تشهد مصر مشروعاً متكاملاً لتطوير الأضرحة وإنشاء مسار للزيارة من خلال مقترح لتنفيذ رحلات يومية، تبدأ من مسجد السيدة نفيسة وتنطلق في شارع الأشراف الذي يطلق عليه البعض (بقيع مصر) أو (مجمع الأولياء)، لكثرة ما يضمه من أضرحة ومقامات لآل بيت النبي وأولياء الله الصالحين، مروراً بباقي الأضرحة الكبرى التي سيجري العمل ليس على تطويرها وحسب، إنما على تطوير المنطقة المحيطة بها كاملة ورفع كفاءتها بشكل يتماشى مع الطابع التاريخي والأثري للمكان.
ومع بداية انطلاق المشروع منذ عدة أشهر كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد وجه بضرورة الاهتمام بتطوير أضرحة ومقامات آل البيت، بخاصة السيدة نفيسة والسيدة زينب والحسين، بحسب تصريح للسفير بسام راضي متحدث رئاسة الجمهورية، إذ أشار إلى أن التطوير يشمل الصالات الداخلية بالمساجد وما بها من زخارف معمارية راقية وغنية، تماشياً مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات، وذلك جنباً إلى جنب مع تطوير كل الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية لتلك المواقع.
ليست أثراً
مع الجدل المثار أخيراً حول الشكل النهائي الذي ظهر به مسجد الحسين بعد انتهاء تطويره والانتقادات التي تعرض لها، حيث تغير شكل قبة المسجد ووضع سور ضخم أمام البوابة يفصله عن الساحة الواسعة أمامه، ليفقد عنصر البراح ويفصل المسجد عن المنطقة المحيطة، مما أثار جدلاً سواء بين المتخصصين أو حتى بين عموم الناس.
وتساءل البعض عن كيف يمكن أن يجري ترميم مبنى أثري بصورة لا تتوافق مع طابعه الأساس المتعارف عليه، ليكشف الأمر عن معلومة غير متوقعة لكثيرين، وهي أن مسجد الحسين والكثير من الأضرحة المشابهة في القاهرة هي بالأساس "ليست مسجلة كأثر ولا تتبع وزارة الآثار بالأساس، إنما تؤول إلى وزارة الأوقاف المنوط بها الإشراف على مثل هذه الأضرحة"، الأمر الذي خلق سجالاً عن معايير تسجيل المباني التاريخية كآثار، وكيف أن مثل هذه المساجد التي تعود إلى عصور قديمة وتمثل قيمة تاريخية ودينية ومعمارية ألا تكون مسجلة كآثار.
والقاهرة التاريخية مدرجة على قائمة التراث العالمي للـ "يونسكو" بما تحمله من قيمة تاريخية وأثرية كبيرة، ومسجد الحسين غير مسجل كأثر، إلا أن بعض أجزائه مثل المئذنة والباب الأخضر فقط هي المسجلة لدى وزارة الآثار.
وإلى جانب ذلك يضم المسجد قاعة الآثار النبوية التي تضم قطعة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكحلة ومرود وقطعة من عصاه ومصحفان كريمان بالخط الكوفي، أحدهما بخط سيدنا عثمان رضي الله عنه، والآخر بخط الإمام علي كرم الله وجهه، التي قد يثار تساؤل حول لماذا لا يجري نقلها إلى واحد من المتاحف المعنية بالتاريخ الإسلامي في مصر، وعلى رأسها متحف الفن الإسلامي ذاته الذي يعد من أهم المتاحف المتخصصة في مصر؟
مطالب بحوار مجتمعي
وفي هذا الشأن يقول المعماري المصري يحيي الزيني لـ "اندبندنت عربية" إن "ترميم المباني الأثرية يعتمد في المقام الأول على إعادة المبنى إلى أصله من دون إضافة عناصر مستحدثة، ومهارة المرمم هنا تعتمد على إعادة المبنى إلى سابق حالته بناء على الصور والمراجع من دون إبداع أي شيء جديد حتى ولو كان أفضل من وجهة نظر المرمم".
وأضاف الزيني، "مثل هذه المباني تعتبر شاهداً تاريخياً على فترة زمنية معينة، ومن هنا يجب الحفاظ عليها كما هي سواء من ناحية مواد البناء أو الزخارف المستخدمة. ترميم مسجد الحسين به مشكلات ظاهرة للعيان وأبرزها فتحات التكييف الواضحة وإغلاق الفتحات الموجودة في قبة المسجد أو ما تعرف بالقمريات، إضافة إلى دهان المئذنة والقبة بصورة متنافرة مع باقي المبني، وتغيير شكل الساحة بإضافة سور، وهذا شيء غير مألوف في طابع القاهرة المعماري حيث المساجد يكون أمامها ساحة أو فراغ يرتبط بشكل غير مباشر بالمسجد، لكنه جزء من السياق العام وفكرة السور مستحدثة على السياق العام للمكان، ويمكن أن نقول إنها مخالفة لميثاق البندقية للترميم والحفاظ الأثري الذي وقعت عليه مصر".
وعن مسار زيارة أضرحة آل البيت المقترح ضمن المشروع المتكامل لتطوير الأضرحة يقول الزيني، "يجب أن يكون هناك حوار مجتمعي بشأن هذا الأمر مع توضيح تفاصيل المشروع وكيف سيتم تنفيذه في مثل هذه المناطق ذات الطابع الخاص مع مراعاة الحفاظ على النسيج العمراني للمناطق الخاصة بمسار آل البيت من حيث علاقة المباني ببعضها والفراغات العامة والطابع العام للمكان، وفي حال ترميم الأضرحة أو أي مباني أثرية يجري ذلك بالحفاظ على عناصرها الجمالية وقيمتها التاريخية دون أي تغيير".
نقابة المهندسين تدخل على الخط
وفي السياق ذاته كان نقيب المهندسين طارق النبراوي قد كلف الشعبة المعمارية بالنقابة العامة للمهندسين منذ أيام بمراجعة أعمال الترميم التي جرت في مسجد الحسين خلال الفترة الماضية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد أنه سيجري تشكيل لجنة من الشعبة المعمارية تضم نخبة من الخبراء في عدد من التخصصات الهندسية وذلك بعدما أبدى الرأي العام الهندسي بعض الملاحظات بخصوص أعمال الترميم الجارية في المسجد.
وأضاف النبراوي أن اللجنة ستكون مهمتها درس الواقعة بأسلوب ومنهج علمي للوقوف على الجوانب الفنية للأعمال الترميمية، تمهيداً لإصدار تقرير شامل وتقديمه للجهات المعنية للعمل على الاستفادة من نتائجه في باقي الأضرحة التي سيجري العمل على تطويرها.
من يتولى الترميم؟
مع بداية مشروع تطوير ضريح الحسين تردد اسم مؤسسة مساجد باعتبارها جزءاً من مشروع التطوير، إضافة إلى قيامها بالإشراف على الأضرحة من خلال أفراد ينتمون إليها، وكان نيازي سلام رئيس مجلس أمناء مؤسسة مساجد قد صرح في مؤتمر صحافي بالتواكب مع بداية عمليات التطوير في مسجد الحسين أن المشروع يهدف إلى تطوير ورفع كفاءة مساجد آل البيت في مصر، وأنه مرتبط بتطوير القاهرة الفاطمية.
وأوضح نيازي أن عمليات التطوير ستشمل أرضيات وحوائط وأسقف المسجد وكذلك معالجه الأساسات والتربة المحيطة بالمسجد، إضافة إلى تحديث كل الأنظمة من الكهرباء والمياه والصرف والتكيف وأنظمة المراقبة بالكاميرات وأنظمة الإنذار ومكافحة الحريق وتزويد المسجد داخلياً وخارجياً بأحدث أنظمه الصوت.
وأضرحة آل بيت النبي هي جزء رئيس من شخصية القاهرة التاريخية وطابعها المميز، يقول صلاح سليمان الباحث في التراث الشعبي لـ "اندبندنت عربية"، "الأضرحة سواء الخاصة بأولياء الله الصالحين أو بآل بيت النبي هي جزء أصيل من الثقافة الشعبية للمصريين، الذين يعتبروها أعتاباً طاهرة تمثل زيارتها وسيلة للمدد والصفاء النفسي والاستمتاع بالجو الروحاني، فهذه المساجد هي شكل من أشكال التكريم والاحتفاء بآل بيت النبي في مصر، وكل الأضرحة في القاهرة تقع في المناطق الشعبية ومنطقة القاهرة التاريخية، وتعتبر المعلم الرئيس في المكان الذي يذهب إليه الناس للنزهة والزيارة".
ويضيف، "وتعتبر الموالد الخاصة بأصحاب الأضرحة واحدة من المفردات الشعبية المصرية، ويحرص عليها المسلمون والمسيحيون على السواء وموالد أصحاب الأضرحة الكبرى في القاهرة، مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب وحتى موالد أولياء الله الصالحين الموجودة خارج القاهرة تعتبر احتفالية كبرى، وتشبه العيد القومي للمحافظة أو للحي الذي يقع ضمنه الضريح ينتظرها الناس عاما بعد آخر".
وبني مسجد الحسين في عهد الفاطميين عام 549 للهجرة، وتم تطويره في العهد الأيوبي ليتم توسعته لتلحق به مدرسة فقهية لتدريس المذاهب الأربعة، ليشهد المسجد الذي يعد درة مساجد القاهرة التي تعود إلى آل بيت النبي عمليات مختلفة للتطوير والترميم على مدى السنوات حتى يومنا هذا.