على وقع الموسيقى تنطلق الفتيات الصغيرات بخطوات متناغمة على رؤوس أصابعهن أثناء تدريب فن الباليه بأكاديميات متخصصة في السعودية. يقفزن كالفراشات، يراقصن أنغام الموسيقى لإبراز مواهبهن بارتداء حذاء خاص لممارسة هذا الفن الروحي العريق. تنسجم الصغيرات مع الألحان إلى حد التماهي الحسي والحركي مع كل نغمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انتقال فن الباليه إلى السعودية جاء ضمن تطور حضاري استقبلته السعودية منذ زمن التأسيس، أخذ ترسيخه في المجتمع وقتا طويلا، وبجهود فردية على أيادي سيدات متزوجات من كوادر علمية ومهنية أوروبية وأميركية انتقلوا إلى العمل في السعودية، مع الوقت تحول إلى عمل مؤسسي تحت مسميات أكاديميات خاصة أو مراكز فنون.
وخلال العامين الماضيين بات تدريب الباليه في السعودية مجالا للتنافس، يجذب سيدات قادرات على تدريبه باحتراف، ليحققن هدفهن بتعميمه نحو مختلف الفئات في المجتمع، لإدراك القيمة الحقيقية التي توليها الثقافات المختلفة لهذا الفن الروحي، الذي يحكي عن جوانب كثيرة من حياة الشعوب، ويجمع بين الموسيقى والحركة والتاريخ الثقافي والاجتماعي للحضارات.
ونجحت كثير من السعوديات في إنشاء مراكز وأكاديميات في مختلف مناطق السعودية، تجتمع فيه عشرات المتدربات في استعراضات جماعية على وقع الايقاعات الكلاسيكية للباليه.
الفتاة السعودية أماني التميمي، معلمة باليه شُغفت بهذا الفن منذ فترة طويلة، فتعلمته من إحدى المدربات الأوروبيات، تقول "تعلمت فن الباليه منذ طفولتي عبر دروس خاصة إلى أن تمكنت من مهاراته الفنية الأساسية، ونجحت في تأسيس مركز للفنون وتعليم الباليه بالرياض، أدرب فيه الفتيات من عمر خمسة أعوام، وتنتسب إليه فتيات من عمر 3 سنوات وحتى 9 سنوات، يُنمين قدراتهن على تفريغ الطاقة والترفيه، ويطورن مهارات أجسادهن للتعبير عن أنفسهن من خلال الباليه".
تضيف التميمي "الموسيقى والباليه يعدان من الفنون الجميلة والراقية التي ترسم وجها آخر للحياة بأسلوب ولغة وتقنية جديدة، يسهل فهمها من قبل المتلقي، وتُمكِّن الفتيات من التفاعل معها لتطوير مهاراتهن".
تتابع "رقص الباليه أكثر من تعبير ذاتي، يعطي فرصة أكبر للتعرف إلى القدرات العقلية والجسدية، كما يساعد على فهم الجمال وتأمله"، وتطمح التميمي إلى "افتتاح معهد متخصص في تعليم الباليه الكلاسيكي ومدرسة رقص معاصر لجميع الفئات العمرية".
تعلم الفتيات الصغيرات للحركات الاستعراضية في فن الباليه يمنحهن إحساسا عاليا بقدراتهن، ومتعة لا توفرها برامج اللياقة البدنية والرياضة التقليدية، وهو أمر استثمرته معلمة الباليه من خلال برامج أكاديمية لتعليم مهاراته للفتيات، ويشمل برنامج التدريب تعليمهن حركات استعراضية تتصل بالفن التعبيري ومهاراته لإتقان هذا الفن وتحديد قدراتهن الجسدية.
وفي مدينة جدة كان هناك استعراض آخر للباليه، تؤكد جمانة خالد، معلمة بالية ومصممة الأداء الاستعراضي للحفل، "هذا الفن ليس حكرا على الفتيات صغيرات السن بهدف احترافه، بل تُقبِل عليه شابات ونساء ما بين عمر 18 و35 عاما".
بعد سنوات من العمل لتعزيز وتعميم الثقافة الفنية للباليه في المجتمع السعودي، تمكنت من جذب أعداد متزايدة من الفتيات والشابات نحو واحد من الفنون الإبداعية الكلاسيكية، وعن العقبات التي واجهت مسيرتها كمالكة لأكاديمية جدة للباليه، قالت: "كحال النوادي والصالات الرياضية في بدايتها لم تكن مقبولة من المجتمع، ولكن أخيراً وجدت الدعم"، وتسعى جمانة وكثيرات معها لاستخراج تصريحات نظامية لافتتاح أكاديميات أكثر.
أضافت "تخضع الطالبات لتدريبات منتظمة وفق منهج متكامل في مستويات الباليه، بتشجيع من أسرهن التي تراه مادة فنية عالمية تتواصل عبرها شعوب الأرض وتتقارب، ويطمح هذا الفن إلى ابتكار أسلوب إبداعي يمزج بين الحالة الإبداعية ذاتها للطالبات وانعكاساتها الايجابية على السلوك التربوي لديهن".
وأكدت "أن المجتمع السعودي أصبح يرى الباليه لغة تواصل وانضباط، يهدف إلى تهذيب السلوك، ويعكس التطور الذي يشهده المجتمع، إذ ينشد هذا الفن الصفاء والتناسق مع الذات والسلام مع الآخرين، ولابد من رعايته والاهتمام به لكونه أحد أوجه الثقافة والحضارة المعاصرة".