كما كان متوقعاً على نطاق واسع، أعلن بنك إنجلترا "المركزي البريطاني"، رفع سعر الفائدة الأساسية بمقدار ربع نقطة مئوية من 0.75 في المئة إلى 1 في المئة لتصل إلى أعلى مستوى لها في 13 عاماً. وتلك المرة الرابعة التي يرفع فيها البنك سعر الفائدة منذ نهاية العام الماضي، بعد أن ظلت عند الصفر منذ بداية أزمة وباء كورونا في 2020.
قرار البنك المركزي البريطاني جاء بعد يوم واحد من قرار الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة بنصف نقطة مئوية مرة واحدة في أكبر نسبة زيادة في سعر الفائدة الأميركية منذ 20 عاماً، ما سيؤثر على اقتصادات الدول النامية التي ترتبط عملتها بالدولار، وكذلك أثار القرار تساؤلات عن تأثيره في حياة الناس اليومية حول العالم.
ماذا يعني رفع سعر الفائدة
تستخدم البنوك المركزية سعر الفائدة بالأساس لضبط معدلات التضخم عن نسبة مستهدفة، أو بمعنى آخر، للحفاظ على توازن العرض والطلب في الاقتصاد، لكن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً، مثل معدلات البطالة ومستوى الأجور، وغيرها، لكن أغلبها مرتبط أيضاً بنسبة التضخم. وتعني زيادة نسبة الفائدة ارتفاع تكلفة الاقتراض وزيادة العائد على الادخار، إضافة إلى زيادة أسعار أغلب السلع والخدمات بسبب زيادة الفائدة على قروض الاستثمار في الإنتاج. وتقليدياً، يؤدي رفع نسبة الفائدة إلى ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية وتراجع أسعار الأسهم وارتفاع العائد على السندات.
لكن بعض تلك النتائج التقليدية لم تعد تسير حسب نماذج التوقع المعروفة منذ أزمة وباء كورونا قبل أكثر من عامين. مع ذلك، فهناك حقائق لا تتغير تمس حياة الناس مباشرة، مع تغيير سعر الفائدة، أولها وأهمها زيادة تكلفة خدمة الديون، سواء الدين العام للحكومات أو ديون الأفراد والأسر، بدءاً من قروض الرهن العقاري إلى قروض شراء السيارات إلى حتى ما يتراكم على بطاقات الائتمان من تكلفة الاستهلاك اليومي.
ومع ارتباط كثير من العملات بالدولار، وبعد قرار الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة فلن يقف تأثيره عند الداخل الأميركي، بل تشمل آثاره العديد من الدول، وفي مقدمتها النامية. فكما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس" في تقرير لها، فإن "تداعياته تتجاوز حدود أميركا وتؤثر على المتسوقين في سريلانكا والمزارعين بموزمبيق والعائلات بالدول الأكثر فقراً حول العالم، ويتراوح التأثير في الخارج ما بين تكاليف إقراض أعلى إلى خفض قيمة عملات".
ويؤثر قرار رفع الفائدة ببريطانيا، وكذلك في الولايات المتحدة التي لديها أكبر اقتصاد بالعالم، على اقتصاد تلك الدول أولاً، إذ إن رفعها يمكن أن يؤدي إلى إبطاء النشاط الاقتصاد وتقليل شهية المستهلكين للسلع الأجنبية، ما يعني تراجع الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي في كل من أميركا وبريطانيا. لكن أيضاً، كما يقول تقرير "أسوشيتد برس"، فإن زيادة نسبة الفائدة الأميركية تؤثر على الاستثمار العالمى، إذ تصبح السندات الأميركية أكثر جذباً للمستثمرين العالميين، الذين يسحبون أموالهم من الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل لصالح الاستثمار في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى رفع قيمة الدولار وخفض قيمة العملات في العالم النامي. ويضيف التقرير: "يمكن أن يسبب هبوط سعر صرف العملات مشاكل، حيث يجعل التكاليف أكبر للأغذية والمنتجات المستوردة، ويزداد القلق في ظل ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم بسبب اختناقات سلاسل التوريد وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وما أسفرت عنه من تعطيل شحنات الحبوب والأسمدة".
أما بالنسبة للمواطن البريطاني والأميركي فالتأثير الفوري والمباشر فيظهر فيما يدفعه شهرياً من أقساط قروض الرهن العقاري وغيرها من القروض الشخصية، وأيضاً في تراجع قدرته على الاقتراض لتمويل أي عجز في ميزانيات الأسر. كما أن زيادة احتمال تباطؤ النمو الاقتصادي، الهش أصلاً، يزيد من احتمالات الركود، بالتالي ارتفاع معدلات البطالة وانهيار قيمة الدخل.
القروض العقارية وغيرها
بمجرد إعلان الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة نصف نقطة مئوية، ارتفعت نسبة الفائدة على قروض الرهن العقاري فوق حاجز 5 في المئة، لتصل إلى ما بين 5.37 في المئة و5.55 في المئة. وتوقع محللون تحدثوا إلى شبكة "سي أن بي سي" الأميركية أن سعر الفائدة على القروض العقارية سيتجاوز نسبة 6 في المئة بنهاية العام.
وكان سعر الفائدة على القروض العقارية في حدود نسبة 3.11 في المئة بنهاية العام الماضي 2021. وبحسبت شبكة "سي أن بي سي" الزيادة التي ستخرج من ميزانية أسرة عليها قرض عقاري بقيمة 300 ألف دولار لمدة 30 عاماً. فعند نسبة فائدة 3.11 في المئة وإذا كان القرض غير مثبت الفائدة لفترة فإن دفع فائدة بنسبة 5 في المئة سيعني زيادة القسط الشهر للقرض العقاري بقيمة 346 دولاراً، أي 4 آلاف و152 دولاراً سنوياً. ويعني ذلك على طول مدة القرض العقاري زيادة بقيمة 124 ألفاً و560 دولاراً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كذلك، ترتفع نسبة الفائدة على القروض الشخصية قصيرة الأجل، وتحديداً ما يتراكم على بطاقات الائتمان. وإذا كانت نسبة الفائدة حالياً ما بين 14 و16 في المئة فإنها مع الزيادة الأخيرة ستزيد على نسبة 18 في المئة.
ينطبق الأمر نفسه على القروض الشخصية وقروض شراء السيارات وغيرها من السلع المعمرة. وغالباً ما ترتفع أسعار الفائدة على تلك القروض بقدر يوازي ضعف أو أكثر الزيادة في نسبة الفائدة الأساسية التي يعلنها البنك المركزي، لأنها تحسب أيضاً استمرار رفع سعر الفائدة الأساسية لمدة عام أو عامين على الأقل.
احتفظ بأموالك نقداً
على الرغم من أن الأسواق ردت على زيادة نسبة الفائدة الأميركية بنصف نقطة مئوية بارتفاع مؤشراتها، فإن ذلك قد لا يكون وضعاً مستداماً. فمع التغيرات في أسواق السندات يتوقع أن تشهد الأسواق اضطرابات وتذبذباً شديداً، بخاصة عندما يبدأ تأثير رفع سعر الفائدة ينعكس على الاقتصاد بالسلب.
وبدأ المحللون والاستشاريون في المؤسسات المالية ينصحون عملاءهم بأن يوجهوا أموالهم نحو السندات الحكومية. وعلى الرغم من أن ذلك يبدو مغايراً للنصائح التقليدية، فإن البعض يرى أن السندات الآن قد تكون أفضل من الأسهم في الاستثمار على الأقل للمدى المتوسط، أي لمدة 5 سنوات مثلاً.
ومع ارتفاع أسعار الفائدة، يظل العائد على الادخار متواضعاً، لأنها ترتفع من مستوى قرب الصفر الذي ظلت عليه لأكثر من عامين. ونتيجة ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية قد يبدو الاحتفاظ بالأموال في صورة نقد فكرة سيئة، لأن قيمتها تتآكل بفعل التضخم، لكن بحسب موقع "ياهو فاينانس" فالاحتفاظ بالنقد السائل ليس الخيار الأسوأ، بخاصة إذا كنت تحتفظ بتلك الأموال للطوارئ أو لاستخدامها في غضون عامين لغرض ما.
يقول أندرو مارشال، المحلل المالي في كاليفورنيا، إنه "يظل من الجيد الاحتفاظ بالنقد"، أخذاً في الاعتبار أن أسعار الأسهم قد تبدأ في الاضطراب. ويضرب مثالاً على ذلك بأنك إذا كان لديك مبلغ ما واستثمرته الآن في أحد مؤشرات الأسهم، فقد ينتهي بك الأمر بعد عامين لتجده فقد الربع.
أما المشكلة الأكبر فهي أن تواصل البنوك المركزية رفع أسعار الفائدة دون أن يؤدي ذلك إلى خفض معلات التضخم في الوقت الذي تدخل فيه الاقتصادات الرئيسة في ركود، وذلك السيناريو الأسوأ الذي يعرف بوصف "الركود التضخمي".