحفاً كان يمنحها في الحال للمحتاجين، كما كان يبعث لأهل بيته أحياناً بالأموال.
والثابت أنه ما أن أطل عام 1900 حتى ترددت أصداء شهرة راسبوتين في أنحاء سيبيريا، وكان قد أوشك أن يلج منتصف ثلاثينات عمره.
لعشر سنوات ظل راسبوتين سائحاً جوالاً لا يؤوي إلى بيته إلا في فترات متباعدة، ولا نملك أية معلومات عن أعماله في تلك الأعوام أو الأماكن التي زارها. إلا أن الواضح أنه ترك أحسن الأثر في مدينة كازان التي كانت أقرب إلى الطابع الشرقي منها للطابع الروسي.
في كتابه المعنون "راسبوتين... تقييم جديد"، يخبرنا المؤلف الأميركي هاينز ليبمان، أن راسبوتين في تلك الفترة اكتسب شهرة واسعة في عموم أرجاء روسيا، من خلال الجموع التي كانت تحيط به من المتوسلين وغالبيتهم من المرضى الذين قدموا للعلاج، وهناك مشهد حفظ في ذاكرة الذين عاصروه في تلك الفترة، يشفي فيه راسبوتين مشلولاً بأن أوعز له بالنهوض والمشي فقط. ولهذه الواقعة أساس من الصحة فهي تؤكد في أقل تقدير شهرة راسبوتين كطبيب في مدينة كازان، حيث أقام هناك صداقة مع عائلة كاتكوف التي مكثت معها ابنته ماريا عام 1908.
من كازان سوف يقدر لراسبوتين المضي قدماً نحو سان بطرسبرغ العاصمة الروسية القيصرية، وإن بقي اللغز حول من استقدمه إليها غامضاً ومثيراً، ولا يعرف أحد على وجه التحديد من سهل له الوصول إلى هناك، وإن كانت بعض الروايات تقول إن أرملة ثرية من كازان قد أكرمته وأتت به من بطرسبرغ من دون أن يعرف أحد عنها شيئاً.
فيما روايات أخرى تشير إلى أن الغراندوقة "ميلتسيا"، وهي إحدى أختين والدهما الملك نيكيتا ملك مونتكرو الواقعة في يوغسلافيا سابقاً هي السبب في مجيء الرجل الغامض إلى عاصمة القيصرية.
الاقتراب من النفوذ
استغرقت زيارة راسبوتين لبطرسبرغ نحو خمسة شهور، ويبدو أنها كانت كفيلة بكتابة فصل جديد من فصول التاريخ الروسي في القرن العشرين.
في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 1903، قرر القيصر نيقولا الثاني إعلان قداسة ناسك روسي يدعى "سيرافيم"، على أمل أن يتشفع هذا الأخير لدى الرب لولادة نجل للقيصر يكون وريثاً للعرش.
وتعليقاً على ذلك يقول كولن ولسون في كتاب آخر له عنوانه "سقوط الرومانوفيين": "لقد حضر راسبوتين سيء السمعة والمجهول الهوية لقادة الكنيسة بهيئة حاج رحال. لقد صلى طويلاً أمام المزار الفضي الذي يضم رفات سيرافيم، وكان ورعه في السجود مقروناً بنشوة ما. ثم أعلن أمام الجمع الحاشد نبوءته التي تبشر بمعجزة جديدة قريباً، وهي أنه لن ينقضي العام إلا ويولد وريث للعرش الروسي الذي انتظرته البلاد كثيراً باعثاً الفرح في قلوب الناس".
والثابت أن نبوءة راسبوتين قد صدقت بالفعل، فقد ولد الوريث، ألكسي، والذي سيلعب راسبوتين دوراً كبيراً في حياته، وجاء مولده في الثاني عشر من أغسطس (آب) من عام 1904، لكن الصبي ولد ولسوء حظه، وهو يعاني من الهيموفيليا الوراثية.
اقترب راسبوتين من أحد المسؤولين الكنسيين ذوو النفوذ، والمقرب جداً من زوجة القيصر، وهو الأرشمندريت ثيوفان مفتش الأكاديمية اللاهوتية في بطرسبرغ، وهو رجل روحاني إلى أبعد الحدود ورجعي من الناحية السياسية.
لم يكن راسبوتين طموحاً بمعنى الطموح، فهو لا يلهث وراء المال ولا يطمح لنفوذ سياسي، كان متسلقاً اجتماعياً نشد الشهادة له بالعظمة من مجتمعه، وهو شخص أرخى الحبال لرغبته أن تقوده للسلطة وأدق منها للنفوذ الشخصي.
كانت ملكات راسبوتين الخفية تدفعه لليقين بأنه أرقى من خصومه أجمعين وأراد أن تشهد له روسيا بذلك، ولم تكن محاولاته الجاهدة في التقرب من السلطة إلا لأنه يرى أن قوته الشخصية يجب أن تقترن بقوة تماثلها، وليس قوة في روسيا أكبر من قوة القيصر السياسية.
هذه الرغبة في السلطة هي سر بقائه في مدينة بطرسبرغ حتى عندما أدرك أن السلالة الحاكمة تتهاوى وأنه سينتهي بنهايتها، لقد شعر أن بوسعه تغيير مجرى التاريخ ولم يشكك في هذه القدرية قط، حتى عندما لاح جلياً منذ التاسع والعشرين من يونيو (حزيران) عام 1914 أن المستقبل لا ينوي أن يغير مجرى أحداثه.
كان لدى راسبوتين الاستعداد، بدءاً من عام 1903، للغوص في مجرى التاريخ الروسي... وربما هذا ما جرت به الأحداث بالفعل في سنوات قليلة.
النبوءة والخدعة
لم يكن بلاط القيصر نيقولا بعيداً من الحالة الدينية القيصرية، لا سيما وأن الإمبراطورة ألكسندرا فيودوروفونا، كانت قد درجت على الاستعانة بالصوفيين والأولياء الصالحين، ويسرت دخولهم إلى محل إقامتها بهدف التضرع إلى الله من أجل أن تلد الوريث ولي العهد.
هل بلغ سمع القيصر والإمبراطورة أنباء ذلك الصوفي الغريب الذي يجول في عاصمتهم ونبوءته التي قد تحققت بالفعل، بعد أن وهبهم الله صبياً؟
غالب الظن أن هذا ما جرت به المقادير، وهو ما ذكره القيصر نفسه في مذكراته الشخصية، ففي يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1905 كتب ما نصه: "تعرفنا على غريغوري رجل الرب، من أبراشية توبولساك"... كيف قدر للقيصر المحاط بأجهزة أمنية منها ما هو ظاهر وآخر خفي، أن ينخدع في راسبوتين، ويرى فيه وجه القديس لا الإبليس؟
من الواضح أن راسبوتين قد نجح بصورة ما في تخفيف المعاناة والنزيف الذي أصاب ولي العهد الطفل ألكسي، وريث العرش من جراء مرض الهيموفيليا، والذي ورثه عن أمه حفيدة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، وهو يبدأ بنزيف تحت الجلد ثم يظهر ورم يتصلب يتبعه شلل مصحوباً بآلام شديدة.
كيف عالج راسبوتين الدجال في عيون الكثيرين من مواطنيه، والصالح بين الصالحين في عيون البعض الآخر، مرض ولي العهد؟
تقول إحدى النظريات إن راسبوتين في غالب الأمر استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثم تقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
كانت معجزة علاج راسبوتين للوريث سبباً مؤكداً في تقريب الإمبراطورة راسبوتين، منها ومن زوجها الإمبراطور، فقد تجلت قواه الخارقة للطبيعة ورويداً رويداً أصبح مستشارها والشخص المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
قدمت السياقات السياسية في روسيا فرصة تاريخية للإمبراطورة كي تضحى مدبرة شأن البلاد سياسياً إن جاز الأمر، ذلك أنه وبعد أن هُزم الجيش الروسي أمام الجيش الألماني واجتياح وارسو، قام القيصر بتنحية عمه نيقولا الأكبر من قيادة القوات المسلحة الروسية، وتولى بنفسه الإشراف على شؤون المعارك، ما جعل راسبوتين قريباً جداً من عقل وربما قلب الإمبراطورة الممسكة بزمام السلطة في عموم القيصرية.
كان من الطبيعي أن يكتسب راسبوتين نفوذاً واسعاً جداً في البلاط، لا سيما بعد أن بدا في عيون الجميع أمين السر المقرب من ألكسندرا، بل شاع أن الأمر امتد كذلك إلى القيصر نفسه، وأنه كان يبعث له برسائل تحمل نصائح عسكرية، كما أن أحداً لم يعد قادراً على قطع الطريق عليه أدبياً ومعنوياً.
أثار هذا الاقتراب غير المريح للكثيرين في البلاط القيصري حنقاً وغضباً، بل ونفوراً شديداً عند عدد من أعضاء أسرة رومانوف الحاكمة، وبدت أفعاله الشخصية تجاههم غير مقبولة ولا معقولة، فكيف لهذا المدعي أن يصل إلى تلك المكانة، ويبلغ هذه المرتبة ما جعل ألكسندرا على ما قيل ألعوبة في يديه.
ولعله من عجب الأقدار أن هذا الفلاح الروسي، الذي كان يكتب بقدر كبير من المعاناة بعض العبارات، كان قد أشار على القيصر بما هو صحيح من وجهة النظر العسكرية، وأن عدم استماع نيقولا له أدى إلى تدهور أحوال البلاد في ذلك الوقت وهيأ الأرضية للثورة البلشفية عما قريب.
كان راسبوتين من الرافضين لدخول روسيا في حرب البلقان مع العثمانيين، وقد نصح القيصر طويلاً وكثيراً ألا يفعل، غير أن القوميين الروس، والمتشددين عرقياً في البلاد، زجوا بالقيصر في حرب لا طائل منها تحت زعم ضرورة مساعدة الشعوب الأرثوذكسية، بل إن راسبوتين تحدث إلى القيصر محذراً من أن الدخول في تلك الحرب يعني نهاية أسرة رومانوف، وأن روسيا سوف تعاني منها.
كانت تلك نبوءة راسبوتين، والتي تكشف صفحات العديد من الكتب لمؤرخين مختلفين أنه كان أحد أهم الرائين أو المتنبئين في أوائل القرن العشرين، وأن حظوظ معرفة الناس لتلك التنبؤات ضئيلة مقارنة بأسماء أخرى معروفة مثل نوستراداموس، وبابا فانغا، وغيرهما، لا سيما أن بعضها قد تحقق، والبعض الآخر قد يكون في الطريق... ماذا عن تلك القراءات الرؤيوية الراسبوتينية؟
عن مستقبل روسيا والبشرية
لعل الجانب غير المعروف من أعمال راسبوتين، كتابه الذي صدر عام 1912، ويحمل عنوان "تأملات تقي"، والذي ألفه على مدار سنوات، وغالب الأمر أن هناك من ساعده في الصياغة والتنقيح ليخرج بصورة مثيرة لا تقل في واقع الأمر عن تنبؤات العراف الفرنسي الشهير ميشيل نوستراداموس، وإن كان أغلب تلك التنبؤات موصولة بروسيا تحديداً.
هل رأى راسبوتين من بعيد الثورة البلشفية التي جرت بها المقادير عام 1917 والنهاية المأساوية لأسرة القيصر؟
يبدو أن ذلك كذلك، وفي مقدمة تلك التنبؤات التي جاءت في هذا الكتاب، ما كتبه عن أنه عند احتضانه لأحد أبناء الملك، شعر كأنه يضغط على رجل ميت، ما سبب الذعر والفزع لهذا الشخص.
وهناك في الواقع تنبؤات أخرى وصلت إلينا من خلال أشخاص عرفوا راسبوتين بشكل شخصي، عطفاً على ما أوردته إحدى صديقات الإمبراطورة ألكسندرا، وتدعى أنا ألكسندروفينا فيروبوفا.
يذكر البعض أنه تنبأ بتغيير في القوى، ينطوي على جبل من الجثث، والتي من شأنها أن تحول الدم في مياه نيفا إلى اللون القرمزي، كما توقع أنه عندما تغير بطرسبرغ اسمها، ستسقط الإمبراطورية، وتقول بعض عباراته في هذا الشأن عن بداية الحرب الأهلية في روسيا، إن النبلاء سيهربون من البلاد، وسيثور الإخوة على بعضهم البعض ولن يترددوا في القتل.
أكثر من ذلك هناك من يذكر أنه أشار إلى حصار النازي لروسيا، إذ أشار إلى أنه بعد موته بنحو 25 عاماً، سيقترب الألمان من بطرسبرغ ويحاصرون المدينة، وأن السكان سيموتون من الجوع، وستكون قطعة خبز على راحة أيديهم خلاصاً لهم. والقراءة الاستشرافية هذه، كانت استباقاً لحصار المدينة على نهر نيفا أثناء غزو ألمانيا النازية، حتى أن راسبوتين أشار بدقة إلى التاريخ 1941.
هل استشرف كذلك قيام الاتحاد السوفياتي؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك، فقد كتب أنه سيأتي وقت على روسيا زمن ستكون بمثابة "الحفرة الحمراء"، وأن تلك الفترة ستكون مثل مستنقع الأشرار، وستصبح البلاد مرة أخرى إمبراطورية مبنية من عدة جمهوريات، لكنها ستنهار لاحقاً بسبب الصراعات العرقية.
وينسب له كذلك أنه ذات مرة وهو ينظر إلى القمر، قال: "في سنوات عديدة ستطأ قدم بشرية على القمر، ستكون أميركية، لكن يوركا ستكون الأولى" في إشارة إلى روسيا، وهو ما قد تحقق بالفعل فقد صعد الروس إلى الفضاء الخارجي أولاً، ثم بلغ الأميركيون القمر تالياً.
هل كان لظاهرة التغير المناخي والأزمة الإيكولوجية نصيب من تنبؤات راسبوتين؟
أغلب الظن أن ما ينسب إليه يقول بذلك، ذلك أنه أكد على أن المستقبل البشري سيحمل زلازل، والأرض ستضحى أكثر توتراً، وستنفتح الأرض وتغمرها المياه، وستتوقف عن إعطاء الثمار، كما ستصبح النباتات المزروعة مُرة، وتتحول الأراضي الخصبة إلى مستنقعات، كما سيجف جزء من الأرض بفعل أشعة الشمس الحارقة، وسيكون هناك تغير حاد في المناخ، كما ستتفتح الورود في ديسمبر، (دلالة على ارتفاع درجة حرارة الأرض).
هل جاء راسبوتين على ذكر مستقبل روسيا بعد العديد من الكوارث التي ستحل بالكرة الأرضية؟
في عبارة صغيرة لكن تحمل معاني كثيرة قال: "إنه بعد كل الكوارث، ستصبح روسيا تحت راية النسر أرضاً صالحة"... هل هناك المزيد بشأن روسيا ومعاركها وقيصرها الجديد؟ ربما يحتاج الجواب عن التساؤل المتقدم تعميق البحث والعودة مرة أخرى... ما الذي يتبقى في هذه الإحاطة السريعة عن الظاهرة الراسبوتينية هذه؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ختامها سم ورصاص
يبقى الحديث عن النهايات، ومن باب العجب أنها موصولة بالتنبؤات، وقد تكون هذه النبوءة التي قتلت صاحبها... كيف ذلك؟
في ديسمبر من العام 1916، أي قبل اندلاع ثورة البلاشفة في أكتوبر (تشرين الأول) من 1917 بقليل، كتب راسبوتين خطاباً للقيصر تنبأ فيه بقتله، وعن قتلته المحتملين وفيه يقول: "إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حياً لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي من أولادك أو أقاربك، فسوف يلتهمهم الشعب الروسي"... وأردف قائلاً: "نعم سأقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة... صل أرجوك، صل، وكن قوياً، وفكر في عائلتك المصونة"... هل تحققت تنبؤات راسبوتين الذاتية؟
في الواقع لقد أدركت مجموعة من الوطنيين الروس أن راسبوتين قد أضحى نذير شؤوم على القيصرية، ولا بد من الخلاص منه.
ترأس تلك المجموعة الأمير فيليكس يوسوبوف وابن عم القيصر الدوق الأكبر ديمتري.
تمت دعوة راسبوتين إلى قصر يوسوبوف، وهناك قدمت له كعكة مليئة بالسم، وعلى رغم أنه أكل منها الكثير إلا أنه لم يمت، فقد درج على أن يتناول قطرات من السم بشكل يومي توقياً لمحاولات اغتياله عبر هذا الطريق، ولهذا كان الخلاص منه بإطلاق الرصاص عليه، وبعد بضعة أيام وجدت جثته طافية في نهر مويكا.
على أن الجزء الأهم والأخطر هو حدوث ما توعد به إذا تم اغتياله، فبعد نحو ثلاثة أسابيع من قتله، تم اغتيال اثنين من أقارب القيصر نيقولا، ولاحقاً وفي غضون تسعة أشهر على مقتله أعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين.
هل انتهت قصة راسبوتين عند هذا الحد؟
غالب الظن أن رواية هذا الروسي الغامض لم تكتب نهاية فصولها بعد، وربما يوماً ما سوف تتكشف أسرار أعمق عن الرجل الذي زاوج بين الصالح والطالح، بين القديس والإبليس.