يُجري لبنان في 15 مايو (أيار) الحالي انتخابات يمكن أن تشهد تحولاً في السلطة يُرسل صدمات تتجاوز بكثير هذا البلد الصغير الواقع بين سوريا وإسرائيل، والذي يعيش مرحلة انهيار اقتصادي شامل عدّه البنك الدولي الأسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا السياق، قال وزير الاقتصاد اللبناني، أمين سلام، لوكالة "رويترز"، يوم الاثنين (9 مايو)، إن البنك الدولي وافق على قرض بقيمة 150 مليون دولار لتمويل واردات البلاد من القمح والحفاظ على استقرار أسعار الخبز لمدة تسعة أشهر. وأضاف سلام، أن "المشروع، الذي يطلق عليه اسم الاستجابة الطارئة لتوريدات القمح للبنان، ما زال يحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء والبرلمان".
تأمين الخبز للمواطنين واللاجئين
من جهته، قال متحدث باسم البنك الدولي، إن القرض يهدف إلى "تمويل واردات القمح الفورية لتجنب أي تعطل في الإمداد على المدى القصير والمساعدة في تأمين خبز بأسعار في المتناول للفقراء والأسر المحتاجة، بما يشمل اللاجئين الموجودين في لبنان". ويعتمد لبنان بدرجة كبيرة على واردات الغذاء التي يدفع ثمنها بالدولار الذي أصبح من الصعب الحصول عليه منذ الانهيار الاقتصادي في عام 2019.
ومنذ ذلك الحين خسرت الليرة اللبنانية نحو 90 في المئة من قيمتها في حين زادت أسعار المواد الغذائية بأكثر من 11 مثلاً، وفق بيانات برنامج الأغذية العالمي.
وتفاقم نقص الخبز بسبب الحرب في أوكرانيا التي تورد أغلب احتياجات لبنان من القمح، وعدم قدرة بيروت على تخزين احتياطيات من القمح منذ تدمير أكبر صوامعها في انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) 2020.
تاريخ لبنان الحديث
وشهد لبنان في تاريخه الحديث سلسلة أحداث أسهمت بشكل كبير في إيصاله إلى الوضع الخطير الذي يجد مواطنوه نفسهم فيه اليوم، وفي ما يلي جدول زمني لما جرى من اغتيالات وحرب وانفجار مدمر وانهيار اقتصادي.
اغتيال الحريري
في عام 2005، اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط)، عندما انفجرت قنبلة ضخمة في أثناء مرور موكبه في بيروت، مما أسفر أيضاً عن مقتل 21 شخصاً.
واندلعت تظاهرات حاشدة ألقت بمسؤولية الاغتيال على سوريا، التي نشرت قوات لها على أراضي البلد الجار الصغير، خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً، وأبقتها هناك بعد نهاية تلك الحرب في عام 1990.
في المقابل، نظم حلفاء دمشق في لبنان وفي مقدمتهم "حزب الله"، مسيرات كبيرة لدعم النظام السوري، لكن الضغط الدولي أجبر الرئيس بشار الأسد على سحب قواته.
حرب تموز
في يوليو (تموز) من عام 2006، عبر عناصر من "حزب الله" الحدود إلى إسرائيل، وخطفوا جنديين إسرائيليين وقتلوا آخرين، ما أشعل فتيل حرب استمرت خمسة أسابيع. وقتل ما لا يقل عن 1200 شخص في لبنان و158 إسرائيلياً.
وبعد الحرب، اشتعل التوتر في لبنان بشأن ترسانة أسلحة "حزب الله". وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2006، انسحب الحزب وحلفاؤه من الحكومة التي كان يقودها آنذاك، رئيس الوزراء المدعوم من الغرب، فؤاد السنيورة، ونظموا احتجاجات في الشوارع ضدها.
كما اغتيل السياسي اللبناني المناهض للنظام السوري، بيار الجميل، وهو نجل الرئيس اللبناني الأسبق، أمين الجميل، في شهر نوفمبر أيضاً من ذلك العام.
اعتصام الوسط
في عام 2007، نظم "حزب الله" وحلفاؤه اعتصاماً في وسط بيروت للاحتجاج على حكومة السنيورة طيلة العام، وشلّوا الحركة في الوسط التجاري للعاصمة، وكان مطلبهم المعلن الحصول على حق النقض في الحكومة.
"7 أيار"
شهد عام 2008 أحداثاً خطيرة جداً في لبنان، فاغتيل بانفجار سيارة مفخخة في يناير (كانون الثاني)، ضابط الاستخبارات في قوى الأمن الداخلي، وسام عيد، الذي كان يحقق في اغتيال الحريري.
وفي مايو، حظرت الحكومة اللبنانية شبكة الاتصالات الخاصة بـ"حزب الله" وحاولت عزل رئيس جهاز أمن المطار الموالي للحزب. ووصف "حزب الله" تحرك الحكومة بأنه "إعلان حرب" وسيطر مسلحوه على غرب بيروت الذي تقطنه أغلبية مسلمة في تحرك انتقامي.
وبعد وساطة، وقع الزعماء المتناحرون اتفاقاً في العاصمة القطرية الدوحة، لإنهاء 18 شهراً من الصراع السياسي.
المحكمة لأجل لبنان
واستمر الحال على ما هو عليه حتى عام 2011، حين انهارت الحكومة بقيادة نجل الحريري ووريثه السياسي، سعد، عندما استقال "حزب الله" وحلفاؤه بسبب التوتر بشأن المحكمة الدولية التي تدعمها الأمم المتحدة وتنظر في اغتيال رفيق الحريري.
إلى سوريا
في عام 2012، انتشر مقاتلون من "حزب الله" في سوريا لمساعدة قوات الرئيس بشار الأسد في مواجهة تمرد شعبي في معظم مناطق البلاد ذات الأغلبية السنية.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) من ذلك العام، أدى انفجار سيارة مفخخة إلى مقتل المسؤول الأمني الكبير وسام الحسن، الذي اعتقلت الأجهزة الرسمية التابعة له، ميشال سماحة، وهو وزير سابق متحالف مع سوريا ومتهم بنقل قنابل تم تجميعها في سوريا لشن هجمات في لبنان.
انتخابات 2018
في عام 2018، أجرى لبنان أول انتخابات برلمانية منذ عام 2009، بعد أن مدد المشرعون اللبنانيون مرات عدة ولايتهم، التي يفترض أن تستمر أربع سنوات فقط، بسبب "مخاوف أمنية".
وفاز "حزب الله" والجماعات والأفراد المتحالفون معه بما لا يقل عن 69 مقعداً من أصل 128، مما عزز سيطرتهم على السلطة التشريعية.
"17 تشرين"
على الرغم من الركود الاقتصادي وتباطؤ تدفقات رأس المال، فشلت الحكومة في تطبيق إصلاحات قد تفتح الباب أمام الدعم الأجنبي، بما في ذلك خفض أجور العاملين في الدولة وفاتورة معاشات التقاعد.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أشعل تحرك حكومي لفرض ضرائب على المكالمات عبر الإنترنت احتجاجات حاشدة، ضمت طوائف مختلفة اتهمت النخبة الحاكمة بالفساد وسوء الإدارة.
واستقال الحريري في 29 أكتوبر، بينما تسارعت وتيرة الأزمة المالية. وتم تجميد أموال المودعين وسط أزمة سيولة في العملة الصعبة وانهيار العملة المحلية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الانفجار الكبير
في عام 2020، أصبح حسان دياب، الأكاديمي غير المعروف، رئيساً للوزراء في يناير (كانون الثاني) بدعم من "حزب الله" وحلفائه. وتخلف لبنان عن سداد ديونه السيادية في مارس (آذار) من ذلك العام، وفقدت العملة ما يصل إلى 80 في المئة من قيمتها وارتفعت معدلات الفقر ارتفاعاً حاداً.
وتعثرت المحادثات مع صندوق النقد الدولي بسبب مقاومة الأطراف الرئيسة والبنوك المؤثرة لخطة التعافي المالي.
وفي الرابع من أغسطس (آب)، انفجرت كمية كبيرة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة ستة آلاف وتدمير مساحات شاسعة من بيروت.
واستقالت حكومة دياب، وتم تكليف الحريري بتشكيل حكومة جديدة، لكن الخلاف استمر حول الحقائب الوزارية.
ودانت محكمة تدعمها الأمم المتحدة عضواً في "حزب الله"، يدعى سليم عياش، بالتآمر لقتل رفيق الحريري بعد 15 عاماً من اغتياله.
تفاقم الفشل
ازداد الانهيار الاقتصادي، وتخلى الحريري عن جهوده لتشكيل حكومة وتبادل مع الرئيس اللبناني ميشال عون الاتهامات بالمسؤولية عن الفشل.
وفي أغسطس، أعلن البنك المركزي أنه لم يعد بإمكانه تمويل دعم واردات الوقود، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء ونقص الوقود وارتفاع أسعار المحروقات بنسب هائلة، وتسبب بأعمال عنف متفرقة في محطات الوقود.
وفي أحد تداعيات تلك الأزمة، انفجر صهريج وقود في منطقة التليل الواقعة في قضاء عكار (شمال)، ما أسفر عن مقتل أكثر من 20 شخصاً.
وفي سبتمبر (أيلول)، بعد أكثر من عام من الخلافات حول الحقائب الوزارية، تم الاتفاق أخيراً على حكومة جديدة بقيادة نجيب ميقاتي.
وسرعان ما حادت الحكومة عن مسارها بسبب التوتر بشأن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. وطالب "حزب الله" وحليفته "حركة أمل" بإقالة قاضي التحقيق طارق بيطار بعد أن وجه اتهامات إلى بعض حلفائهما.
ودعا "الثنائي الشيعي" (الحزب والحركة) إلى الاحتجاج على القاضي. وقتل ستة من مؤيديهم بالرصاص عندما اندلعت أعمال عنف، وألقى "حزب الله" بالمسؤولية على حزب "القوات اللبنانية" الذي يرأسه سمير جعجع.
وتوقف التحقيق في انفجار مرفأ بيروت بسبب تدفق الشكاوى القانونية ضد القاضي من قبل مسؤولين اتهمهم بالضلوع في الكارثة.
واستدعت دول الخليج سفراءها وحظرت السعودية جميع الواردات اللبنانية احتجاجاً على تصريحات وزير متحالف مع "حزب الله" انتقد فيها المملكة بسبب الحرب في اليمن.
الانهيار وانتظار الانتخابات
في يناير (كانون الثاني) 2022، انخفض سعر الليرة اللبنانية إلى 34 ألفاً مقابل الدولار الواحد قبل أن يعزز تدخل البنك المركزي قيمة العملة المحلية.
ووجه البنك الدولي انتقادات حادة إلى النخبة الحاكمة لدورها في واحد من أسوأ الانكماشات في الاقتصادات الوطنية في العالم بسبب سيطرتها على الموارد.
وفي أبريل (نيسان)، توصل لبنان إلى مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي من أجل دعم محتمل بقيمة ثلاثة مليارات دولار، معتمداً على قيام بيروت بتنفيذ إصلاحات طال انتظارها.
وعاد سفيرا الكويت والسعودية إلى بيروت. وأعلنت السعودية وفرنسا عن إنشاء صندوق مشترك بقيمة 30 مليون يورو (32 مليون دولار) لتعزيز الخدمات الصحية والخدمات الأخرى في لبنان.
وأعلن الحريري أنه لن يخوض الانتخابات البرلمانية في 15 مايو ولا "تيار المستقبل" الذي يرأسه.