اقتنى البنك المركزي المصري نحو 44 طن ذهب خلال فبراير (شباط) الماضي، ليصبح أكبر مشترٍ للمعدن الأصفر وسط البنوك المركزية العالمية خلال الربع الأول من العام الحالي، وسط تباين آراء المحللين لتفسير توسع البنك في شراء الذهب أخيراً.
ووفقاً لتقرير صادر عن مجلس الذهب العالمي، فإن المركزي المصري أصبح "أكبر مشتر للذهب" بين البنوك المركزية العالمية خلال الربع الأول من العام الحالي، بعدما اقتنى خلال فبراير الماضي 44 طناً من المعدن النفيس.
الرصيد يصل إلى 125 طناً
وارتفع رصيد الذهب لدى البنك المصري بنحو 54 في المئة، بعدما وصل إلى 125 طناً في نهاية فبراير، ليعادل نحو 19 في المئة من إجمالي الاحتياطي الأجنبي، الذي تملكه القاهرة.
ويتشكّل الاحتياطي الأجنبي لمصر من نسبة من الذهب، إضافة إلى حزمة من العملات الدولية الرئيسة، وهي الدولار الأميركي، واليورو، والجنيه الإسترليني، والين الياباني، واليوان الصيني، وتتوزّع حيازة القاهرة لها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها في الأسواق الدولية.
وأوضح التقرير أن مصر تعمل على زيادة إنتاج الذهب المحلي على المدى الطويل عبر منجم السكري وغيره، لكن هبوط مكون العملات الأجنبية داخل الاحتياطات "قد يعني أن البلاد لجأت إلى الأسواق العالمية لشراء كميات من الذهب".
وفي السابع من أبريل (نيسان) الماضي، أعلن المركزي المصري، في بيان رسمي، تقلص رصيد احتياطي النقد الأجنبي لدى القاهرة إلى 37.08 مليار دولار أميركي، في نهاية مارس (آذار) الماضي مقابل نحو 40.99 مليار دولار في نهاية فبراير السابق له بعدما تقلص بقيمة أربعة مليارات دولار أميركي في غضون 30 يوماً في إطار خطة القاهرة لمواجهة صدمة الأسواق العالمية، وهو ما يغطي احتياجات مصر من الواردات السلعية لمدة خمسة أشهر وحتى أغسطس (آب) المقبل.
ارتفاع مرتقب
وأوضح تقرير للبنك الدولي ارتفاع أسعار الذهب عالمياً بنحو ثلاثة في المئة في العام الحالي 2022، بعدما كسر سعر الأوقية حاجز ألفي دولار. وأضاف أن هناك ارتفاعاً محتملاً في أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها الغذاء بمقدار 84 في المئة، في الوقت الذي يواصل سعر برميل النفط الارتفاع خلال فترات كبيرة من العام الحالي.
وتوقع تقرير البنك الدولي تفريغ كميات كبيرة من الذهب من جانب روسيا كعامل محتمل من شأنه أن يثقل كاهل السعر. مشيراً إلى أنه على المدى الطويل، يمكن أن تتأثر أسعار الذهب بسياسات بنك روسيا المركزي، إذا انخرطت في مبيعات ذهب كبيرة، فقد تنخفض الأسعار بشكل ملموس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت التقرير إلى أنه عندما تلجأ روسيا، التي جرى عزلها عن النظام المالي العالمي، إلى بيع كميات كبيرة من الذهب كوسيلة لجمع الأموال، فمن المحتمل أن تؤدي تخمة العرض الناتجة إلى انخفاض سعر المعدن الأصفر.
وفي تقرير بحثي، كشفت مؤسسة "غولد إيرا"، المتخصصة في أبحاث الذهب، أن البنك الروسي خطط لشراء الذهب من الأسواق المحلية مع نهاية مارس، لـ "تحقيق التوازن بين العرض والطلب".
"غولد إيرا" أكدت أن موسكو تمتلك أكثر من ألفي طن من الذهب تُقدر قيمتها بنحو 140 مليار دولار، ما يضع روسيا في المرتبة الخامسة ضمن قائمة الدول الأكثر امتلاكاً لمخزون الذهب.
وأضاف تقرير المؤسسة أن "الذهب يمثل نحو 20 في المئة من الاحتياطي الروسي الأجنبي على الرغم من تجميد نحو 50 في المئة من ذلك الاحتياطي، الذي يصل إلى 600 مليار دولار، بعد فرض عقوبات أوروبية وأميركية على موسكو في أعقاب حرب أوكرانيا".
وتوقعت المؤسسة البحثية استمرار موسكو في اقتناء الذهب بغرض المبادلة بعملات أجنبية أكثر سيولة، ولا تدخل ضمن العقوبات الحالية، إذا استمرت الحرب، وظلت العقوبات قائمة.
هل يظل الذهب الملاذ الآمن؟
وعلى المستوى المحلي، تباينت آراء المحللين، الذين تحدثت إليهم "اندبندنت عربية"، حول توسع البنك المركزي المصري في شراء الذهب، ففي الوقت الذي اعتبر فيه مدير قطاع البحوث بالجامعة الأميركية بالقاهرة، هاني جنينة أن القرار طبيعي.
وأوضح جنينة، "في ظل تسارع الأحداث العالمية الجيوسياسية وتشابكها، وما خلفته من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي والمحلي خلال الفترة الأخيرة، يتجه المستثمرون العالميون، إضافة إلى البنوك المركزية الدولية، إلى تكثيف عمليات شراء الذهب، باعتباره الملاذ الآمن في كل الأحوال". مؤكداً أن البنك المصري "يسعى للحفاظ على رصيد آمن من الذهب لدعم الاحتياطي الأجنبي، إضافة إلى دعم الاقتصاد المحلي".
واتفق مستشار غرفة صناعة الذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية، رفيق عباسي، مع تحليلات جنينة، مضيفاً أن الذهب "سيظل عبر العصور الملاذ الآمن في حال عدم اليقين والثقة في المستقبل". مؤكداً أن معظم البنوك المركزية العالمية من الطبيعي أن تتكالب على شراء المعدن النفيس، تحسباً لتعقد الأوضاع السياسية والعسكرية العالمية.
قرار خاطئ
وفي المقابل، اعتبر المتخصص في شؤون الاقتصاد هاني توفيق، أن هذا الاتجاه "مُحير للغاية، ويحتاج إلى تفسير". موضحاً في تعليقه على القرار على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن شراء البنك المركزي الذهب جاء بكل تأكيد "خصماً من رصيد الاحتياطي من الدولار الأميركي بالبنك".
ويعتقد توفيق أن القرار "جانبه الصواب"، مستنداً إلى أسباب عدة، منها أن الذهب في الوقت الحالي في أعلى مستوى سعري له على المستوى العالمي، ما يعني أن التكلفة باهظة، كما أن سعره سيتراجع بكل تأكيد مع انتهاء الحرب الروسية في كييف، مشيراً إلى أن تراجع الأسعار تزامناً مع رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة، سيضع البنك المركزي المصري في موقف لا يحسد عليه، خصوصاً أن العلاقة بين أسعار الذهب والفائدة هي علاقة عكسية دوماً كلما ارتفع الأول انخفض الثاني والعكس صحيح.
وبرأي توفيق، إن توجيه الحصيلة الدولارية لدى البنك لتشغيل المصانع المتعطّلة عن العمل، وزيادة فرص العمل، والحد من معدل البطالة، والتوسع في التصدير كان الخيار الأفضل بدلاً من شراء المعدن الأصفر المهدد بالتراجع في أي وقت عقب انتهاء الحرب في أوروبا.