نشر باحثون من معهد المحيط للفيزياء النظرية في أونتاريو بكندا ورقة بحثية الشهر الماضي في عدد من مجلة "حوليات الفيزياء" يطرحون فيها تفسيراً جديداً لنظرية بداية الكون، وأن "الانفجار العظيم" ربما لم يكن هائلاً، بل أصغر وأكثر تناسقاً مما نعتقد. وأضاف الباحثون في ورقتهم المنشورة، "من بين أشياء أخرى، سنقوم بشرح تفصيلي لتبعات هذه الفرضية، وبالتحديد لتفسير أكثر دقة للمادة المظلمة الكونية".
ويعتقد العلماء أن هناك ما يمكن تسميته "مضاد الكون"، أي صورة طبق الأصل من هذا الذي نعيش فيه بكل ما عليه. وإذا صحت تلك النظرية فربما تقدم تفسيراً لوجود ما تسمى "المادة المظلمة". وهذا ما حاول الباحثون الكنديون شرحه في ورقتهم البحثية التي لا تنفي كثيراً من النظريات حول نشأة الكون، بل تقدم تفسيراً نظرياً جديداً لبعض تلك الافتراضات.
يستخدم علماء الكونيات مصطلح "الانفجار العظيم" كبداية نشأة الكون، لكنه مصطلح يشمل نظريات عدة يدرسها العلماء الذين يحاولون تتبع الزمن بشكل عكسي للوصول إلى لحظة البداية. ويتفق معظم العلماء على أن "المادة" انفجرت لخارجها، لكنهم يختلفون حول أمور أخرى. منها مثلاً ما إذا كانت درجات الحرارة وقت انفجار المادة عالية جداً، أو كانت باردة جداً عند الصفر في تلك اللحظة الأولى لبداية الكون.
ألغاز أكثر من تفسيرات
بالطبع هناك خلافات كثيرة حول ما كان عليه الوضع قبل لحظة الانفجار العظيم تلك. هل كان ما يطلق عليه الانفجار العظيم نقطة انحراف لقفزة مستمرة؟ مثلاً، حين تقفز على "الترامبولين" وتنزل حتى تكاد قدمك تلمس الأرض ثم ترتفع للأعلى. فما كان ممكناً للقفزة للأعلى أن تكون هكذا من دون القفزة للأسفل بالقدر ذاته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما المادة المظلمة، إذ إن لها وجود، فهي محيرة للعلماء أكثر من الانفجار العظيم لأنها جزء مهم يساعد في إكمال اللغز المبهم بشأن ما يتكون منه الكون الذي نعيش فيه الآن، وليس قبل مليارات السنين. فالمادة المظلمة تشكل الأساس، لكن أحداً لم يتمكن من رؤيتها. أما كيف توجد المادة المظلمة وما خصائصها؟ تلك واحدة من الألغاز الغامضة التي قد تفسر كماً هائلاً من الأفكار.
أحد التفسيرات المتاحة حالياً للمادة المظلمة، هو التفسير الحرفي، أي إنها "غير مضيئة"، لا يصدر عنها ولا تعكس فوتونات يمكننا من طريقها تحديدها. لكن يمكننا في الوقت نفسه قياس تأثيرها الفيزيائي (وليس المرئي) في أمور مثل موجات الجاذبية الأرضية.
ربما ما تطرحه النظرية الجديدة للباحثين الكنديين أن ما يسمى "مضاد الكون" يسير بشكل مواز للكون الذي نعيش فيه، لكن عكسه في الزمن. أي إنه يسير للوراء زمنياً منذ الانفجار العظيم وسير كوكبنا إلى الأمام زمنياً. وحسب هذا النموذج المطروح للانفجار العظيم فإنه يستبعد الحاجة لما يسميه العلماء "التضخم"، أي تلك الفترة التي استغرقها الكون ليتمدد بشكل هائل ليصبح في حجمه لدى بدايته. ومن الممكن أن تكون المادة تمددت بمرور الوقت بشكل أقل اندفاعاً.
وكي يصبح الكونان، ما قبل وما بعد، متطابقين تماما نحتاج لإضافة جزئية لفهمنا الحالي للكون الذي نعيش فيه. نعرف الآن أن هناك جسيمات متناهية الدقة تسمى "نيوترينو"، وهي التي تعمل في الجاذبية والتفاعلات الضعيفة جداً. فإذا كان الكون الحالي متطابقاً مع كون آخر منذ وقت الانفجار العظيم، فإن ما نسميه المادة المظلمة هو شكل من أشكال النيوترينو "أيمن" الحركة، وهو مصطلح يشير لاتجاه حركة النيوترينو. ويكون الكون الآخر من نيوترينو "أيسر".
ربما تبدو كل تلك التفسيرات من قبل الشطط، لكن تلك طبيعة علم الكونيات. فالعلماء في هذا المجال بحاجة دوماً إلى نظريات منشورة مثل تلك التي خلص إليها الباحثون الكنديون كي يستمروا في الدراسة وتحديد الخطوة النظرية التالية.