انتخب مجلس الشعب الفيدرالي الصومالي السيدة سعدية ياسين حاجي سمتر كأول امرأة تتولى منصب النائب الأول للمجلس في تاريخ البلاد، وجاء انتخابها نتيجة لتغلبها على النائب محمد علي عمر "عانونوغ" في الجولة الثانية من الانتخابات، وحصلت على 137 صوتاً في وقت حصل هو على 107 أصوات، واشتهرت حاجي سمتر، العضو في البرلمان السابق، بشدة معارضتها حكومة الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، وتميزها في ذلك حتى بين نواب المعارضة في المجلس.
الابنة القوية لقبيلة المهرة
نجحت النائبة حاجي سمتر المنتمية إلى قبيلة "المهرة" العربية، في الوصول إلى عضوية مجلس الشعب الصومالي في انتخابات سنة 2017، ممثلة للقطاع السكاني الذي تنتمي إليه في ولاية بونتلاند الفيدرالية شمال شرقي البلاد، وكان نجاحها ذاك ما منحها كثيراً من الخبرة والتمرس في العمل البرلماني والسياسي في وطنها الذي يعاني كثيراً من المتاعب، وقد بدأ بزوغ نجمها من بين الـ275 نائباً، حين خرجت في بيان ألقته على وسائل الإعلام الصومالية، في أبريل (نيسان) 2018، لتعبر عن خيبة أملها تجاه إدارة الرئيس محمد عبد الله فرماجو، على خلفية تعرض أعضاء مجلس الشعب الفيدرالي لاعتداءات من قبل قوى الأمن، لمنعهم من دخول مقر المجلس والقيام بواجباتهم، وأعلنت حينها أن الرئيس وقادة الجهات الأمنية قد جروا على أنفسهم سوء السمعة، متهمة إياهم بالمسؤولية عما قامت به قوى الأمن من اعتداءات على المشرعين المنتخبين ذوي الحصانة، كما أن حاجي سمتر لم تلبث طويلاً حتى أعلنت وقوفها مع تجار سوق "بكارة"، السوق الأهم في القرن الأفريقي، تجاه ما يتعرضون له من اعتداءات من قبل "حركة الشباب" المتطرفة، من جهة، والرفع المستمر لرسوم الجمارك والضرائب التي تقوم به الحكومة ضدهم، في ظل عجزها عن توفير الأمن لهم، حين أعلنت أنه "لا يحق للدولة أن تأخذ ضرائب من التجار، وأصحاب الأعمال في سوق بكارة".
معارضة تزداد ضراوة مع ازدياد الضغوط
تحولت النائبة حاجي سمتر إلى حديث وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مثيرة كثيراً من الاستغراب والجدل بعد قيامها هي ومجموعة من النواب بمقاطعة خطاب الرئيس فرماجو أمام غرفتي البرلمان الفيدرالي في يونيو (حزيران) عام 2020 إيذاناً بافتتاح دورته السابعة، ولم تخلُ مساهمتها في إحداث الشغب في المجلس من الطرافة، إذ تعمدت استخدام صافرة، استمرت في الصفير عبرها لـ90 ثانية، ما أدى إلى عرقلة خطاب الرئيس 10 دقائق، استغرقها رئيس الجلسة لضبط النظام في المجلس الذي ضم أكثر من 300 نائب وشيخ هم مجمل أعضاء غرفتي البرلمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن الاستغراب من اندفاعها الشديد في التعبير عن معارضتها الرئيس قد زال، بعد كشفها عن التعرض للترهيب من قبل الرئاسة والجهات الأمنية، أثناء خطاب ألقته في تجمع أُقيم للتضامن مع أسرة الموظفة الشابة في جهاز الاستخبارات والأمن الوطني إكران تهليل، التي تعرضت للاختفاء، واتهمت النائبة حاجي سمتر، المدير السابق للجهاز فهد ياسين، ومن خلفه الرئيس فرماجو، بالمسؤولية عن اختفاء تهليل، معتبرة ذلك أمراً غير مستبعد من قبل من قام بمنعها من الوصول إلى منزلها الذي استأجرته وأثثته ضمن مجمع الرئاسة، واستمرت في دفع إيجار سكنها ذلك على الرغم من حرمانها من الوصول إليه طوال سنتين، وعلى الرغم مما واجهته، فقد كانت من أكثر المشرعين نشاطاً في الدورة البرلمانية الماضية، سواء في مجال مناصرة قضايا المرأة، خصوصاً إقرار حصة المرأة في المشاركة السياسية في الصومال، وأضافت إلى معارضتها التي لا تلين، انتقادها نظام المحاصصة السياسية القبلية المعروف بـ"4.5".
سر الوصول: المكان والزمان المناسبان
وأشار محللون سياسيون إلى وقائع العملية الانتخابية التي مكنت هذه النائبة المعارضة من الوصول إلى هذا المنصب المهم في البرلمان، خارج كل التوقعات، واجتمعت عوامل عدة ضدها، كان من أهمها انتماؤها إلى إحدى قبائل المجموعة القبلية الخامسة التي تمثل "0.5" من أصل المحاصصة القبلية السياسية "4.5" سيئة الصيت، إضافة إلى ما تردد من معارضة سعيد دني رئيس ولاية بونتلاند التي تنتمي إليها لترشحها، واعتباره ذلك الترشح مخالفاً للاتفاق السياسي القاضي بدعم نواب الولاية للنائب محمد علي عمر مرشح حليفه أحمد إسلام مدوبي، رئيس ولاية جوبالاند، والذي حصد المركز الثاني بـ"58 صوتاً" في الجولة الانتخابية الأولى.
إلا أن إصرارها على الترشح، على الرغم من كل عوامل الإخفاق الظاهرة، أثبت صحته نتيجة لتحولات في أمزجة زملائها النواب، نظراً لحصولها على تأييد كتلة الرئيس الأسبق الشيخ شريف شيخ أحمد، وكذلك تنازل مرشح كتلة الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو، النائب محمد ولي عبد الله أحمد، لها عن الأصوات (59 صوتاً) التي حصدها في الجولة الأولى بعد شعوره باحتمال الهزيمة، إضافة إلى فشل المرشحة الأخرى لمنصب النائب الأول لرئيس مجلس الشعب، والمنشقة أخيراً عن كتلة الرئيس فرماجو خديجة محمد ديرية في توجيه الكتلة النيابية التي منحتها الأصوات (21 صوتاً)، نحو نقل أصواتهم كاملة إلى "عانونوغ" المرشح المفضل لرئيس ولاية بونتلاند، لذا فقد كان فوز سعدية ياسين حاجي سمتر في نظر كثيرين فوزاً مستحقاً لها، لأنها وضعت نفسها في المكان والزمان المناسبين بعد طول نضال.