أثار مقطع فيديو يظهر فيه الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، الذي يرقد حالياً في إحدى مستشفيات الخرطوم من أجل الاستشفاء، وهو يتفقد المرضى داخل غرفهم ويسلم عليهم في المستشفى بنفسه، جدلاً كبيراً في الأوساط القانونية، فضلاً عن عامة الناس، من ناحية أنه يتمتع بكامل صحته التي تسمح له بالمثول أمام المحكمة القائمة بموجب بلاغ تقويض نظام الحكم الدستوري في 1989، الأمر الذي يشكك في التقرير الطبي الذي يثبت تدهور حاله الصحية مما يستدعي خضوعه للرعاية الطبية. وبدا الرئيس السوداني السابق "المخلوع" في شريط الفيديو المتداول، وكأنه يقوم بالمهمات نفسها التي كان يضطلع بها إبان رئاسته.
رسالة استفزازية
واعتبر عضو هيئة الاتهام في بلاغ مدبري انقلاب 1989 المعز حضرة ظهور البشير بهذه الطريقة رسالة استفزازية للشعب، وتأكيداً بأن التقرير الطبي مشكوك فيه، لأنه يتضح تمتعه بكامل صحته وعافيته، لذلك يجب فتح بلاغ ضد الطبيب الذي أصدر هذا التقرير، وعلى المحكمة استدعاؤه للمثول أمامها.
ولفت حضرة إلى أن هيئة الاتهام ستتقدم بمزيد من الطلبات والاجراءات من أجل مثول البشير أمام المحكمة، موضحاً أن هذا الحدث (الفيديو) هو أحد مخططات انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الذي أعاد أنصار البشير لواجهة الحكم.
مخالفة قانونية
وفيما رأى المحامي جبريل يعقوب أبكر أن ظهور البشير في هذا الفيديو مخالف للقانون، بخاصة أنه أدعى بأن صحته لا تسمح له بالمثول أمام المحكمة، يستوجب من القاضي إعادة النظر في قراره السماح له بالوجود في المستشفى.
وبيّن أن هذا الفعل لم يكن عفوياً بل مدروساً ومخططاً له، وقد تتبعه خطوة لها ما بعدها، منوهاً إلى أن القصد من هذا الظهور العلني هو التأكيد بأنه يتمتع بحرية تامة ويمارس نشاطه وحريته بشكل طبيعي.
مقتضيات طبية
في المقابل، أوضح عضو هيئة الدفاع في البلاغ أبوبكر عبدالرازق أن التشكيك في التقرير الطبي بخصوص حال البشير الصحية أمر غير وارد، لأنه صادر من طبيب متخصص في مجاله ومن مستشفى حكومي، وبالتالي فهو مستند رسمي لا يجوز الطعن فيه، إلا كونه تقريراً مزوراً يستوجب اتخاذ إجراءات جنائية، مبيناً أن ظهور البشير متجولاً في المستشفى وقيامه بمعاودة المرضى قد يكون مقصوداً أو غير ذلك، وقد يكون الفيديو قديماً بخاصة وأنه رقد في المستشفى أكثر من مرة خلال فترات متفاوتة.
وأشار عبدالرازق إلى أن تجوال البشير كما ظهر في الفيديو قد يكون جزءاً من المقتضيات الطبية التي تتطلب منه مزيداً من الحركة والمشي نظراً إلى إصابته بأمراض عدة، كما قد تكون الحركة لأغراض معنوية لتدفق مسار الدم، أو لتكوين الإرادة السابقة للعمل الطبي والمساعدة على إنجاز مهماتها.
وأكد أن البشير ما زال متهماً وحبيساً في الانتظار وليس مداناً، وأن البلاغ الخاص بتقويض النظام الدستوري يحق للمتهم الافراج عنه بالضمان، لأنه ليس من بين مواده القصاص أو الحدود، لكن للأسف حصل تعسف من قبل المحكمة والنيابة، وفي تقديري أن البلاغ سيتم في النهاية شطبه.
اضطرابات في الجسم
وكان عضو هيئة الدفاع عن البشير محمد الحسن الأمين قال في وقت سابق إن "طبيب الرئيس المعزول أوصى بعدم إعادته للسجن مجدداً لأن حاله الصحية لا تسمح بذلك، وتتطلب وجوده داخل المستشفى".
ونوه الأمين إلى أن البشير يعاني اضطرابات في الجسم وارتفاعاً مستمراً في الضغط، ويحتاج إلى توفير الرعاية الصحية المتكاملة، مستبعداً عودته للسجن مجددًا بتوصية من الطبيب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تقويض الحكم
ويمثل الرئيس المعزول عمر البشير و34 من العسكريين والمدنيين الذين ينتمون لتنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، أمام القضاء بتهمة تقويض النظام الدستوري الذي كان قائماً على رأس حكومة ديمقراطية تم انتخابها برئاسة الصادق المهدي عام 1986، وذلك بتنفيذهم انقلاباً عسكرياً في العام 1989 أبقاهم في سدة الحكم 30 عاماً.
وتأتي هذه الدعوى القضائية بموجب مبادرة تقدم بها فريق من كبار المحامين السودانيين برئاسة المحامي علي محمود حسنين ضد تنظيم الجبهة الإسلامية القومية، أحد تنظيمات الإخوان المسلمين الذي كان يترأسه حسن الترابي، بتهمة الانقلاب على الشرعية وتقويض النظام الدستوري وحل مؤسسات ونقابات الدولة عام 1989.
ومن أبرز المتهمين في هذه القضية من العسكريين عمر البشير ونائبه بكري حسن صالح وعبدالرحيم أحمد حسين، ومن المدنيين علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع وعلى الحاج محمد وإبراهيم السنوسي وعوض أحمد الجاز، وجميعهم قيادات في الحركة الإسلامية.
والمحاكمات الجارية الآن ليست الأولى من نوعها في تاريخ السودان، فقد سبق أن تم عقب انتفاضة أبريل (نيسان) 1985 محاكمة رموز وقيادات نظام مايو بقيادة الرئيس الأسبق جعفر النميري لتقويضه النظام الدستوري في العام 1969، من أبرزهم النائب الأول للنميري عمر محمد الطيب الذي حكم عليه بالإعدام لكنه حصل على عفو في ما بعد.