حذر كبار الخبراء في مجال المجاعة والجوع من احتمال تعرض ملايين الأشخاص حول العالم لكارثة نتيجة غزو روسيا لأوكرانيا وتهديدها واحدة من أهم سلال الخبز العالمية.
وكان المسؤولون في برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة قد حذروا سابقاً من أن ما يربو على 44 مليون نسمة في 38 دولة كانوا على حافة المجاعة، وذلك قبل اندلاع الصراع.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا وأوكرانيا تنتجان ما يناهز 30 في المئة من القمح العالمي، ومن المتوقع أن يتسبب غزو فلاديمير بوتين لدولة أوكرانيا المجاورة برفع ثمن هذا المنتج الرئيس إلى مستويات أعلى في الأسواق العالمية. إضافة، تعتبر أوكرانيا إحدى الدول الأساسية في مجال إنتاج زيت دوار الشمس.
قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، كان برنامج الأغذية العالمي قد اضطر إلى تقليص حصص الإعاشة المخصصة للأطفال ضحية الأزمة الإنسانية في اليمن إلى النصف، وقد طلب رئيس البرنامج ألا يوضع موظفوه في موقف حرج يرتب عليهم الاختيار من يعيش من بين أطفال العالم ومن يموت.
وقال مارتن بنر، نائب رئيس التواصل الدولي في برنامج الأغذية العالمي، لصحيفة "اندبندنت": "عندما اندلع الصراع في أوكرانيا، كان العالم يواجه أساساً تحديات غير مسبوقة على مستوى كافة الدول، في ظل تزايد أعداد الجوعى وحالات الطوارئ يوماً بعد يوم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع: "لقد ازداد الأمر سوءاً مع اندلاع الحرب في أواكرانيا. فأوكرانيا وروسيا تمثلان معاً سلة خبز العالم، إذ تنتج أوكرانيا وحدها سنوياً ما يكفي من الطعام لحوالى 400 مليون شخص، وتُصدر كميات كبيرة منه".
وفي حديثه من مقر برنامج الأغذية العالمي في روما، أضاف: "الأمر أشبه بكارثة بأبعاد مأساوية تحدث في ظل وضع تجاوز بالفعل الوضع الكارثي".
وذكر مسؤولون، أن إحدى الدول التي سبق وشهدت انقطاعاً في إمدادات الطوارئ للعائلات هي اليمن، حيث يتلقى ثمانية ملايين شخص منذ ديسمبر (كانون الأول) المنصرم نصف الحد الأدنى من حصص الإعاشة اليومية التي تقدمها الوكالة.
كما أن نحو نصف سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة يعانون من الفقر، نتيجة الأزمة الإنسانية التي تسببت بها العملية العسكرية التي تشنها المملكة العربية السعودية ضد المتمردين الحوثيين، بدعم من الحكومتين الأميركية والبريطانية. ويوفر برنامج الأغذية العالمي الغذاء لـ13 مليون شخص شهرياً في اليمن، ويعتقد أن حوالى 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
رئيس برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة يحذر من تداعيات كبيرة لحرب أوكرانيا
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، قال المسؤولون إن 31 ألف يمني يعانون اليوم من المجاعة، ومن المتوقع أن يتعرض 161 ألف شخص آخرين لوضع مماثل عصيب بحلول يونيو (حزيران).
وأوضحت كاثرين راسل، رئيسة منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" في تصريح لها: "كل يوم يتزايد عدد الأطفال اليمنيين الذين ينامون جوعى. ولا ينبغي أن يكون هذا حال أي طفل في أي مكان من العالم".
وأضافت: "إذا لم نتصرف اليوم، سنرى المزيد من الأطفال يقضون نحبهم في اليمن، وأولئك الذين سينجون من الموت سيعانون من عواقب سوء التغذية في مستقبلهم المتمثلة في ضعف النمو البدني والعقلي".
ويقول الخبراء، إن جزءاً من المشكلة هو مالي، وإن برنامج الأغذية العالمي يفتقر إلى الدعم المالي؛ لأن الدول المانحة لم تتبرع بما فيه الكفاية.
غير أن غزو أوكرانيا- الذي أجبر برنامج الأغذية العالمي على البدء بتوفير الإمدادات الغذائية الطارئة للمواطنين الأوكرانيين الذين تحاصرهم روسيا- أدى إلى تفاقم الوضع بطرق مختلفة ومعقدة.
ويؤكد الخبراء أنه في ظل إغلاق الموانئ الأوكرانية وتعليق صفقات الحبوب الروسية بسبب العقوبات، جرى حالياً تجميد 13.5 مليون طن من القمح و16 مليون طن من الذرة في روسيا وأوكرانيا.
كما أن الدول الأكثر عرضة للخطر من جراء ذلك هي أفغانستان وسوريا، التي تتأثر أكثر من غيرها من الدول بسبب انقطاع الإمدادات لأن غذاءها يعتمد على ذلك.
دول مثل أفغانستان من بين الدول الأولى التي ستتأثر بالزيادات في أسعار القمح
ويقول الخبراء، إن نصف واردات أفريقيا من القمح تأتي من أوكرانيا وروسيا.
وثمة عامل آخر يقلق الناس الذين يستقصون الوضع العالمي ألا وهو أن روسيا وبيلاروس هما المصدران الرئيسان لأسمدة البوتاس. وتستورد بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أكثر من 70 في المئة من أسمدة البوتاسيوم من روسيا وبيلاروس حصراً.
يقول الدكتور مايكل بوما، مدير مركز أبحاث النظم المناخية في جامعة كولومبيا في نيويورك، بصفته خبيراً في الأمن الغذائي العالمي، وتغير المناخ، والهجرة البشرية: "إننا نشهد بالفعل وضعاً فريداً من نوعه".
وتابع: "وما يثير القلق أيضاً ليس تعطل الإنتاج فحسب، بل تعطل النقل واللوجيستيات أثناء دخول البلد والخروج منه. إضافة إلى أن روسيا أصبح يُنظر إليها كدولة منبوذة، حيث تتردد الشركات بما في ذلك شركات النقل واللوجيستيات في المشاركة".
وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، إن منظمته تعاني من نقص في التمويل قدره 9 مليار دولار وقد حث الدول على تقديم المزيد من المساهمات.
وفي مقابلة له مع شركة "بوليتيكو"، قال بيزلي: "لدينا نقص في التمويل يبلغ مليارات. إن الفشل في توفير بضعة مليارات من الدولار الإضافية هذا العام يعني أن ثمة مجاعة وعدم استقرار وهجرة جماعية".
وجاءت تعليقاته بينما كان جو بايدن يتوجه إلى بروكسل لحضور مؤتمر قمة طارئ لحلف شمال الأطلسي، وهو اجتماع الدول السبع. وتحدث أيضاً إلى المجلس الأوروبي، حيث يبذل القادة جهوداً بالفعل للاستجابة لأزمة الغذاء الناجمة عن الحرب.
وقال بيزلي، البالغ من العمر 65 عاماً، الذي شغل منصب حاكم كارولينا الجنوبية من الحزب الجمهوري من 1995 إلى 1999: "إذا كنت تعتقد أن الجحيم أصبح على الأرض الآن، إذاً ما عليك إلا أن تستعد".
"إذا أهملنا شمال أفريقيا، فإن شمال أفريقيا سيقدم إلى أوروبا. وإذا أهملنا الشرق الأوسط، فإن الشرق الأوسط قادم إلى أوروبا".
وفي الولايات المتحدة، قال تجمع الجوع بين الحزبين في مجلس الشيوخ، إنه على الرغم من أن الكونغرس أقر مساعدات لأوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر بقيمة 13 مليار دولار، فإن مبلغ 2.65 مليار دولار الذي خُصص للغذاء والمساعدات الإنسانية الأخرى لا يكفي لمعالجة نقص الغذاء على الصعيد العالمي.
وقال السيناتور الديمقراطي كوري بوكر من نيوجيرسي لـ"رويترز": "يجب على الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس أن يجتمعوا بسرعة، وأن يوافقوا على المعونة الغذائية العالمية الطارئة لمنع عشرات الملايين من الناس، بمن فيهم ملايين الأطفال، من الموت جوعاً".
© The Independent