على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات بالاستعداد لشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، على خلفية التوتر الأمني بين المنطقتين بعد إطلاق قذائف صاروخية عدة من القطاع صوب البلدات الإسرائيلية القريبة منه، فإن القيادة السياسية حوّلت ضرباتها الجوية إلى ضربات أشد قساوة على جميع سكان القطاع، فقررت جملة من العقوبات التي من شأنها شل الحياة في غزة المحاصرة.
ومن بين العقوبات الجماعية التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية إغلاق المعابر (كرم أبو سالم التجاري، وإيرز للأفراد) الواصلة مع غزة، إضافة إلى وقف نقل البضائع من وإلى القطاع، وكذلك التضييق على الصيادين في عرض البحر.
التوتر الأمني دفع إلى عقاب جماعي
ويرى المراقبون السياسيون أن العقوبات المدنية التي اتخذتها إسرائيل، تصنف في القانون الدولي، بحسب نصوص اتفاقية جنيف الرابعة، بأنها "عقاب جماعي" ضد سكان غزة، وهي خطوة ممنوعة في الأعراف الدولية، لأن هدفها تشديد الخناق على المواطنين المرهقين بالأساس، ولجأت تل أبيب إلى هذه الخطوة بعد أن نجح الوسطاء في وقف الضربة العسكرية.
وتشهد المنطقة بين قطاع غزة وإسرائيل توتراً أمنياً على خلفية الأحداث الدائرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وعلى أثرها، أطلقت الفصائل المسلحة، ثلاث مرات، قذائف صاروخية (من دون تحمل أي فصيل المسؤولية) صوب البلدات الإسرائيلية القريبة من القطاع، ورد الجيش، مرتين، بشن هجوم عسكري على مواقع تدريب تابعة لحركة "حماس"، أما المرة الثالثة فاتخذ المستوى السياسي في تل أبيب قرار العقاب الجماعي.
إغلاق المعابر
يقول منسق عمليات الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان، إنهم حذروا الفصائل في غزة من استمرار سياسة تنقيط الصواريخ، لكن هذه التحذيرات لم تجد آذاناً صاغية، لذلك قرر المستوى السياسي في تل أبيب جملة من الإجراءات المدنية ضد قطاع غزة. وأضاف عليان، "على خلفية إطلاق قذائف صاروخية من غزة، صوب الأراضي الإسرائيلية، قررنا جملة إجراءات عقابية، أبرزها إغلاق معبر إيرز بشكل كامل، ومن دون مدة محددة، أمام العمال والتجار، بينما سيعمل الموظفون هناك على استقبال دخول الحالات الإنسانية فقط، وهذه هي نتائج محاولة المساس بأمن إسرائيل".
وبحسب عليان، فإن هذه الإجراءات هدفها تذكير "حماس" بالمعادلة القائمة، لذلك، إعادة فتح المعابر المهمة بالنسبة لسكان غزة ستكون بعد دراسة الحكومة الإسرائيلية الوضع الأمني وتقييم الحالة العسكرية، وبعدها ننظر إلى إجراء تسهيلات لسكان القطاع.
وقف التسهيلات وغضب الفصائل
وهذه المرة الأولى التي تتخذ فيها إسرائيل عقوبات من خلال التسهيلات الجديدة التي أقرتها أخيراً، وكانت الفصائل الفلسطينية قد توصلت مع إسرائيل، عبر الوسيط المصري، إلى جملة تسهيلات لسكان غزة، من أبرزها السماح لعمال القطاع العمل داخل أراضي إسرائيل، وبهذه العقوبات الجماعية، فإن تل أبيب تكون قد أوقفت التسهيلات الجديدة لسكان القطاع، إذ منعت العمال والتجار من الوصول إلى أراضيها، وكذلك، تكون قد اتخذت قرار تشديد الحصار على غزة، المفروض عليها منذ عام 2007، عقب تولي حركة "حماس" سدة الحكم في القطاع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مباشرةً، اعتبرت الفصائل الفلسطينية أن قرار إسرائيل معاقبة القطاع، هدفه تركيع الشعب، ويدل أيضاً على تخبط القيادة السياسية والأمنية في تل أبيب، وعدم قدرتها على التعامل مع ملف غزة. ويقول متحدث حركة "حماس"، مشير المصري، إن إغلاق معابر غزة يهدف إلى تشديد الحصار المفروض، وهي خطوة ضمن سياسة العقاب الجماعي الممنوعة بكل القوانين والأعراف الدولية. ويضيف المصري، "هذا الأمر لن ينجح، وسياسة العقاب الجماعي التي تهدف لتركيع سكان غزة، دائماً تثبت فشلها بحق الشعب الفلسطيني الذي لن يسمح لإسرائيل مساومته أو ابتزازه أو تجويعه، لذلك نحذر من مغبة الاستمرار في التضييق وفرض الخناق على غزة"، ولا ينفي المصري أن إجراءات إسرائيل التصعيدية تدفع الأمور نحو التدهور والتصعيد، والفصائل لن تصمت طويلاً على محاربة السكان في قوت يومهم من خلال سياسة إغلاق المعابر.
دمار اقتصادي
في أي حال، فإن فكرة إغلاق المعابر مع غزة، هدفها منع العمال والتجار من الوصول إلى الأراضي الإسرائيلية، وبهذه الخطوة تكون تل أبيب قد ضربت الاقتصاد الفلسطيني في مقتل. ويقول رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في قطاع غزة، سامي العمصي، إن عقوبات إسرائيل أوقفت 12 ألف عامل عن العمل، جراء منعهم من الدخول إلى أراضيها، أي إن أسرهم حُرمت من الدخل وتوفير الحاجات الأساسية، وهو ما يعتبر عقاباً جماعياً، وبحسب العمصي، فإن هذه العقوبات حرمت سوق قطاع غزة من دخل يومي قدره 1.5 مليون دولار أميركي، جراء تعطل العمال الذين يحملون تصاريح عمل في إسرائيل. وأشار إلى أن الإغلاق يعد خطيراً، وجاء في توقيت حساس جداً.
ضغط بنتائج للهدوء
ويوضح العمصي أن عقوبات إسرائيل هدفها تسييس واستغلال حاجة سكان غزة للعمل، بخاصة أنها تدرك أن نسبة البطالة تتعدى 55 في المئة، ونسبة الفقر تزيد على 80 في المئة، لذلك طلبنا من الوسطاء التدخل للضغط على إسرائيل لوقف سياستها الجديدة. ويلفت إلى أن الهدف من القرار تشكيل حالة من الضغط الشعبي على الفصائل، وهذا يكشف نوايا إسرائيل من أنها غير معنية بالتخفيف عن غزة، كما تروج للوسطاء وللعالم الدولي، وإنما تعمل على استغلال قضاياهم، لذلك يعد هذا العقاب خرقاً للتفاهمات التي نتج عنها وقف إطلاق النار عام 2021.
مخالف للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف
في الواقع، تعتقد إسرائيل أن هذه الخطوة ليست رمزية، وإنما سيكون لها تأثير إيجابي كبير على الوضع الأمني، بخاصة أن هذا النوع من العقوبات يتضرر منه جميع سكان غزة، الذين بدورهم يشكلون عامل ضغط على الفصائل المسلحة، وقد تدفع هذه الإجراءات لعودة الهدوء بين المنطقتين. ويقول صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (منظمة حقوقية دولية)، إن العقوبات تعد جريمة مكتملة الأركان كونها تأتي في سياق العقوبات الجماعية، وتخالف الحقوق المنصوص عليها في المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويوضح عبد العاطي أن إسرائيل تستخدم الابتزاز، وهو ما يمثل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على الأطراف المتصارعة استخدام العقاب الجماعي.