أنهى صحافي مصري يدعى عماد الفقي، يعمل بمؤسسة "الأهرام" الحكومية، حياته شنقاً داخل المؤسسة، في الساعات الأولى من صباح أمس الخميس.
وبحسب مصادر قريبة من الصحافي، فإن الأخير أقدم على إنهاء حياته في الساعة الرابعة من فجر أمس، حيث ربط حبلاً بين مكتبين في الدور الرابع بالمؤسسة، ولف رقبته به ثم قفز من الشباك، ما أدى إلى انفصال رقبته عن جسده، نتيجة وزنه أو ربما ارتطامه بأحد الحواجز.
وفيما بدأت النيابة العامة في مصر تحقيقاتها، رجحت مصادر أن يكون الصحافي أقدم على الانتحار بسبب مروره بضائقة مالية، مشيرة إلى أنه في الخمسينيات من عمره ومنفصل عن زوجته منذ فترة، ولديه ابن في إحدى الجامعات الخاصة، ولم يكن يعاني أي اضطراب ذهني أو نفسي.
وفي حدود الساعة الرابعة وخمسين دقيقة من فجر أمس، عثر عامل بكنيسة مجاورة للمبنى على رأس الصحافي ملقى في الحاجز الفاصل بين مبنيي المؤسسة الصحافية بالقرب من مبنى الكنيسة.
تراشق وتبادل اتهامات
وعلق محمود كامل، عضو مجلس نقابة الصحافيين على الواقعة، إذ قال في تصريحات، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، "في آخر 4 سنوات تعرّض الفقي لاضطهاد واضح وصريح وممنهج، وصل لخصم كل الحوافز والأرباح على مدار هذه السنوات، ومنعه من ممارسة عمله الصحافي بشكل غير رسمي ومن دون سبب، ومن دون تعليمات عشان محدش يقول تعليمات، إضافة إلى تجاوزه عدة مرات في ترقيته لرئاسة قسمه".
من جانبه ورداً على ذلك، أعلن الكاتب الصحافي علاء ثابت، رئيس تحرير الأهرام، أنه سيتقدم ببلاغ للنائب العام ولنقابة الصحافيين والهيئة الوطنية للصحافة ضد كامل، متهماً إياه بترويج الأكاذيب حول واقعة وفاة الفقي، وقال ثابت، "يؤسفني أن أشارك مضطراً وآسفاً ومتألماً في جدل عقيم ليس هذا وقته ولا مجاله لتصحيح معلومات كاذبة هي استغلال كريه لمشاعر التعاطف مع الزميل الراحل".
وأضاف ثابت، على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، "أؤكد جازماً قاطعاً أن كل ما نشره الزميل محمود كامل هو محض كذب وافتراء من وحي خيال مريض يسعى إلى تحقيق أغراض غامضة غير مفهومة عبر الإتجار بمأساة الراحل"، مؤكداً أنه "لم يحدث إطلاقاً أن تم خصم أي من الحوافز أو الأرباح للزميل المتوفى منذ عام 2017 حتى الآن". مشيراً إلى أن الفقي "ليس له أي شكاوى في سجلات الأهرام أو النقابة أو مجالس الإعلام".
من جانبها دعت نقابة الصحافيين المصريين الجميع إلى احترام حرمة الموت، وحق الراحل وأسرته، في تجنّب طرح تأويلات للحادثة، وأسبابها دون تحقق وثبوت بالأدلة، وانتظار نتيجة تحقيقات النيابة العامة التي تباشر مهامها، صاحبة الحق دون غيرها في توصيف الواقعة، وكشف ملابساتها وأسبابها. مؤكدة متابعتها من كثب مع مؤسسة الأهرام عما ستنتهي إليه نتائج التحقيقات.
حالات أخرى
وخلال الشهور الماضية، شهدت مصر أكثر من حالة انتحار أثارت الجدل. وكان آخرها انتحار فتاة في كفر الزيات تبلغ من العمر 17 سنة، بعد تعرضها للابتزاز الإلكتروني من أحد الشباب، وتهديده لها بنشر "صور مفبركة"، على مواقع التواصل، وبعد رفضها تداول الشاب هذه الصور، محاولاً الضغط عليها، وتهديدها، بحسب ما جاء في تحقيقات النيابة العامة.
وقبلها بنحو أسابيع قليلة، هزّت حالة أخرى الأوساط المصرية، بعد أن انتحر أحد الموظفين في إحدى الشركات الخاصة في مقر الشركة بالتجمع الخامس (شرق القاهرة)، وانتشر حينها أنه واجه تعنتاً من مديره المباشر، ما أثر عليه نفسياً، وقاده للانتحار.
وقبلها، وثّق طالب بكلية الطب، في مقطع مصور، التخلص من حياته، إذ أقدم على إلقاء نفسه من الطابق الرابع، من أعلى مبنى كلية الطب داخل إحدى الجامعات الخاصة بمدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة).
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي؛ تقدم أحد النواب المصريين؛ أحمد مهنى، بمشروع قانون لتجريم الانتحار لقى قبولاً في الأوساط البرلمانية، إذ اقترح فيه عقوبة غير الحبس "كون من أقدم على الانتحار ليس مجرماً بطبعه، إنما أقبل عليه نتاج خلل نفسي أو مجتمعي، يستلزم العلاج، وليس الحبس، أو السجن"، مقترحاً في ذلك إضافة مادة إلى قانون العقوبات يكون مغزاها "أن كل من شرع في الانتحار بأن أتى فعلاً من الأفعال التي قد تؤدي إلى وفاته، يعاقب بالإيداع في إحدى المصحات التي تُنشأ لهذا الغرض بقرار من وزير العدل، بالاتفاق مع وزراء الصحة والداخلية والتضامن الاجتماعي، وذلك ليعالج فيها طبياً ونفسياً واجتماعياً".
وبحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية، تحتل مصر المرتبة الأولى عربياً في معدلات الانتحار، متفوقةً في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروباً أهلية، ويليها في الترتيب السودان، ثم اليمن، فالجزائر، مشيرة إلى أنه في عام 2019 وحده انتحر في مصر 3022 شخصاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يأتي ذلك في وقت تصر المؤسسات الحكومية المصرية على التشكيك في هذه الأرقام، وتصفها بـ"التقديرات غير الدقيقة"، لكنها لا تنفي الظاهرة. وفي عام 2020، أشار مركز البحوث الاجتماعية والجنائية في تقريره السنوي إلى أن معدل الانتحار لا يتجاوز 1.29 شخص لكل 100 ألف نسمة خلال عام 2018.
وتقول منظمة الصحة العالمية، إن الانتحار يُعد رابع سبب للوفاة بين اليافعين من الفئة العمرية بين 15 - 19 سنة، وإن ضحاياه يقدرون بنحو 700 ألف شخص حول العالم كل عام، وشخص واحد يفقد حياته بسببه كل 40 ثانية.
ودائماً ما تقول السلطات المصرية إنها تعمل على تقديم الدعم للمرضى النفسيين لمساعدة من لديهم مشكلات نفسية أو رغبة في الانتحار، كذلك تعتبر دار الإفتاء المصرية، أن الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع، والمنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم، وكذلك عدم إيجاد مبررات وخلق حالة من التعاطف مع هذا الأمر، إنما التعامل معه على أنه مرض نفسي يمكن علاجه من خلال المتخصصين.