أقرّ مجلس النواب الأميركي الثلاثاء، مساعدة ضخمة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار، في خطوة تأتي بعد أن حذّر الرئيس جو بايدن من أن الأموال المخصصة لمساعدة كييف على مواجهة الهجوم الروسي ستنضب على الأرجح في غضون أيام. ووافق النواب بغالبية 368 صوتاً مقابل 57 على هذه الحزمة الهائلة من المساعدات العسكرية والإنسانية والاقتصادية، والتي اتّفق الحزبان على تفاصيلها مسبقاً.
ويتعيّن على مجلس الشيوخ أن يحذو حذو مجلس النواب ويقرّ هذا النصّ لكي يوقّعه بايدن قانوناً نافذاً. ويُتوقّع أن يصوّت مجلس الشيوخ على هذا النص بحلول نهاية هذا الأسبوع أو في الأسبوع المقبل.
وقبيل ساعات من إقرار النص، قالت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي إنه "من خلال برنامج المساعدات هذا، تُرسل أميركا إشارة إلى العالم عن تصميمنا الثابت على دعم شعب أوكرانيا الشجاع حتى النصر" على روسيا.
وستسمح تلك الأموال لأوكرانيا بالتزوّد بمركبات مدرّعة، وبتعزيز دفاعاتها المضادة للطائرات، ومحاربة الهجمات الإلكترونية. وستُخصَص من هذه المساعدة، مليارات الدولارات لضمان "استمرارية المؤسسات الديمقراطية الأوكرانية"، فضلاً عن تأمين مساعدات إنسانية كبيرة.
وكان الرئيس بايدن دعا منذ أسابيع إلى تخصيص ميزانية ضخمة لمساعدة أوكرانيا قيمتها 33 مليار دولار. لكنّ قادة الكونغرس من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، توافقوا مساء الاثنين (9 مايو/أيار) على منح أوكرانيا 40 مليار دولار، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي للكاميرون في 2020.
وشدّد زعيم الغالبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السناتور تشاك شومر الثلاثاء، على أن "تمرير هذا التمويل الطارئ بسرعة هو أمر ضروري لمساعدة الشعب الأوكراني في قتاله ضد بوتين الشرير".
كما ذكّر شومر زملاءه بالتزام الولايات المتّحدة "الأخلاقي" بالوقوف إلى جانب "أصدقائنا في أوكرانيا".
وتتمتّع هذه الإجراءات بدعم واسع في كلا الحزبين، وهو أمر غير مألوف في الكونغرس المعتاد على الخلافات السياسية إلى حد كبير.
هجوم مضاد
ميدانياً، أعلنت أوكرانيا الثلاثاء، أن قواتها استعادت عدداً من القرى من القوات الروسية شمال شرقي خاركيف مواصلة شن هجوم مضاد يمكن أن يكون بداية تحول في قوة الدفع في الحرب ويقوض التقدم الروسي الرئيسي.
وأكدت تيتيانا أباتتشينكو المتحدثة الصحافية باسم اللواء الميكانيكي الخاص الثاني والتسعين، وهو القوة الأوكرانية الرئيسية القريبة من خاركيف، أن القوات الأوكرانية استعادت مناطق تشركاسكي، وتيشكي، وروسكي تيشكي، وبورشتشوفا، وسلوبوجانسكه في جيب شمال خاركيف في الأيام الماضية.
وقال يوري ساكس، وهو مستشار لوزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، إن هذه النجاحات تبعد المدفعية الروسية عن مدى قصف أجزاء من خاركيف، ثاني أكبر مدينة أوكرانية وتقع في شمال شرق البلاد، وتتعرض للقصف منذ الأيام الأولى للحرب.
وقال ساكس لـ"رويترز": "العمليات العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية حول خاركيف، بخاصة شمال وشمال شرقي خاركيف، قصة نجاح". وأضاف "تمكن الجيش الأوكراني من دفع مجرمي الحرب هؤلاء إلى خط وراء مدى مدفعيتهم".
ويمكن أن يكون الهجوم المضاد مرحلة جديدة في الحرب لأنه يأتي بعد أسابيع شنت روسيا خلالها هجوماً ضخماً أوقفته القوات الأوكرانية في معظمه.
وبدفع القوات الروسية إلى الوراء بعد أن احتلت ضواحي خاركيف منذ الأيام الأولى للحرب، ينتقل الأوكرانيون إلى مسافة تسمح لهم بضرب خطوط الإمداد الروسية الخلفية ومواصلة إبعاد قوة الهجوم الروسية الرئيسية إلى الجنوب.
وقال نيل ميلفن من مركز روسي للأبحاث في لندن "يقترب الأوكرانيون من الحدود الروسية. بالتالي فإن جميع المكاسب التي حققها الروس في الأيام الأولى من الحرب في شمال شرقي أوكرانيا تتلاشى بشكل متزايد".
تحديات
في المقابل، وخلال عرض عسكري ضخم في الميدان الأحمر في ذكرى يوم النصر، حضّ بوتين الروس على مواصلة القتال من دون أي مؤشرات على جديد في استراتيجيته.
ومنذ إرغام روسيا على التخلي عن هجومها على العاصمة كييف في نهاية مارس (آذار)، تحاول القوة المهاجمة الرئيسية تطويق القوات الأوكرانية في المنطقة الشرقية التي تعرف باسم دونباس. والقوات الأوكرانية صامدة ضد الهجمات العنيفة من ثلاثة اتجاهات.
وتستطيع أوكرانيا الآن باندفاعها قرب خاركيف أن تجبر موسكو على التحول إلى محاولة الدفاع عن خطوط إمدادها الطويلة التي تمتد من الحدود الروسية إلى مدينة إيزيوم جنوب خاركيف. وقال مراقبون عسكريون غربيون إن هناك مؤشرات على أن الهجوم المضاد يضعف بالفعل تقدم روسيا.
وقال جاك كين رئيس مجلس إدارة معهد دراسات الحرب، وهو جنرال أميركي متقاعد، "تقييمنا هو أنه يتعين عليهم (الروس) سحب بعض القوات بعيداً من المحاور المؤدية إلى السيطرة على منطقة دونباس بسبب ما حدث في خاركيف، وهذا يسلط الضوء فقط على التحديات التي يواجهونها".
وفي الجنوب، وجهت القوات الروسية من جديد قصفاً شديداً لمجمع آزوفستال للصلب في ماريوبول الثلاثاء في محاولة للاستيلاء على آخر معقل للمقاومة في المدينة المدمرة التي يقول الأوكرانيون إن عشرات الآلاف من سكانها لقوا حتفهم في الحصار والقصف الروسيَين المستمرين منذ شهرين.
وتم إجلاء عشرات المدنيين من مجمع الصلب في الأيام الماضية، لكن بيترو أندريوشتشينكو مساعد رئيس بلدية ماريوبول قال إن 100 مدني على الأقل ما زالوا في المصنع.
وقالت وحدة آزوف الأوكرانية الصامدة في آزوفستال على "تليغرام" إنه خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حلقت 34 طائرة روسية فوق المصنع من بينها ثماني طلعات لقاذفات استراتيجية. وأضافت أن المجمع تعرض للقصف من البحرية الروسية ومن الدبابات والمدافع والصواريخ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أوديسا، كافح رجال الإطفاء الحرائق حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء بعد أن ضربت سبعة صواريخ روسية مركزاً تجارياً ومستودعاً يوم الاثنين. وقالت القوات المسلحة الأوكرانية إن شخصاً قتل وأصيب خمسة. وتسببت الضربات الصاروخية في توقف المحادثات بين رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل ورئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال.
وقالت أوكرانيا إن قواتها المسلحة في دونباس دمرت الثلاثاء 12 دبابة روسية و 19 عربة مدرعة وأسقطت ثلاث طائرات. وقال بافلو كيريلينكو، الحاكم الإقليمي لمنطقة دونيتسك في دونباس، إن ثلاثة من السكان قتلوا وأصيب ثلاثة آخرون اليوم.
الغرب يتهم روسيا بتعطيل أقمار اصطناعية تمهيداً للهجوم
من جهة أخرى، اتهم الأوروبيون والولايات المتحدة رسمياً السلطات الروسية الثلاثاء بتنفيذ هجوم إلكتروني على شبكة من الأقمار الاصطناعية تمهيداً للهجوم على أوكرانيا في أواخر فبراير (شباط).
وقال مسؤول السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل للصحافيين في بروكسل "يمكننا أن ننسب ذلك إلى الحكومة الروسية"، مضيفاً أنها المرة الأولى التي يتهم فيها الاتحاد الأوروبي صراحة موسكو بأنها مسؤولة عن هجوم إلكتروني.
وقال الاتحاد الأوروبي في بيان نيابة عن الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة "وقع الهجوم الإلكتروني قبل ساعة من الهجوم الروسي من دون سابق استفزاز وغير المبرر على أوكرانيا في 24 فبراير 2022، مما سهل العدوان العسكري".
وأضاف أن "الهجوم تسبب في اضطرابات كبيرة في الاتصالات أثرت في الخدمات العامة والشركات والمستخدمين في أوكرانيا، كما أثر في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي... يدين الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، إلى جانب شركائه الدوليين، بشدة القرصنة السيبرانية الضارة التي قامت بها روسيا ضد أوكرانيا واستهدفت شبكة KA-SAT الفضائية التي تديرها شركة Viasat".
كان الاتحاد الأوروبي يؤكد حتى الآن أن الهجمات الإلكترونية تأتي "من داخل روسيا"، ولكن من دون إدانة مباشرة للسلطات الروسية.
بالتنسيق مع حلفائها الأوروبيين، أصدرت الولايات المتحدة تقريراً ألقت فيه باللوم على موسكو. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن الهجوم "عطل المحطات الأرضية الصغيرة في أوكرانيا وعبر أوروبا" التي تشغل بشكل خاص "توربينات الرياح" و"توصل الإنترنت إلى المواطنين العاديين".
كما اتهمت واشنطن خبراء الإنترنت في الجيش الروسي "بنشر عدة عائلات من برمجيات خبيثة" تُسمى "وايبر" تقوم بمحو جميع البيانات من أجهزة الكمبيوتر المستهدفة "في شبكات الإدارة الأوكرانية والقطاع الخاص".
وأضاف وزير الخارجية الأميركي في بيان أن "هذه العمليات السيبرانية المزعزعة للاستقرار بدأت في يناير (كانون الثاني) ... واستمرت خلال الحرب".
وقالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس "هذا دليل واضح وصادم على هجوم متعمد وخبيث من جانب روسيا على أوكرانيا كانت له عواقب وخيمة على المواطنين العاديين والشركات في أوكرانيا وفي جميع أنحاء أوروبا".
دراغي وبايدن يعلنان وحدتهما بمواجهة روسيا
في موازاة ذلك، عبّر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي والرئيس الأميركي جو بايدن خلال اجتماع في البيت الأبيض الثلاثاء، عن وحدة موقفهما الداعم لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
وقال بايدن لدراغي وقد جلس بجانبه في المكتب البيضاوي بحضور صحافيين "كنت صديقاً جيداً وحليفاً عظيماً".
من جهته، أكد رئيس الحكومة الإيطالية أن غزو روسيا لأوكرانيا "عزز" الروابط بين الولايات المتحدة وإيطاليا، وعلى نطاق أوسع بين الولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى رغم وصفه ما تفعله روسيا في أوكرانيا بأنه "مذبحة"، قال دراغي إن الوقت قد حان "للتفكير بعمق" بشأن ترتيب وقف لإطلاق النار. وأضاف "يريد الناس التفكير في إمكانية التوصل إلى وقف لإطلاق النار والبدء في الانخراط في مفاوضات ذات مصداقية".
من ناحيته، قال الرئيس الأميركي أمام الكاميرات قبل بدء المحادثات الثنائية إن "فلاديمير بوتين اعتقد أن بإمكانه أن يفرقنا. لكن ضاعفنا جهودنا جميعاً".
وتوقع دراغي حدوث "تغييرات جذرية" في الاتحاد الأوروبي، مشيراً إلى أنه سيتعين عليه تعزيز علاقاته.
وقال بايدن إن "وجود اتحاد أوروبي قوي هو في مصلحة الولايات المتحدة"، حتى لو شكل ذلك "منافسة"، مشدداً على أن "هذا الأمر في مصلحة الجميع". وأيدت حكومة دراغي بشدة فرض عقوبات ضد روسيا، على رغم اعتماد إيطاليا على الغاز الروسي وعلاقاتها التقليدية الودية مع موسكو.
وعلى غرار حلفائها الغربيين، سلمت روما أسلحة إلى أوكرانيا على رغم تصاعد القلق بشأن ذلك في صفوف الائتلاف الحكومي الواسع الداعم لدراغي، والذي يمتد من أقصى اليمين إلى اليسار.
ويأتي الاجتماع في البيت الأبيض قبل قمتين لمجموعة السبع ولحلف شمال الأطلسي في أوروبا الشهر المقبل. وإلى جانب أوكرانيا، يتناول اللقاء الاقتصاد العالمي وأمن الطاقة في أوروبا وتغير المناخ.
جونسون يبحث الأربعاء في فنلندا والسويد "أمن أوروبا"
إلى ذلك، يزور رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الأربعاء، فنلندا والسويد، اللذين يتحضران لإعلان موقفهما بشأن ما إذا كانا سيطلبان الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية إن محور زيارة جونسون إلى الدولتين الاسكندينافيتين "ليس أوكرانيا فحسب، بل على نطاق أوسع، أمن أوروبا".
ووضع جونسون نفسه في مقدمة الرد الغربي على الهجوم الذي بدأته القوات الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير. وأضاف المتحدث "نحن ندعم القدرة الديمقراطية للدول على اتخاذ قرارات بشأن قضايا على غرار عضوية حلف شمال الأطلسي".
وتابع "نتفهم مواقف السويد وفنلندا، ولهذا السبب فإن رئيس الوزراء سيناقش قضايا أمنية أوسع نطاقاً".
ويُفترض أن تعلن فنلندا والسويد هذا الأسبوع ما إذا كانتا ستقدمان ترشيحيهما للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، في خطوة ستمثل في حال حدوثها تحولاً كبيراً في سياسات عدم الانحياز التي انتهجها البلدان على مدى عقود.
وهزت الحرب التي شنتها روسيا على جارتها الموالية للغرب الدولتين الاسكندينافيتين، إذ ازداد تأييد مواطنيهما للانضمام إلى التحالف العسكري الغربي بسبب الغطاء الأمني الذي سيوفره للبلدين.
وأظهر استطلاع للرأي نشرته شبكة "يلي" Yle الفنلندية أن نسبة قياسية من الفنلنديين (76 في المئة) باتت تؤيد الانضمام إلى الحلف، مقارنةً بما بين 20 و30 في المئة في السنوات الأخيرة.
كما حدث تحول في الرأي العام في السويد، وإن كان بمستويات أقل، إذ بات حوالى نصف السويديين يؤيدون الانضمام.
وقال الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في السويد إنه سيعلن موقفه حيال عضوية الحلف الأطلسي في 15 مايو (أيار). وسيوفر تأييده للخطوة غالبية برلمانية واضحة لتقديم الطلب.
وفي حال قرر البلدان الانضمام إلى الناتو، فستمثل الخطوة رداً مباشراً على الهجوم الروسي. وسيصبح الحلف بذلك مباشرة على أبواب روسيا. وستضاعف عضوية فنلندا طول الحدود البرية للناتو مع روسيا إلى حوالى 2600 كلم.