تقليدياً، يُعد عيد الفصح في نيجيريا موسماً يجتمع فيه عديد من الأشخاص مع أقاربهم لإقامة حفلات الزفاف والاحتفالات الأخرى، ولكن بالنسبة لـ"يانا غالانغ"، تُعد العطلة تذكيراً مؤلماً بمعاناة أسرتها.
وعلى الرغم من قساوة الذكرى، فإنها مناسبة مهمة بالنسبة لها ولعشرات الآباء الآخرين للاحتفال بالذكرى السنوية لاختطاف بناتهم من مهجعهن المدرسي في بلدة تشيبوك، شمال شرقي نيجيريا، قبل ثماني سنوات، وللمطالبة باتخاذ إجراء حيال إعادة فلذات أكبادهم.
بصفتها القائدة النسائية لجمعية أهالي الفتيات المخطوفات في تشيبوك، كانت غالانغ تتواصل مع الأعضاء الآخرين في الجمعية، وترتب الاجتماعات، وتنظم تقديم الطعام، وجميع المهام الأخرى التي ينطوي عليها الإعداد لإحياء حفل الذكرى السنوية.
ابنتها رفكاتو التي كانت في السابعة عشرة من عمرها عند وقوع الحادث، كانت من بين 276 فتاة تم اختطافهن ليلة 14 أبريل (نيسان) من عام 2014، لكن بينما لا تزال غالانغ تذرف الدموع لعدم تصديقها ومعاناتها لأن ابنتها لم ترجع إلى حضنها بعد أكثر من ثماني سنوات، فهي تعلم أن الأمهات الأخريات يتطلعن إليها لتكون قائدة يستمدن القوة منها.
قالت غالانغ لـ"اندبندنت" في مكاملة هاتفية من منزلها في تشيبوك: "مرة أخرى، نعيش يوماً حزيناً للغاية... في أي وقت نتذكر نحن الأمهات يوم 14 أبريل، نبكي دائماً، لكن لا بأس في هذا. بصفتي قائدة نسائية، أنصحهن بألا يقلقن وأن يتوكلن على الله فقط".
وأضافت أن أكثر من 100 فتاة ما زلن في عداد المفقودين، وأن الآباء يشعرون بأن الحكومة النيجيرية قد خذلتهم.
في فترة الولاية الأولى للرئيس النيجيري محمد بخاري، التي بدأت في مايو (أيار) عام 2015، التقى الجمعية في العاصمة أبوجا ووعد الأهالي بأنه سيعيد بناتهم إلى أسرهن، ولهذا السبب فإن أهالي تشيبوك صوتوا له بأغلبية ساحقة خلال حملة إعادة انتخابه في عام 2019.
لكن الآن، وقد بات أقل من عام يفصلنا عن نهاية ولايته الثانية، لم يتحقق هذا الوعد إلا بشكل جزئي.
تم لم شمل نحو 110 من "فتيات تشيبوك" المختطفات مع أهاليهن بين عامي 2016 و2018. وأنقذ الجيش النيجيري ثلاثاً منهن عندما عثر عليهن في مخبأ لجماعة "بوكو حرام" في غابة سامبيسا، بينما أطلق سراح مئة وثلاث أخريات مقابل فدية قدرها 3 ملايين يورو (ما يعادل 2.5 مليون جنيه استرليني) دفعتها الحكومة بعد مفاوضات مع المسلحين.
أمضت الأسيرات السابقات عدة أشهر يخضعن لبرنامج إعادة التأهيل تحت رعاية الحكومة في أبوجا. بعد ذلك، تكفلت الحكومة النيجيرية بنفقات حضورهن برنامجاً تعليمياً خاصاً في الجامعة الأميركية في نيجيريا بمدينة يولا، شمال شرقي نيجيريا، على بعد نحو 185 كيلو متراً من تشيبوك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لا يزال البرنامج مستمراً، وتشارك غالانغ، بصفتها قائدة نسائية، بفاعلية في رعاية الطالبات في الجامعة الأميركية. وتحضر برفقة رئيس الجمعية وسكرتيرها، الفعاليات التي تجمع الأهالي والمدرسين في الهيئة التعليمية، حيث توجد مرافق سكنية مخصصة للفتيات اللائي تم إنقاذهن، وترافقهن في تنقلهن من وإلى تشيبوك في بداية ونهاية الإجازات الدراسية.
قالت غالانغ: "لكن حتى الآن، ما زال أكثر من 100 في عداد المفقودين... نريد من الحكومة أن تفعل شيئاً قبل أن تخلع عباءة (القيادة) في الأيام المتبقية".
ياكوبو نكيكي هو أحد الآباء الذين تدرس بناتهم في الجامعة الأميركية. إنه يشعر بالسعادة لإطلاق سراح ابنته ولأن الحكومة النيجيرية تعتني بها، لكن قلقه مستمر على الآباء الذين لا تزال بناتهم في عداد المفقودين.
يواصل نكيكي في تمثيل هؤلاء الأهالي بصفته رئيساً للجمعية، ويضمن مواصلة أهالي الفتيات المحررات في إظهار تضامنهم من خلال الاستمرار في حضور الاجتماعات، بما في ذلك الذكرى السنوية لهذا العام، والتي ستقام في مباني المدرسة، حيث وقعت حادثة الاختطاف.
ويتمنى أن توفر الذكرى الثامنة فرصة لهم جميعاً للتحدث بصوت واحد على أمل أن تحث محنتهم الحكومة على التحرك مرة أخرى.
وقال في اتصال هاتفي أجراه من منزله في مبالالا بتشيبوك: "منذ أكثر من عامين، لم تفعل الحكومة شيئاً... لم تعد تتواصل معنا".
في السابق، كان كبار المسؤولين الحكوميين يجتمعون بانتظام مع الآباء أو قيادة الجمعية في أبوجا أو في تشيبوك. أرسلت الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات أيضاً ممثلين إلى احتفالات الذكرى السنوية التي تقام في المدرسة في14 أبريل من كل عام، لكن كل ذلك توقف الآن.
قال نكيكي: "لا توجه الحكومة دعوة لي ولا تبلغني بالتطورات كما في السابق".
المتحدث باسم الرئاسة النيجيرية غاربا شيهو قال لـ"اندبندنت": "لم نتخل عن بقية الفتيات... لا أحد يستطيع أن يعطي تأكيدات حول أي شيء يذكر، لكن جهود الإنقاذ ما زالت جارية".
في هذه الأثناء، تواجه الحكومة النيجيرية صعوبات مع عديد من حوادث الاختطاف الأخرى التي تقع في المدارس.
أثارت عمليات اختطاف تشيبوك في أبريل عام 2014 الصدمة والرعب بين الناس في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى إطلاق حملة عالمية بعنوان "أعيدوا فتياتنا" على وسائل التواصل الاجتماعي للإفراج عنهن، والتي شهدت مشاركة من مشاهير وزعماء العالم.
لكن منذ ذلك الحين، أصبحت عمليات الاختطاف في المدارس أكثر شيوعاً في نيجيريا، إذ تم اختطاف ما لا يقل عن 1409 طلاب من مدارسهم في المنطقة الشمالية خلال 19 شهراً، في الفترة ما بين مارس (آذار) عام 2020 وسبتمبر (أيلول) في السنة التالية، وفقاً لمنصة "أس بي أم" للاستخبارات في نيجيريا، ودُفع ما لا يقل عن 220 مليون نايرا (نحو 408 آلاف جينه استرليني) كفديات.
شهد معظم هذه الحوادث الأخيرة تدخلاً ضئيلاً من الحكومة، حيث لم يكن هناك خيار أمام الآباء والأقارب سوى دفع فدية لإطلاق سراح أبنائهم. وفي حين أن موجة عمليات الاختطاف بدت كأنها جرت بأسلوب "بوكو حرام"، فإن الحكومة ووسائل الإعلام المحلية نسبتها إلى العصابات المسلحة التي توصف عادة بـ"قطاع الطرق".
كانت عصابات قطاع الطرق هذه، التي تتكون عادةً من مئات الرجال، تخرج بشكل منتظم خلال العامين الماضيين من مخابئها في الغابات المحيطة لتقوم بمهاجمة عشرات المجتمعات الريفية في جميع أنحاء شمال نيجيريا، ما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص وتشريد الآلاف.
أما بالنسبة لـ"بوكو حرام" نفسها، فقد كان المسلحون في حالة تغير مستمر بسبب الصراع مع جماعة منشقة تحولت إلى قوة منافسة تحمل اسم "ولاية غرب أفريقيا" تابعة لتنظيم "داعش". ومع ذلك، قال مسؤولون نيجيريون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن "بوكو حرام" انتقلت إلى شمال وسط نيجيريا في توسع واضح - ولا تزال تمثل تهديداً خطيراً للحكومة.
وقالت الأمم المتحدة العام الماضي، إن قرابة 350 ألف شخص لقوا حتفهم بسبب تمرد الجماعة المستمر منذ 13 عاماً، وما أعقب ذلك من أزمة إنسانية.
في الأحوال كلها، فإن هذا الرقم لا يعكس معاناة عدد لا يحصى من المواطنين الآخرين مثل غالانغ. ففي حين أنها قد تشعر بخيبة أمل من رد الحكومة على مأساة تشيبوك، إلا أنها لا تزال تأمل في إطلاق سراح ابنتها، وقد وصلتها أخبار مطمئنة هذا العام لتخفف قليلاً من حزنها.
في يناير (كانون الثاني)، تلقت أنباء تفيد بأن ابنتها رفكاتو على قيد الحياة وبصحة جيدة، على الرغم من أنها متزوجة من أحد مقاتلي "بوكو حرام"، ولديها طفلان. ربما لم ترَ ابنتها لمدة ثماني سنوات، لكنها سعيدة بمعرفة أنها حية ترزق.
علمت ذلك من فتاة من تشيبوك كانت متزوجة من عضو في "بوكو حرام"، وهو واحد من بين الكثيرين الذين استسلموا أخيراً للجيش النيجيري. أخبرت الفتاة غالانغ أنها أمضت بضعة أيام مع رفكاتو في بلدة نائية في غووزا قبل أن تقرر هي وزوجها الفرار وطلب العفو.
قالت غالانغ: "أخبرتني أن ابنتي بخير، لكن المشكلة أنها غير قادرة على التصريح بهويتها الحقيقية... أخبرتني أن لديها طفلين، وأن الرجل الذي تزوجها، لا يريد أن يكون لها أي علاقة على الإطلاق بتشيبوك بعد الآن".
وختمت الأم كلامها بالقول: "لا أريد سماع أخبارها فقط، بل أريد رؤيتها".
© The Independent