أنا أتساءل، هل سنحت لكم فرصة متابعة الزعيمة الاسكتلندية نيكولا ستورجن وهي تلقي كلمة في جلسة خاصة للبرلمان المحلي الاسكتلندي هذا الأسبوع عبر تطبيق الفيديو "زوم"؟ إذا كنتم لا تقيمون في اسكتلندا، أو ليست لديكم خطط لزيارتها، فإنه ليس لديكم سبب يدفعكم لمشاهدتها. ولكن لو شاهدتم الكلمة، لربما شعرتم، كما شعرت أنا، أن خطاً ما قد تم تجاوزه.
حسناً، أي اجتماع يجري عن بعد (عبر تطبيقات الفيديو)، بما في ذلك النقاشات البرلمانية، لا يبدو أنها تصب في كثير من الأحيان في صالح المشاركين فيها، ربما بسبب ضعف جودة الصوت أو حتى الصورة. حتى مع أخذنا في الاعتبار تلك المحددات المعهودة، فإن التغيير في أداء الوزيرة الأولى الاسكتلندية كان بارزاً بقوة.
فخلال سنة الجائحة الأولى، كانت نيكولا ستورجن تبدو مرتاحة وهادئة ويظهر بوضوح حضور شخصيتها القوية. لقد نزلت إلى ميدان المعركة، بشكل يليق بزعيم، كانت تقود من الأمام جهود مكافحة "كوفيد" في اسكتلندا، تفصل بشكل واضح ومثير للإعجاب القواعد التي على الاسكتلنديين الذين يتحلون بالمسؤولية اتباعها. ولم تحتج لكثير لتقتنع (ربما القليل من الجهد) بضرورة طرد كبيرة المسؤولين الطبيين في اسكتلندا لكسرها قواعد مكافحة الجائحة مقارنة برئيس الوزراء بوريس جونسون الذي لم يطرد مستشاره دومينيك كامينغز بسبب التهمة نفسها.
ملف الصحة، وهو من الملفات التي تقع ضمن مسؤوليات الأقاليم البريطانية ومنح حكومات كلاً من اسكتلندا وويلز وإيرلندا الشمالية فرصة ليبرهنوا عن قدراتها. وبرهنت ستورجن أنها كانت على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقها وأكثر، حتى إن البعض في إنجلترا نظر إليها بشيء من الحسد. ورغم أن المسألة مجرد تفصيل، لكن توفير مترجم إلى لغة الإشارة في مؤتمراتها الصحافية كان خطوة مستنيرة وعصرية- وخطوة اضطر في النهاية مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت في لندن إلى تقليدها [الاحتذاء عليها]. في المحصلة، أثبتت ستورجن أنها المسؤولة المناسبة في الوقت المناسب [القادرة على مواجهة التحديات الراهنة]، كما بدت اسكتلندا متقدمة على غيرها [سباقة] في المنافسة السياسية.
تطلب الأمر وقتاً أطول لرئيس الوزراء في ويلز مارك دريكفورد للبروز على خريطة المحاربين ضد "كوفيد" في المملكة المتحدة. لكن، مع مرور الأشهر [الوقت]، جعل نهجه القيادي الودود منه رابحاً هو الآخر أيضاً. وكان للفرصة التي وفرتها جهود مكافحة الجائحة، وكون ملف الصحة منذ زمن من مسؤولية الأقاليم أثر في تحسين مصداقية الوزيرين الأولين (المنتخبين محلياً).
فجأة، ظهرت كل من اسكتلندا وبنسبة أقل إمارة ويلز، بمظهر دولتين مستقلتين بكل جدارة. وبدت إمكانية تفكك المملكة المتحدة [انفراط عقدها] – مدعومة بطالب ستورجن بإجراء استفتاء آخر على الاستقلال في مرحلة ما بعد "بريكست"- وكأنها قد قطعت شوطاً كبيراً واقتربت من ذلك الهدف.
مرة جديدة، إنه مجرد انطباع لا أكثر، لكن بدا لي بينما كنت أتابع كلمة ستورجن التي ألقتها افتراضياً أمام نواب البرلمان الاسكتلندي، أن قوة الزخم لمطلب الاستقلال قد خفّت. وبهتت إلى حد كبير هالة الزعامة التي تميزت بها رئيسة الوزراء في الأشهر الأولى للجائحة مقارنةً مع اليوم. وفي المجال السياسي وليس القيادي بدت ستورجن بمظهر التابع [لمركز القرار في لندن]. فالتغييرات القليلة في قواعد كورونا التي أعلنت عن تطبيقها قلدت التغييرات التي كانت إنجلترا قد أعلنت عنها في وقت سابق. لكن معظم القيود الأخرى في اسكتلندا لم تتغير. وتحت وطأة المساءلة، اضطرت [ستورجن] لاتخاذ موقف دفاعي.
الآن، لا بد من القول إن ستورجن تبقى سياسية من الطراز الأول المثير للإعجاب، لكن تأثيرها اليوم لم يعد كما كان عليه سابقاً- وهذا وبجزء يسير منه نتيجة الجائحة. في ظل قيادتها فشل الحزب القومي الاسكتلندي SNP- بهامش ضئيل ولكنه فشل- في الفوز بالأغلبية التي كان يأمل في تحقيقها خلال انتخابات برلمان اسكتلندا المحلي. صورتها تلطخت وسلطتها تعرضت للتقويض بسبب قضية أليكس سالموند [الزعيم السابق للحزب]- وبشكل أكبر مما بدا عليه الأمر من مناطق جنوب الحدود الاسكتلندية [أي في إنجلترا]- ولا يتعلق ذلك فقط بتبرئته من تهم التحرش الجنسي، بل بسبب فقدانها حياديتها في التحقيق الذي تلى ذلك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو لي أيضاً أنه، وفي مرحلة ما من العام الماضي، ولدى شعورها بالخطر بدأت حكومة ويستمنستر [مقر الحكومة البريطانية] في التدقيق في سجل ستورجن خلال توليها المسؤولية والعمل على إشهار فشلها علانية بنفس قدر نجاحاتها. في ملف "كوفيد"، كان لا بد من الكشف عن أن سجل اسكتلندا في هذا المجال لم يكن أفضل حالاً من سجل إنجلترا بل حتى أسوأ لجهة عدد الضحايا من كبار السن الذين توفوا في بيوت الرعاية الاجتماعية الخاصة بهم. وتم تسليط الضوء على المستوى المرتفع للوفيات في اسكتلندا نتيجة تعاطي المخدرات - وهو أحد أعلى المستويات في أوروبا- كما سلط الضوء على عدم الحماسة الاسكتلندية لجهة استعداد البلاد لاستقبال اللاجئين وطالبي اللجوء السياسي.
في المحصلة، كان صعباً خلال الأشهر الأخيرة أن تقدم اسكتلندا نفسها على أنها قصة نجاح في تعاطيها مع ملف "كوفيد" وملفات أخرى مقارنة بإنجلترا. بوريس جونسون ووزير خزانته ريشي سوناك أصبحا أكثر حذراً من السابق في تسليطهما الضوء على مصدر أموال التعويضات التي دفعت للموظفين خلال الجائحة- وما هو مصدر اللقاحات [التي وصلت إلى اسكتلندا]. ولا بد أن الجميع لاحظ أنه بخصوص توفر اللقاحات، لم يصدر أي شكوى عن أي من حكومات الأقاليم البريطانية أن مواطنيهم لم يحصلوا على حصتهم العادلة منها.
لكن هجوم ويستمنستر لو أمكن اعتباره هجوماً، فإنه لم يتوقف عند هذا الحد. ففيما بدأ خطر "كوفيد" في التراجع ربما، قد يصبح موسم أعياد الميلاد في 2021 في نظر كثيرين بمثابة "ضربة معلم" تحتسب لصالح بوريس جونسون. إذ تمكنت إنجلترا- ولو نظرياً على الأقل- أن تحتفل كما تشاء، وأن تعمل على تكديس المشروبات في الحانات كي يستهلك منها ما يشاء من الأصدقاء والعائلات، وفي حضور الجماهير لمباريات كرة القدم، وزيارة المطاعم وحتى الذهاب إلى الملاهي الليلية للسهر والتي بالتأكيد تسببت ببعض الامتعاض بين من هم من رواد السهرات غير القادرين على القيام برحلة سريعة إلى أحد ملاهي ليفربول أم كارلايل.
ولنكن واضحين هنا، كان لوقع الإعلان عن اعتماد "الخطة ب" [إعادة فرض الإجراءات التقييدية] في إنجلترا أثر فوري مدمر، فيما كانت حياة المدينية قد بدأت تنتعش للتو. وسط لندن مثلاً، توقفت الحركة بين ليلة وضحاها (على خلفية الإعلان). الاحتفالات بفترة الأعياد والتنزيلات الموسمية على السلع في المتاجر تلقت ضربة قاضية فيما اتخذ الناس إجراءات وقائية من تلقاء أنفسهم وقاموا بالابتعاد (عن الأماكن المزدحمة). لكن ذلك لا يغير الحقيقة: فإنجلترا كانت مشرعة الأبواب بشكل واضح، فيما كانت اسكتلندا وويلز مغلقتين. والأكثر من ذلك أن المؤشرات الأولية لأرقام ونسب انتشار "كوفيد" بقيت متشابهة في مختلف أرجاء المملكة المتحدة.
وكما اضطرت ستورجن للاعتراف، لم تكن هناك فائدة من وراء سبات اسكتلندا وويلز الشتوي- لكن إلى أي درجة كان ذلك خياراً شخصياً بتفضيل البقاء في المنزل ومدى عدم فعالية الإغلاق الجزئي ستبقى مدار جدل إلى الأبد.
قد يجادل البعض أن القرار بعدم إغلاق إنجلترا لم يكن نتيجة قرار حر اتخذه بوريس جونسون من قرارة نفسه، بل إنه كان انعكاساً لواقع مفترض، تلا ثورة نواب حزب المحافظين في البرلمان ضد تطبيق الحكومة لــ"الخطة ب"، ونتيجة ذلك يبدو جونسون من اليوم فصاعداً تحت رحمة الجناح اليميني الليبرتاري [التحرري] في حزبه. أما الحديث عما إذا كان موقع جونسون كرئيس للوزراء ضعيفاً إلى الحد الذي يدعيه البعض- خصوصاً من بين أعدائه الحالمين بتحقق أمنياتهم في الدوائر السياسية في ويستمنستر والأوساط الإعلامية فيها- فهو أمر آخر.
الخطر الأعظم الذي يهدد موقعه بنسبة كبيرة هو التحقيق بمصدر الأموال التي صرفها جونسون لتجديد شقته في داونينغ ستريت. وهذا الأمر حسم مع نسبة ضرر أقل لجونسون مما كان يتوقع. أما التحقيقات بقضية إجراء حفلات في مقر الحكومة (فيما كانت البلاد تحترم فرض الإغلاق الشامل) فقد تلحق به ضرراً انتخابياً (رغم أن هذا الضرر سيزول مع الوقت)، وهو تقزم كأمر حاسم في ظل الانتشار الواسع للحفلات التي جرت على ما يبدو في دوائر حكومية عدة في تلك الفترة وبالكاد يستحق الأمر السير بتحدي زعامته داخل الحزب بسبب ذلك. ثم إن الاحتمال بحصول تحد من هذا النوع انخفض بسبب غياب أي منافس موثوق، وأيضاً لأن كثيرين لا يرغبون بتبوء هذا المنصب، خصوصاً مع استمرار أزمة "كوفيد" والضغوطات المتوقعة جراء غلاء مستوى المعيشة في بريطانيا.
باختصار، فإن التقارير التي تحدثت عن قرب انتهاء حياة جونسون السياسية قد تم تضخيمها بشكل كبير، وأميل إلى الاعتقاد أن القرار بترك إنجلترا من دون إجراءات إغلاق جديدة (خلال فترة أعياد نهاية العام) ربما كان قراره وحده- وهو قرار يعكس حدسه الخاص المعارض لأي إغلاق وأسعفه في ذلك تقرير اللجنة البرلمانية الذي صدر العام الماضي حول تعاطي النواب مع الجائحة وإذعانهم لآراء "العلماء" من دون تحديهم.
إذا استمرت أرقام الإحصاءات في دعمها لنهج جونسون وقراراته الأخيرة- وفترة الأعياد تعني أنه علينا أن ننتظر لفترة أطول قبل وضوح الصورة- وحينها سيكون حكم جونسون مبرراً. الاسكتلنديون والويلزيون من جهتهم سيبدأون بالتساؤل، ليس فقط، لماذا كان عليهم أن يمضوا احتفالات رأس السنة بشكل خال من الفرح، ولكن قد يطرحون أسئلة أخرى عن أين أخطأت زعامتهم المحلية أيضاً؟
ليس مستغرباً أن مارك درايكفورد التزم الصمت في أول أيام 2022. وليس مستغرباً أيضاً أن نيكولا ستورجن ظهرت بمظهر أقل قوة من المعتاد لدى توجيهها كلمة لنواب البرلمان الأسكتلندي. فيبدو أن السعي لاستقلال اسكتلندا قد بدأ بالانحسار، وهي تعلم ذلك. حدس بوريس جونسون الغريزي لطالما اعتمد على المقامرة، ليحيا ويترك [يدع] الآخرين وشأنهم، وأن لا يفسد فرحه وفرحة الآخرين. حسه الغريزي ذاك ربما لم ينجح في إنقاذ فترة أعياد إنجلترا فحسب، بل ربما أسهم في إنقاذ اتحاد المملكة المتحدة [والحؤول دون تفككه].
© The Independent