بلغت نسبة اقتراع اللبنانيين في دول الاغتراب حوالى 60 في المئة وهي نسبة يمكن أن تصنع فارقاً كما أكد وزير الخارجية عبدالله بو حبيب عند إقفال الصناديق. ووصل عدد المقترعين إلى 150 ألفاً من أصل 225 ألف ناخب تسجلوا في 58 دولة، وهو عدد سيكون له تأثيره في نتائج الانتخابات في لبنان بحسب خبراء، خصوصاً أن الـ150 ألفاً يشكلون 13 حاصلاً انتخابياً أي ما يعادل 13 مقعداً نيابياً، هم في غالبيتهم من معارضي قوى السلطة. وهو ما دفع كثيرين في لبنان إلى التخوف من التلاعب بالصناديق التي بدأت تصل إلى بيروت تباعاً بواسطة شركة خاصة، على أن تُحفَظ في المصرف المركزي حتى يوم الأحد 15 مايو (أيار)، موعد الانتخابات في الداخل، ليُصار إلى فرزها مع صناديق الدوائر الانتخابية الـ15 في لبنان بعد إقفالها. وأعلن وزير الداخلية بسام مولوي عن اعتماد تقنيات جديدة تُستخدم للمرة الأولى بما يشمل الفرز الإلكتروني للأصوات من قبل لجان القيد الابتدائية والعليا في كل قضاء.
نسبة المقترعين المغتربين وإن هلّل لها كثيرون لا سيما في صفوف "قوى التغيير"، إلا أنها أظهرت أيضاً أن 40 في المئة من اللبنانيين الذين تسجلوا في نوفمبر (تشرين الثاني) الفائت بملء إرادتهم، لم يقترعوا، إما لعوائق لوجستية حالت دون ذلك، مثل عدم ورود اسمهم في لوائح الشطب أو لعدم حيازتهم على جواز سفر جديد أو بسبب صعوبة انتقالهم إلى المراكز التي حُددت للاقتراع والتي تطلّب الوصول إليها في أكثر من دولة السفر لساعات طويلة، أو لأنهم فقدوا الأمل بإمكانية التغيير في لبنان، فقرروا الاستقالة من المشاركة في الحياة الوطنية.
دلالات في نسب اقتراع المغتربين
من الصعب حسم توجهات المغترب اللبناني ولمن أعطى صوته ومدى تأثير حجم الاقتراع في نتائج الانتخابات النهائية قبل الفرز في 15 مايو، إلا أن نسبة التصويت في الدول الـ48 (التي جرى فيها الاقتراع يوم الأحد 8 مايو) وما رافقها من مظاهر انتخابية في محيط مراكز الاقتراع وعدم تردد الناخبين في التعبير عن رأيهم خلال التصويت، شكلت وقائع معبّرة يمكن التوقف عندها. أبرز تلك الوقائع، تراجع أحزاب السلطة في صفوف المغتربين، مقارنة بانتخابات عام 2018، وهو ما ظهر من خلال تراجع حجم الماكينات الانتخابية في الخارج، لا سيما المسيحية منها، وفي أكثر من إشكال حصل بين المقترعين وممثلي أحزاب السلطة، إذ صب المقترعون غضبهم عليهم وحمّلوهم مسؤولية انهيار البلد كما حصل مع ممثلي "التيار الوطني الحر" في أحد مراكز الاقتراع في فرنسا، علماً أن نسبة الناخبين المسيحيين كانت الأعلى في دول الاغتراب، فبلغت 64 في المئة. في المقابل، برز الإقبال باتجاه قوى التغيير ولم يتردد المقترعون من المجاهرة بذلك في مراكز الاقتراع، وبعضهم وقف ساعات طويلة ليدلي بصوته كما حصل في دبي. وتتحدث معظم الماكينات الانتخابية للقوى المشاركة عن أن أصوات المغتربين صبت بغالبيتها ضد أحزاب السلطة أي "التيار الوطني الحر" و"حركة أمل" و"حزب الله" وتوزعت بين لوائح الأحزاب السيادية كـ"القوات اللبنانية" و"الكتائب" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" ولوائح التغيير التي ضمت شخصيات مستقلة ومن المجتمع المدني. وتصدرت الإمارات نسبة المقترعين للقوى التغييرية ومن كل الطوائف، ونسبة كبيرة مثلاً من الدروز صوّتت للمجتمع المدني، إلا أن تشتت الأصوات على أكثر من لائحة، بحسب ما أكد أكثر من باحث بشأن العملية الانتخابية، قد لا يصب في مصلحة لوائح التغيير.
ومن الملاحظات البارزة في اقتراع المغتربين اللبنانيين أن نسبة تصويت الناخبين السنة لم تتعدّ 21 في المئة، ويردّ البعض ذلك إلى التزام قسم منهم قرار المقاطعة، فيما القسم الأكبر لم يتمكن من الاقتراع لتزامن موعد الانتخاب مع عطلة عيد الفطر التي كانوا يمضونها خارج الدول التي تسجلوا فيها.
نسبة اقتراع الشيعة أقلقت "أمل" و"حزب الله"
شيعياً، بدت "حركة أمل" مسيطرة على المشهد الشيعي الخارجي مع غياب تام لـ"حزب الله"، في العلن على الأقل، وبرز حضور مناصري "أمل" في ألمانيا حيث غالبية المسجلين من الطائفة الشيعية إضافة إلى الدول الأفريقية. وبحسب أرقام أولية، فإن نسبة الشيعة الذين اقترعوا لم تتعدَّ 7.5 في المئة من إجمالي اللبنانيين الذين انتخبوا في الخارج. ولفت التضارب في المعلومات والأرقام بين الخارجية اللبنانية والماكينة الانتخابية لـ"حركة أمل"، لا سيما في ما يتعلق بنسبة المقترعين في دول أفريقيا، بحيث أكدت الخارجية على نسبة لم تتعدَّ الـ 6 في المئة، فيما ذكرت "أمل" أن الاقتراع في دول أفريقيا بلغ 50 في المئة. وتوقف كثيرون عند نسبة تصويت شيعية لافتة من اللبنانيين المقيمين في السعودية التي بلغت 17 في المئة مع الترجيح بأن تكون أصواتهم صبت ضد الثنائي "أمل - حزب الله". وفيما كشف مصدر في المعارضة الشيعية أن نسبة التصويت في الدوائر ذات الغالبية الشيعية ستفاجئ "أمل" و"حزب" الله، إذ ستسجل نسبة مقاطعة للانتخابات تكون تعبيراً عن موقفهم المعارض للثنائي الشيعي، وذلك تحت ضغط الأزمة الاجتماعية والاقتصادية، برز قرار الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بتنظيم 3 مهرجانات سيطل من خلالها بخطابات ثلاثة في الأسبوع الأخير قبل موعد الانتخاب، وهو ما لم يحصل في دورات انتخابية سابقة. وفي مؤشر واضح إلى وجود تردد لدى الناخب الشيعي، توجه نصر الله في أولى إطلالاته في مهرجان انتخابي خُصص لدوائر الجنوب، إلى من سمّاهم بالمترددين في الإدلاء بأصواتهم "ممّن يقولون إن سلاح المقاومة على رأسنا لكن لا نريد التصويت بسبب الأزمة المعيشية"، فوصف الانتخابات بـ"حرب تموز سياسية لنزع سلاح حزب الله". وقال "أنتم الذين انتصرتم على حرب تموز العسكرية فبقيت المقاومة وبقي السلاح، اليوم في حرب تموز السياسية يجب أن تخرجوا من بيوتكم صباح 15 مايو لتمارسوا المقاومة السياسية لتبقى لنا المقاومة العسكرية المسلحة وهذا هو المطلوب". وفي رسالة إلى اللبنانيين عموماً الذين يعيشون كما قال في "حماية المقاومة"، سأل نصر الله "إذا تخلت المقاومة عن سلاحها من سيحمي لبنان؟".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تسجيل مخالفات في اقتراع المغتربين
في سياق آخر، وعلى الرغم من المخالفات التي سجلتها بعثة الاتحاد الأوروبي المكلفة من الاتحاد مراقبة الانتخابات النيابية في لبنان والخارج والتي تحدثت عنها أيضاً "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" LADE، إلا أن الجهتين تعترفان بأن تنظيم عملية الاقتراع كان أفضل بكثير من انتخابات عام 2018. ويعدد المدير التنفيذي في "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" علي سليم أبرز المخالفات التي رصدتها الجمعية في 6 و8 مايو في اقتراع دول الاغتراب، وبعضها تمت معالجته من قبل وزارة الخارجية فور الإبلاغ عنها، بحيث كان مندوبو الجمعية الـ83 موزعين على 30 دولة من أصل الدول التي اقترع فيها اللبنانيون المنتشرون.
أولى المخالفات كانت عدم ورود أسماء كثيرين من المسجلين على لوائح الاقتراع في وقت أوضحت وزارة الخارجية أن هؤلاء لم ينجزوا بشكل كامل عملية التسجيل على المنصة التي وضعتها الوزارة، وقد خلق التغيير في موعد الانتخاب من 27 مارس (آذار) إلى 15 مايو إرباكاً لدى الناخبين، كما أن فترة الأسبوعين التي أُعطيت للتسجيل لم تكُن كافية. ومن المخالفات التي رصدتها "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات"، الدعاية الانتخابية من قبل غالبية الأحزاب وخرق الصمت الانتخابي الذي يسري على الإعلام والمرشحين أيضاً، وفي هذا الإطار يتحدث سليم عن أن "خرق الصمت تمثل في انتشار خيم وصور وشعارات للوائح والأحزاب داخل مراكز الاقتراع وخارجها، ما قد يشكل عاملاً ضاغطاً على الناخب الذي يجب أن يمارس حقه بالاقتراع من دون أي تأثير، كما سُجل حضور مخالف للصمت الانتخابي لـ3 مرشحين من لوائح التغيير في قلم الاقتراع في دبي". ويشرح المدير التنفيذي للجمعية أن "خرق الصمت الانتخابي على هذا النحو كان بارزاً في القنصلية اللبنانية بجدة حيث وضِعت خيم للأحزاب داخل القنصلية، فيما انتشرت أمام السفارة في الرياض خيم للوائح الحزبية ولوائح التغيير، لكن وزارة الخارجية تجاوبت سريعاً مع مطلب الجمعية وأزيلت المخالفات".
تصوير وراء العازل وعدم إلمام بالقانون
وعدّد سليم مخالفات أخرى تم رصدها في يومَي اقتراع المغتربين اللبنانيين، ومن بينها "إقدام عدد من المقترعين على تصوير ورقة اقتراعه وراء العازل، ما شكل مخالفة للمادة 95 من القانون التي تنص على اختلاء الناخب بنفسه وعلى مبدأ سرية الاقتراع، وقد أُلغيت أوراق عدة بعدما أصدرت وزارة الخارجية تعميماً إلى كل البعثات في الخارج يقضي بإلغاء تصويت كل من يعمد إلى خرق سرية الاقتراع وراء العازل".
ورصدت الجمعية بحسب سليم "تدخلاً واضحاً من قبل مندوبي الأحزاب والمرشحين الموجودين داخل مراكز الاقتراع، من خلال إرشاد الناخبين، فيما المسؤول عن هذه المهمة هو رئيس القلم فقط". وشرح أن "الانتخاب في الخارج أظهر عدم إلمام رؤساء الأقلام الانتخابية بالقانون لناحية واجباتهم ومهماتهم، ما سمح بتدخل مندوبي اللوائح والتأثير في الناخبين". وسجّل سليم في هذا الإطار "ضعفاً في التدريبات التي خضع لها الموظفون المكلفون تنظيم سير العملية الانتخابية، خصوصاً أنه تبين أن التدريبات لم تحصل حضورياً بل تم تسجيل فيديوهات صغيرة تشرح مهمة رئيس القلم ومعاونيه وأُرسلت إليهم، وكلما كانت معرفة رئيس القلم ضعيفة بالقانون كلما سمح ذلك بتدخل مندوبي اللوائح".
هل تتجدد المخالفات التي سجلتها الجمعية في انتخابات المغتربين في 15 مايو في انتخابات المقيمين؟ يجيب سليم أن "المؤشر سيكون الخميس المقبل (12 مايو) موعد انتخاب الموظفين (الرسميين) الذين سيتابعون العملية الانتخابية الأحد"، لافتاً إلى أن "انتخابات الموظفين عام 2018 كانت كارثية لجهة المخالفات الكثيرة التي سجلت خلالها وأهمها الانتخاب خارج العازل وبشكل جماعي وهي ظاهرة تكررت بعد ذلك في أكثر من دائرة، لا سيما في الجنوب والبقاع الشمالي".