"عاجلاً أم آجلاً، سنسحق رأس التنظيم" عبارة شديدة اللهجة أطلقها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في كلمة له أثناء اجتماع لنواب حزبه، بعدما توعد بتحريك قواته في عملية عسكرية ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، شمال سوريا، بالتزامن مع عملية عسكرية تدور فصولها شمال العراق ضد "حزب العمال الكردستاني".
تكثيف الهجمات
وأمام تلويح أردوغان بعملية هجومية ضد وحدات الحماية الكردية، حيث تعدها أنقرة امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني"، يبدو أن الأتراك عقدوا العزم على ذلك بعدما ازدحمت سماء الشمال السوري (مناطق النفوذ الكردي) بالمسيّرات والطائرات الحربية التي تنفذ عمليات قصف ورصد استخباراتي لأهداف قوات "قسد" ذات الغالبية الكردية.
في غضون ذلك، يعتقد مراقبون أن تكثيف الهجمات والضربات وسط صمت الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، يشي بأن عملاً هجومياً واسعاً يتحضر، الأمر الذي تؤكده إحصائيات رصدها المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا، إذ سجل خلال أبريل (نيسان) الحالي، تسعة استهدافات جوية، واحدة منها في حلب والبقية في الحسكة، خلفت مصرع 6 عسكريين بينهم 3 نساء، إضافة إلى إصابة آخرين بجروح متفاوتة، حيث ارتفع عدد الاستهدافات مقارنة بشهر مارس (آذار) الفائت، حين لم يتجاوز استهدافين اثنين فقط.
الحذر من الظروف المواتية
وكاد الخبير السياسي في الشؤون الكردية، جوان اليوسف، يجزم بأن لدى أنقرة الإمكانية العسكرية والمادية والبشرية وهي على أهبة الاستعداد لتنفيذ أي هجوم على مناطق ومواقع الإدارة الذاتية، وهذا بالفعل ما تقوم به يومياً وبخاصة في هذه الفترة الحرجة مع انشغال المجتمع الدولي بالأزمة الأوكرانية.
ولم يستبعد اليوسف تقدم الجيش التركي وبشكل مباغت بعدما توافرت له الظروف المناسِبة وعقب توتر وأجواء ساخنة تخيم على علاقات البيت الأبيض والكرملين، اللذين أوقفا قبل أشهر، ليست بعيدة، عملية قتالية لأنقرة كادت تندلع.
وربما استغلت القوات التركية هذا الانشغال لتحقيق مصالح بلاده بإتمام الإطباق على باقي المنطقة العازلة شمالاً منعاً لتسلل القوات الكردية إلى حدودها الجنوبية، من دون الاكتراث بالمنطقة العازلة، المتفق عليها بين الأتراك والروس في أغسطس (آب) 2019 والمعروفة بـ"ممر السلام" أو المنطقة الآمنة للحد من أي هجوم تركي.
ويرى الباحث في الشؤون الكردية، أنه مع اقتراب موعد الانتخابات التركية "يمكن أن نشهد محاولات من قبل أردوغان لتوجيه أنظار المجتمع الدولي والرأي العام التركي باتجاه الخارج، وإلى وجود تهديد خارجي يتمثل في الأكراد لكسب مزيد من المؤيدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد في ذات الوقت أنه "في الحقيقة، المجتمع التركي ليس بحاجة إلى توجيه أنظاره بهذا الاتجاه، لأنه يعي حالة العداء الشديدة مع الأكراد. العمليات العسكرية ستساعد أردوغان وترفع عدد ناخبيه، إذ إن الأمر يظهر عن وجود عدو خارجي، وبالتالي نتيجة لذلك سيزداد تدهور الوضع الاقتصادي مع استمرار هبوط الليرة التركية التي باتت في أدنى مستوياتها".
القتال لصد التهديدات
إزاء ذلك، يزداد التوتر حدة بين الجانبين، لا سيما بعد إعلان مديرية الأمن التركي مصرع أحد عناصرها في مدينة مارع التابعة لمنطقة إعزاز، في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة تركيا والمعارضة السورية وتسمى منطقة "درع الفرات"، إثر استهداف مركبته بصاروخ موجه، وبحسب بيان لمديرية الأمن التركي فقد اتهمت "قوات سوريا الديمقراطية" بشَن هذا الهجوم، في حين أعلن المركز الإعلامي لـ "قسد" عن عدم معرفتها بالجهة الفاعلة.
في المقابل، أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من تطور الأحداث، ونشرت سفاراتها لدى سوريا تغريدة عن تعرض مقار ومكاتب المجلس الكردي وأحزاب سياسية للاعتداء على هامش خلافات سياسية بين عدد من الأحزاب كردية، ودعت واشنطن "جميع الأطراف إلى الانخراط سلمياً في السعي وراء قرارات تفيد الجميع".
وحذر الناطق باسم "المجلس العسكري السرياني"، ماتاي حنّا من التصعيد التركي الأخير وهجماته على بلدتي "زركان وتل تمر" وقصفه محطة الكهرباء وخروجها عن الخدمة، إذ إنه بعد توجه قوات المجلس لتفقد الأضرار باغتتهم طائرة مسيرة وأصابت أحد القياديين ومترجماً.
المصالح الدولية
وأبدى وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو استياءه من تصرفات واشنطن الداعمة لقوات "قسد" شمال سوريا، وذلك على هامش مؤتمر وزراء خارجية دول الناتو الذي انعقد في بروكسل في 7 أبريل (نيسان) الحالي، مصنفاً "قسد" منظمة إرهابية، بينما تسعى أنقرة إلى التقارب مع أميركا بغية رفع العقوبات عنها أواخر عام 2020 إثر شراء تركيا منظومة صواريخ "أس 400" الروسية.
ويلفت مراقبون إلى أن التقارب الأميركي– التركي الذي أخذ طريقه بالفعل بعد الحرب الأوكرانية، ظهر مقلقاً جداً بالنسبة للأكراد، ممَن يطمحون بالانفصال وإعلان دولتهم شمال شرقي البلاد، وهو الأمر الذي لا تقبله إسطنبول، حتى أنها ستمنع تكرار أي شكل من أشكال الكونفدرالية.
ونفى بيان لوزارة الخارجية السورية وجود أي اتصالات بين دمشق وأنقرة، واصفاً الحديث حول قيام وزير الخارجية التركي بالاتصال بالعاصمة السورية بالمزاعم، مؤكداً أنه لا يوجد أي تعاون في مجال مكافحة الإرهاب بل "يأتي ذلك بالتزامن مع الاعتداءات الوحشية التي تشنها القوات التركية على المواطنين السوريين في الشمال".
واعتبر اليوسف أن "تركيا لن توقف هجماتها، سواء عبر مدفعياتها أو طيرانها الحربي أو الطائرات المسيرة باتجاه المواقع الكردية أو عبر فصائلها وأذرعها، وتحديداً الجيش الوطني السوري المعارض".
ورأى أن "مواجهة تركيا من قبل الإدارة الذاتية أمر صعب جداً لاختلال موازين القوى، بحيث يبقى الأمر متعلقاً باستعداد المجتمع الدولي للضغط على تركيا لمنع هكذا هجمات". وقال، "رأينا كيف صمت المجتمع الدولي خلال عمليات عسكرية عدة، مثل دخول الجيش التركي إلى مدينة عفرين في ريف حلب أو رأس العين، وتنفيذ عمليات عسكرية في العمق العراقي ضمن إقليم كردستان وسط صمت دولي، إن الموضوع التركي يتعلق بموازين القوى الدولية وليس بميزان القوى الإقليمية أو المحلية في نهاية الأمر".