ينظر كثيرون إلى الانتخابات المحلية التي تجري في المملكة المتحدة هذا الأسبوع على أنها قد تقضي على رئيس الوزراء أو ستؤدي إلى نجاته. إذا لحقت بحزب المحافظين خسارة قاسية، قد يقرر نواب حزب الـمحافظين أن فضيحة الحفلات "بارتي غيت" Partygate إبان إغلاق كورونا قد ألحقت ضرراً كبيراً بفرصهم الانتخابية، وقد يعملون على بدء الإعداد لمواجهته والإطاحة به. في المقابل، إذا بدا أن خسائر حزب المحافظين لم تخرج عن المستوى المعقول المتوقع الذي يلحق بالحزب الحاكم خلال انتخابات نصفية، فإن جونسون قد ينجح في إقناع زملائه [النواب] في عدم البحث عن بديل لجونسون.
في نظرة أولية، لا تبدو التوقعات جيدة بالنسبة إلى بوريس جونسون. فلم تظهر على حزبه علامات التعافي وفق استطلاعات الرأي التي كان يتمتع بها الحزب خلال عهد هذا البرلمان حتى بدأ الجدال في البلاد يستعر حول نزاهته وأخلاقه. لا تزال المعدلات [وفق الاستطلاعات] تضع حزب المحافظين في موقع متأخر عن حزب العمال مقداره ست نقاط حالياً. وهذا يترجم بما معدله تحول قدره تسع نقاط [لصالح حزب العمال] مقارنة مع أرقام الانتخابات العامة التي أجريت عام 2019.
لكن قد تكون انتخابات هذا الأسبوع مختلفة تماماً عن الانتخابات العامة [السابقة]. فكل المقاعد (في المجالس المحلية) التي من المتاح الفوز فيها في إنجلترا كان قد دار التنافس عليها آخر مرة في مايو 2018، عندما كانت [رئيسة الوزراء] تيريزا ماي تحاول المحافظة على وحدة حزبها المفتت بسبب "بريكست"، فيما كان [زعيم المعارضة] جيريمي كوربين يقاوم الاتهامات الموجهة إليه بمعاداة السامية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان حزب المحافظين في ذلك الحين متقدماً في استطلاعات الرأي بهامش ضئيل فقط، بينما كانت توقعات هيئة الإذاعة البريطانية الـ"بي بي سي" BBC قد وضعت التقديرات استناداً إلى نتائج الانتخابات المحلية، وهو ما يساوي 35 في المئة لكل من الحزبين الرئيسيين إذا كانت تلك النتائج لانتخابات عامة. قد تعني هذه النسب المختلفة تماماً أن استطلاعات الرأي على المستوى الوطني تشير فحسب إلى تأرجح [تحول] في النقاط قدره ثلاثة في المئة من دعم حزب المحافظين إلى حزب العمال- وهي نسبة ترددت أصداؤها في أرقام الاستطلاعات حول نوايا المقترعين بشكل كبير.
وقد يؤدي هذا [إذا وقع] إلى خسائر حزب المحافظين لبعض مئات من مقاعد [المجالس المحلية]- ولكنه لن يبدو بالضرورة وكأنه تسونامي هدد بإخراج جونسون من داونينغ ستريت.
من المحتمل أن تأتي سمتان أخريان للانتخابات المحلية لإنقاذ رئيس الوزراء. أولاً، لن تقترع كافة مناطق المملكة المتحدة في هذه الانتخابات- والأماكن التي ستشهد اقتراعاً ستكون مركزة بشكل غير متناسب في مناطق المدن ولذلك فهي المناطق التي يميل الناخبون فيها إلى حزب العمال في ذلك القسم من إنجلترا. وكذلك، ستصوت لندن هذا العام (وهي تشهد ذلك مرة في كل أربع سنوات) وهذه الأيام تعتبر العاصمة لندن حكراً على المؤيدين لحزب العمال. فهذا الأخير يسيطر حالياً على 21 من أصل 32 دائرة، بينما يدافع حزب المحافظين عن سبع دوائر فقط.
ثانياً، على الرغم من أن "المحافظين" خارج العاصمة لندن يدافعون عن سيطرتهم على ما يقرب من 34 مجلساً [محلياً] مقارنة مع ما يدافع عنه حزب العمال وهو 36 مجلساً، فإنه في معظم الحالات (وذلك باستثناء العاصمة لندن) يتم التنافس على ثلث المقاعد فقط. هذا لا يعني فقط أن النتيجة في لندن ستظهر بشكل غير متناسب في أعداد مكاسب وخسائر المقاعد- التي تمثل أكثر من 40 في المئة من المقاعد في إنجلترا- ولكنها تحد أيضاً من فرص تغيير السيطرة على تركيبة تلك المجالس المحلية.
عموماً من المتوقع أن يقوم حزب المحافظين في الدفاع عن 1400 مقعد فقط، بينما سيدافع حزب العمال عن 2200 مقعد يشغلونها حالياً. حتى لو كان حزب المحافظين سيخسر واحداً من بين كل أربعة مقاعد، فذلك يعني خسارة قدرها 350 مقعداً فقط- وهو ما يعتبر أقل بكثير مما خسروه مقارنة مع الانتخابات المحلية الماضية.
ربما تكون الخسارة المطلقة لسيطرة حزب المحافظين على قيادة المجالس المحلية بشكل كامل ضئيلة للغاية على أرض الواقع- رغم أن تلك الخسارة في العاصمة قد تنال من مجلسين يتمتعان برمزية خاصة [للمحافظين]. فعلى مدى سنوات طويلة اعتمد مجلس منطقة واندزورث Wandsworth المحلي في جنوب غربي العاصمة على سياسة فرض ضرائب بلدية منخفضة وواصل حزب المحافظين هناك سيطرته على المجلس حتى عندما كان حزب المحافظين يعاني في قدراته على حشد التمثيل على المستوى الوطني. ولكن سيطرة "المحافظين" على هذا المجلس المحلي تبدو مهددة [اليوم]. يسيطر حزب المحافظين على مجلس محلي آخر هو مجلس منطقة ويستمنستر Westminster، الذي يتأرجح عند حافة الهاوية. ويعتبر فشل حزب المحافظين في السيطرة على هذين المجلسين اللذين يعتبران "ثاتشريين" Thatcherite [نسبة إلى مارغريت ثاتشر] بامتياز، واللذان لم تخسرهما رئيسة الحكومة السابقة مارغريت أبداً هزيمة موجعة للمحافظين.
وهنا يمكننا أيضاً إضافة مجلس منطقة بارنيت Barnet المحلي (حيث لحقت بحزب العمال هزيمة في انتخابات ذلك المجلس في 2018، بسبب الجدال حول معاداة الحزب للسامية في حينه) وأيضاً يمكن إضافة مجالس كل من ثاوثهامبتون Southampton ونيوكاسل أندر لايم Newcastle-under-Lyme وورسيستر Worcester. قد تقتصر لائحة خسائر حزب المحافظين على هذه المجالس فقط ولن تطول أكثر.
لكن في اسكتلندا يواجه رئيس الحكومة تحدياً أكبر. فكل الدولة الاسكتلندية ستصوت- لكنها ستستخدم نظاماً انتخابياً نسبياً وهو ما سيجعل الأمر مختلفاً جداً بالنسبة لأي حزب حيث لن يكون بمقدور أي منهم السيطرة الكاملة [على المجالس المحلية]. وبما أن البلد في مجمله سيصوت في نفس الوقت (على عكس إنجلترا)، فإن الانتخابات المحلية هذه هي بمثابة استطلاع عام وشامل للرأي هناك.
الأبرز، أن آخر جولة للانتخابات المحلية جرت هناك كانت في 2017 ولم تجر في 2018- عندما كان حزب المحافظين منطلقاً بتفوق واضح في استطلاعات الرأي مما دفع رئيسة الحكومة السابقة تيريزا ماي للدعوة آنذاك لإجراء انتخابات عامة. وحقق حزب المحافظين نتائج جيدة جداً في اسكتلندا في حينها. وسمح ذلك بمضاعفة حصة الحزب من الأصوات تقريباً، محققاً 25 في المئة، وكانت تلك أفضل نتيجة يحققها الحزب في اسكتلندا منذ 1982، ونجح حزب المحافظين في حينه على حزب العمال بخمس نقاط. أما اليوم، فإن حزب جونسون يسعى للدفاع عن رصيده المكون من نقاط أساس مرتفعة بالمقارنة.
إن نتائج الاستطلاعات حالياً لا تعكس صورة مريحة لحزب المحافظين. فمنذ عطلة عيد الميلاد أظهرت كل الاستطلاعات حول وجهة تصويت الناخبين في اسكتلندا أن "المحافظين" سيحلون في المرتبة الثالثة، بعد حزب العمال. فلو حدث ذلك هذه المرة، فإنها ستكون المرة الأولى منذ 2016 التي يفشل فيها حزب المحافظين في تحقيق المرتبة الثانية مما يضعف موقفه كونه المدافع الأساسي عن الوحدة [بين دول المملكة المتحدة]. لكن هذا التغيير في المواقع ربما لن يقلق أغلب أعضاء حزب المحافظين كثيراً، بغض النظر عما سيحدث في إنجلترا.
لكن الصعوبة الأكبر الماثلة الآن والتي قد تشكل مصدر قلق لرئيس الحكومة هي أن نتائج تصويت الخميس، قد تأتي من انتخابات مجلس الحكم المحلي في إقليم إيرلندا الشمالية. فإن الخلافات حول بروتوكول إيرلندا الشمالية الذي تفاوضت عليه حكومة جونسون، وهو اتفاق يدعي كثيرون أنه قد خلق حدوداً في وسط البحر الإيرلندي من شأنه تفتيت الجماعات المؤيدة للاتحاد [المملكة المتحدة]. وتحديداً، فلقد نتج عن ذلك تراجع كبير في الدعم لأكبر الأحزاب المؤيدة للوحدة مع بريطانيا أي حزب "الوحدويين الديمقراطيين" DUP.
استطلاعات الرأي تقترح أنه وللمرة الأولى منذ تقسيم الجزيرة الإيرلندية عام 1922، لن يتمكن حزب وحدوي من الحلول أولاً في الانتخابات. حزب "الوحدويين الديمقراطيين" الذي لن يتمكن من جمع أكثر من 20 في المئة من الأصوات سيحل خلف حزب "شين فين" Sinn Fein (الذراع السياسية للجيش الجمهوري الإيرلندي السابق) الذي قد يحقق من 26 إلى 27 في المئة من الأصوات. وقد يتمكن حزب الوحدويين الديمقراطيين من السيطرة على بعض المقاعد عندما ينجح الحزب في اختيار مقاعد تفضيلية من الأحزاب الوحدوية الصغيرة وفق ما يعرف هناك بـ"نظام تجيير الأصوات". ومع ذلك، فإنه يبدو ووفق اتفاقية الجمعة العظيمة Good Friday Agreement (اتفاقية السلام الإيرلندية)، سيتمكن حزب "شين فين" من الفوز بتعيين أحد أعضائه في منصب الوزير الأول، تاركاً منصب نائب الوزير الأول لحزب "الوحدويين الديمقراطيين".
قد يكون ذلك بمثابة جائزة ترضية لن تحظى برضى حزب "الديمقراطيين الوحدويين" الإيرلندي DUP وقبوله بها- إلا إذا قامت الحكومة في المملكة المتحدة بإلغاء أجزاء من البروتوكول الناظم للعلاقة بإقليم إيرلندا الشمالية. لكن إمكانية قيام المملكة المتحدة بذلك لن يغضب حزب "شين فين" فحسب لكنه قد يهدد بأن يقوم الاتحاد الأوروبي في الرد أيضاً. لذلك فإن نجاح جونسون بإبقاء مفاتيح دار [مقر] رئاسة الحكومة في داونينغ ستريت بحوذته لن يكون التحدي السياسي الوحيد الذي يواجهه رئيس الوزراء.
*جون كورتيس هو بروفيسور في الدراسات السياسية في جامعة ستراثكلايد وهو كبير الزملاء في معهد الأبحاث الاجتماعية "ناتسن" NatCen ومعهد دراسات "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة".
© The Independent