صادمة خطة بوريس جونسون بشأن ترحيل لاجئين إلى رواندا وإبقائهم هناك ريثما تنتهي إجراءات التدقيق في طلبات لجوئهم. ومن المفاجئ كذلك أن هذه الحكومة تعيد استخدام خطة حاولت حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل استخدامها من قبل، ولم تفلح.
في عام 2014، شرعت حكومة نتنياهو بإرسال لاجئين - "طوعاً" حسبما أتى في سرديتها - إلى رواندا. ولكن في الواقع، انتُزعت موافقتهم على ترحيلهم بعد سجنهم، ومضايقتهم و/أو حرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية الأساسية.
بعد طعن قانوني، أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا في أغسطس (آب) 2017 قراراً مفاده أنه لا يمكن إبقاء اللاجئين الذين يرفضون المغادرة في السجن إلى أجل غير مسمى، وأن الذين يذهبون إلى رواندا يجب أن يغادروا طوعاً. بعدها، اتفق نتنياهو مع رواندا على استقبال اللاجئين غير الراغبين بالذهاب إليها مقابل نحو 5 آلاف دولار للشخص. أي بمعنى آخر، كان المكلفون الإسرائيليون يدفعون عملياً ملايين الدولارات لنظام بول كاغامي الديكتاتوري.
في يناير (كانون الثاني) 2018، قدمنا، إلى جانب ناشطين في مجال حقوق الإنسان في إسرائيل بقيادة الناشطة البارزة سيغال كوك أفيفي، التماساً إلى المحكمة العليا بإلغاء هذا الاتفاق. فالذين ذهبوا إلى رواندا وجدوا أنفسهم مجردين من كافة الحقوق وسبل العيش. وما إن وصلوا إلى رواندا، ضغط مسؤولون حكوميون عليهم لكي يرحلوا من البلاد. وفي النهاية، أصبحت رواندا مجرد مرحلة تمهيدية لكي يعيدوا شق طريق اللجوء باتجاه أوروبا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقلنا للمحكمة بأن الحكومة قد قررت، من دون الحصول على موافقة البرلمان، استخدام أموال الضرائب التي يدفعها المكلفون الإسرائيليون لتمويل جرائم الحرب التي يرتكبها بول كاغامي. وشرحنا بأن كاغامي يتبنى نهج المراقبة والاضطهاد المستمرين ضد نشطاء المعارضة، ويعذب ويخفي معارضيه ويغتالهم ويقيد حرية الصحافة ويرتكب الجرائم في البلدان المجاورة كذلك. وتكلمنا عن قيام نظام كاغامي في رواندا طيلة سنوات بدعم الميليشيات التي تقتل وتستخدم الاغتصاب سلاحاً في الحرب في شرق الكونغو (كما زعمت عريضة منفصلة قدمها المحامي أفيغدور فيلدمان بأن الاتفاق مع رواندا ينتهك أحكام العدالة الأساسية في إسرائيل).
أنشأت دولة إسرائيل، التي تبيع السلاح وتقدم التدريب العسكري لديكتاتورية الهوتو منذ ستينيات القرن الماضي، وواصلت بيع الأسلحة أثناء فترة المجازر العرقية في عام 1994، أحد أهم تحالفاتها في القارة الأفريقية مع كاغامي. ومقابل تلقيه السلاح والتدريب منها، يغطي كاغامي على تورط إسرائيل في المجازر العرقية، ويمنع إصدار الوثائق الموجودة في أرشيف رواندا حول الموضوع كما يدعم إسرائيل في المحافل الدولية. في ديسمبر (كانون الأول) 2018، كانت إسرائيل الدولة الغربية الوحيدة التي أولت دعمها لمبادرة كاغامي من أجل تغيير تعريف الأمم المتحدة لذكرى ضحايا الإبادة الجماعية ضد التوتسي في رواندا، عن طريق محو ذكر الهوتو وآخرين تعرضوا للاغتيال.
فيما كانت المحكمة تستمع للالتماس، عمت التظاهرات إسرائيل والعالم تنديداً بترحيل اللاجئين إلى رواندا. تظاهر الآلاف كل أسبوع في شوارع إسرائيل. وانضمت جاليات يهودية عديدة حول العالم وزعماء دينيين يهود إلى المظاهرات.
لم تكن العريضة سوى خطوة صغيرة في إطار نضال جماهيري واسع النطاق، ولكنها نجحت في إلقاء الضوء على حدة الوضع في رواندا وفي هز رباط الصمت الذي نجح نظام كاغامي في بنائه حول جرائمه عبر السنوات- عبر لجوئه إلى الادعاء الكاذب بأن كل منتقدي نظامه ينكرون حصول مجزرة عرقية بحق التوتسي، مثلما تحاول دولة إسرائيل إسكات منتقدي سياساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عن طريق زعمها الكاذب بأنهم جميعاً معادون للسامية.
لقد وصل وضع حقوق الإنسان في رواندا وفقاً لتقرير وضعته وزارة الخارجية الأميركية في عام 2021 إلى هذه الدرجة من التدهور "شملت المشكلات الكبيرة في مجال حقوق الإنسان إفادات موثوقة عن: حالات قتل غير مشروع أو تعسفي على يد الحكومة، والإخفاء القسري على يد الحكومة، والتعذيب أو المعاملة أو العقاب القاسي وغير الإنساني والمهين على يد الحكومة، وظروف قاسية تمثل خطراً على الحياة داخل السجون، والاعتقال التعسفي، ووجود سجناء أو معتقلين سياسيين، وانتقام لدوافع سياسية من أفراد خارج البلاد، قد يشمل القتل أو الاختطاف والعنف…" وهكذا دواليك.
لم يتغير وضع حقوق الإنسان في رواندا، كما لم تتغير في المقابل جهود السياسيين الكسولين ذوي الآفاق الضيقة من أجل كسب الأصوات في صندوق الاقتراع عبر استخدام كراهية الأجانب وسحق حقوق الإنسان.
إيتاي ماك محامٍ إسرائيلي يعمل في مجال حقوق الإنسان
© The Independent