تترقب أسواق النفط العالمية، نتائج اجتماع تحالف "أوبك+"، المقرر عقده الخميس المقبل، وسط مخاوف بسبب احتمالية قيام أوروبا بفرض حظر على واردات النفط الروسية بالإضافة إلى تأثير قيود الإغلاق في الصين، أكبر مستورد للخام في العالم، التي تلقي بظلالها على الطلب، مع استمرار تذبذب أسعار الخام فوق حاجز الـ100 دولار للبرميل.وتحدث محللون ومختصون في شؤون الطاقة إلى أن تأثير الحرب في أوكرانيا على تدفقات النفط الروسي سيتسع، وأن الأزمة في تصاعد ولا أبعاد لها، وقد نشهد تحولات "جذرية" في سوق النفط، إن لم نقل، إن الأزمة الحالية لن تكون عابرة، وهناك سحب سوداء قادمة في أتون الحروب، معتبرين أن المنتجين في "أوبك" سيواجهون "فجوة" كبيرة لغياب النفط الروسي، إن لم يضعوا خططاً لذلك. وقالوا إن رحيل شركات النفط الكبرى من روسيا هي سابقة تاريخية، حيث جاء هذا التحول في ظل حاجة الدول المستهلكة إلى كميات إضافية في ظل الأزمات.ولفتوا إلى أن تعويض خسارة السوق لأكثر من ثلاثة ملايين برميل في اليوم من إجمالي إنتاج روسيا البالغ 11 مليون برميل في اليوم، سيؤدي إلى "سيناريو مواجهة"، وبالتالي فإن لدينا بداية لأزمات مقبلة.
التزام بخطة الإنتاج
في الوقت ذاته توقع المختصون في حديثهم لـ"اندبندنت عربية"، أن يلتزم تحالف "أوبك+" بخطته وأن يصادق على إقرار زيادة متواضعة أخرى في الإنتاج، خلال الاجتماع المرتقب، مضيفين أن التحالف -الذي يضم 23 دولة بقيادة السعودية وروسيا- سيصادق على الأرجح على زيادة قدرها 432 ألف برميل يومياً لشهر يونيو (حزيران) 2022. ومن المقرر عقد الاجتماع الوزاري الجديد الـ28 للتحالف، الذي يضم الأعضاء الـ13 في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" والدول العشر المتحالفة معها، افتراضياً عبر تقنية "الفيديو كونفرانس" في الخامس من مايو (أيار) الحالي، لمناقشة السياسة الإنتاجية في الشهر المقبل.وسيسبق الاجتماع الوزاري في يوم الأربعاء الموافق الرابع من مايو الحالي اجتماع اللجنة الفنية المشتركة المنبثقة من التحالف، التي تحلل الأسواق العالمية نيابة عن الوزراء. وفي اجتماعه السابق المنعقد في 31 مارس (آذار) الماضي اتفق التحالف -الذي ينتج أكثر من 40 في المئة من المعروض العالمي- على الإبقاء على سياسة الإنتاج الحالية في شهر مايو الحالي بنحو 432 ألف برميل يومياً، وذلك في قرار جاء متماشياً مع التوقعات. والتزم التحالف بجدوله الزمني للزيادات الشهرية التدريجية في الإمدادات منذ إبرام الاتفاقية في يوليو (تموز) 2021.
مكاسب شهرية
وحقق كلا الخامين برنت والأميركي ارتفاعاً بنحو 4.4 و6.3 في المئة خلال أبريل (نيسان) الماضي ليواصلا تسجيل مكاسبهما الشهرية الخامسة على التوالي، وهي أطول سلسلة مكاسب شهرية منذ شهر يناير (كانون الثاني) 2018. وفي الأسبوع الماضي ارتفع الخامان القياسيان 2.5 و2.6 في المئة على التوالي، مع زيادة احتمالية انضمام ألمانيا إلى دول أخرى أعضاء في الاتحاد الأوروبي في حظر على النفط الروسي. وأسفر الهجوم الروسي لأوكرانيا عن زيادة معدلات التضخم، واضطرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الشهر الماضي إلى الاتفاق على الإفراج بطريقة منسقة عن احتياطيات الخام الاستراتيجية للحد من ارتفاع أسعار الطاقة. ما زال النفط الخام يتحرك في خط صعودي عكسي، في ظل أسعار عقود قريبة الأجل أعلى من أسعار العقود الأطول أجلاً، على الرغم من تقلص الفروق منذ أوائل شهر مارس الماضي. وكان الفارق الفوري لسعر خام برنت -أي الفجوة بين أقرب عقدين- 1.60 دولار للبرميل، متراجعاً من 3.88 دولار في 8 مارس الماضي. ومع ذلك، ظلت أسعار النفط متقلبة، إذ لم تظهر الصين أي علامة على تخفيف إجراءات الإغلاق على الرغم من التأثير في اقتصادها وسلاسل التوريد العالمية.
الالتزام بالحيادية
من جهته، توقع المتخصص في الشؤون النفطية كامل الحرمي أن تتمسك "أوبك" وحلفاؤها على الأرجح باتفاقهم الحالي بإضافة 432 ألف برميل يومياً من النفط إلى السوق لشهر يونيو، مع الالتزام بالحيادية مع وجود روسيا الشريك الاستراتيجي. وأضاف الحرمي أن أساسيات أسواق النفط أصبحت تحت تأثير وضع إنتاج النفط الروسي، مؤكداً أن تحالف "أوبك+" حمل على عاتقه دعم الأسعار والحفاظ على توازن العرض والطلب، لذلك لن يتأثر بدعوات الاقتصادات الكبرى لزيادة الإنتاج، بعيداً من سياساتها التدريجية في حماية التوازن المستهدف، مشيراً إلى أن التهديد بالمطالبة بإغلاق جديد في الصين بهدف مكافحة وباء كورونا هو سبب آخر يدعو أعضاء التحالف إلى البقاء على حذرهم. وتوقع الحرمي استمرار أسعار النفط عند المعدلات الحالية بين 110 و115 دولاراً للبرميل.
وبينما تسبب أسعار النفط الخام العالمية عدم ارتياح للمستهلكين فوق مستوى 100 دولار للبرميل، تراجعت السوق بشكل كبير عن المستويات المرتفعة التي حققتها بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مما أعطى منظمة "أوبك" وحلفاءها بعض المجال للمناورة. وبحسب وكالة "بلومبيرغ"، فإن التحالف سيعمل على استعادة الإنتاج الذي توقف أثناء الجائحة عبر شرائح متواضعة. وعلى أي حال، كافحت "أوبك+" لعدة أشهر لتنفيذ الزيادة الاسمية الكاملة حيث يرى العديد من الأعضاء -وبخاصة أنغولا ونيجيريا- أن قدرتهم الإنتاجية تتآكل بسبب انخفاض الاستثمار والاضطرابات التشغيلية. وفي مارس تمكن التحالف من تحقيق زيادة قدرها عشرة في المئة فقط، بحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
مخزونات طارئة
وفي حال تمكنت أية دولة من دول "أوبك+" من سد الفجوة، فستكون عملاقتي الشرق الأوسط السعودية والإمارات، ولكن على الرغم من التملق من الولايات المتحدة، التي حررت، إلى جانب مستهلكين آخرين، مخزونات طارئة من النفط، ظلت الرياض وأبو ظبي غير متأثرتين، وفقاً لما ذكرته وكالة "بلومبيرغ". يشار إلى أن إعادة فرض عمليات الإغلاق في الصين، حيث انخفض الاستهلاك بأكبر قدر منذ الأيام الأولى للجائحة، أعطت المنتجين سبباً آخر للبقاء محافظين، ومن المحتمل توجيه ضربة لمناقشات "أوبك" في حال مضى الاتحاد الأوروبي في مقترحات لتنفيذ حظر على النفط الروسي. وما زالت "أوبك"، ترفض دعوات من واشنطن لزيادة إنتاج النفط بأكثر من التحركات التدريجية التي اتفقت عليها في إطار تحالف "أوبك+". في المقابل، يضغط كبار المستهلكين بقيادة الولايات المتحدة على المجموعة لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع، بخاصة أن العقوبات الغربية أضرت بالإنتاج الروسي. وتظهر البيانات أن إنتاج التحالف يقل بمقدار 1.45 مليون برميل يومياً عن المستهدف في مارس مع بدء الإنتاج الروسي في التراجع. وأظهرت وثيقة من وزارة الاقتصاد الروسية اطلعت عليها "رويترز" أن روسيا قد تشهد تراجعاً في إنتاج النفط يصل إلى 17 في المئة في 2022 مع مواجهتها صعوبات بسبب العقوبات الغربية، وسيكون نطاق التراجع هو الأكبر منذ التسعينيات عندما عانى قطاع النفط من قلة الاستثمارات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز "كوروم للدراسات الاستراتيجية" في لندن طارق الرفاعي إن هناك سيناريو واحداً أمام وزراء تحالف "أوبك+" وهو الاستمرار في السياسة الإنتاجية الحالية فالتحالف لن يغير سياسته بشكل مفاجئ.وأضاف الرفاعي أنه ما زالت هناك بعض التحديات التي تواجه أسواق النفط حالياً من بينها استمرار تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية إلى جانب التباطؤ الاقتصادي في الولايات المتحدة، ما يشير إلى أن احتمالات ركود أكبر اقتصاد في العالم تتزايد، هذا إلى جانب أن الاقتصاد الصيني يقع حالياً تحت ضغوط جديدة بسبب انتشار فيروس كورونا مجدداً في البلاد، الأمر الذي يعني انخفاض الطلب على النفط. وأكد الرفاعي أنه لن يكون له أي تأثير ملحوظ على أسعار النفط، لأنها حالياً تقع تحت تأثير العوامل الجيوسياسية وليس العرض والطلب، فالعوامل التي أدت إلى زيادة الأسعار عوامل سياسية خارجة عن إرادة التحالف، فضلاً عن أن روسيا جزء من تحالف "أوبك+"، وأي زيادة إنتاج للنفط منها قد تفسر بأنها ضد روسيا.
وقال المتخصص في الشؤون النفطية خالد بودي إن إبقاء "أوبك+" على سياسة الإنتاج الحالية هي الأكثر ترجيحاً، لا سيما أن الرؤية بالنسبة إلى أوضاع السوق المستقبلية غير واضحة وضبابية، في ظل الوضع السياسي المتوتر في العالم والحرب في أوكرانيا.وتابع بودي "لذلك فإن أي تغييرات رئيسة في مستويات إنتاج التحالف النفطي قد تحدث ردود فعل غير متوقعة في أسواق النفط، فأعضاء أوبك+ قد يتحفظون على أي تعديلات رئيسة على مستويات الإنتاج في الوقت الراهن، بسبب عدم وضوح أوضاع السوق".
واستبعد المتخصص في الشؤون النفطية حدوث تعديلات رئيسة على مستويات الإنتاج في ظل الأوضاع الحالية، وأن تقرر "أوبك" إبقاء مستويات الإنتاج على ما هي عليه الآن سوى بعض التعديلات الطفيفة غير المؤثرة، كما أن ظروف الحرب الحالية وآثارها الاقتصادية السلبية قد تجعل بعض أعضاء "أوبك" أكثر تحفظاً على زيادة الإنتاج خوفاً من حدوث تراجعات كبيرة في الأسعار تجعل أوضاعهم الاقتصادية أكثر تفاقماً.
حظر النفط الروسي
ويأتي اجتماع "أوبك+" في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى فرض حزمة سادسة من العقوبات ضد موسكو، تتضمن هذه المرة النفط الروسي، وهي الخطوة التي سبق أن أثيرت ورفضتها بعض دول الكتلة، وذلك رداً على الغزو الروسي لأوكرانيا.ومن المقرر أن يطرح الاتحاد الأوروبي مسألة حظر النفط الروسي بحلول نهاية العام الحالي، حيث سيقترح على دوله الأعضاء فرض قيود تدريجية على الواردات لحين تحقيق الحظر الكامل، وذلك وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن مصادر داخل الاتحاد.من المتوقع أن يصدر الاتحاد الأوروبي القرار بشأن العقوبات الجديدة، في أقرب وقت من الأسبوع الحالي وذلك خلال اجتماع لوزراء الطاقة في الدول الأعضاء، حيث إن الإجراءات المقترحة لم تطرح رسمياً حتى الآن ومن الممكن تغييرها. ويحتاج تمرير العقوبات إلى موافقة جميع الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولكن بعض الدول -مثل المجر- ترفض منذ مدة طويلة الإجراءات التي تستهدف النفط الروسي، بينما أعلنت ألمانيا -التي ترفض العقوبات أيضاً- خلال الأسبوع الماضي مباركتها فكرة الحظر التدريجي.