منذ 36 عاماً أو أكثر بقليل، قبل الربيع العربي وحتى قبل موجة الانتفاضات الشعبية التي رافقت حل الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو، نزل الشعب الفيليبيني إلى الشارع وأطاح ديكتاتوراً متوحشاً وفاسداً يدعمه الغرب، عذب الآلاف وسرق المليارات.
لكن جل ما يذكره العديد منا عن ثورة قوة الشعب التي قامت في عام 1986 هو مجموعة الأحذية الهائلة التي كانت تمتلكها إميلدا، زوجة فرديناند ماركوس.
كانت ملكة الجمال السابقة، التي تبلغ من العمر اليوم 92 سنة، قد جمعت أكثر من ألف زوج من الأحذية الباهظة الثمن في بلد تفشى فيه الفقر وسحقت فيه الديمقراطية على يد زوجها، واعتقلت قوات أمنه المعارضين وعذبتهم وأخفتهم واغتالتهم.
يبحث الصحافيون دائماً عن أفكار ممتعة أو ملفتة لتقديم أخبارهم بقالب يجذب القراء والمشاهدين، وفي قصة مجموعة الأحذية كل ما يحتاجه الخبر الدولي من مظاهر [بهرجة] ممتعة. ولكن مع تولي نجل فرديناند ماركوس الراحل الذي يحمل اسمه رئاسة البلاد في أعقاب انتخابات هذا الأسبوع، يستحق تاريخ العائلة -أكثر من شغف الأم الحاكمة بالأحذية- بعض التركيز.
بدأ فرديناند ماركوس الأب، الذي توفي بعد ثلاث سنوات من تاريخ إطاحته، مسيرته المهنية ككاذب ومحتال. إذ زعم بأنه قام بأعمال بطولية لمقاومة المحتلين اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية أثبت لاحقاً بأنها ليست سوى معلومات مفبركة إلى حد كبير ألفها المسؤولون العسكريون الأميركيون. وعلى الرغم من إدانته بارتكاب جريمة قتل لدوافع سياسية في شبابه برئ منها لاحقاً، فقد فاز في الانتخابات وتولى المقعد النيابي الذي كان يشغله والده، بعد أن أعدمته قوات المتمردين الفيليبينيين على خلفية تعاونه مع المحتلين اليابانيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما إن فاز ماركوس بالرئاسة في عام 1965 حتى بدأ باتخاذ خطوات هدفها توسيع رقعة نفوذه الخاص وتقويض الديمقراطية النابضة التي سادت في بلاده. وفي مواجهة الاضطرابات الاجتماعية التي تسببت بها سياساته الاقتصادية الفاشلة، فرض القانون العرفي على البلاد في عام 1972 وهو ما شكل بداية حقبة مرعبة من انتهاكات حقوق الإنسان والاغتيالات السياسية التي بلغت ذروتها في انتفاضة عام 1986.
تتميز عائلة ماركوس بأنها دخلت "كتاب غينيس للأرقام القياسية" عن أكبر سرقة في التاريخ من حكومة، إذ سرقت عشرة مليارات دولار من البنك المركزي.
أفادت تقارير بأن الابن البالغ من العمر 64 سنة الذي تابع تعليمه في المملكة المتحدة، والملقب بونغ بونغ، حث والده على فتح النار على خصومه. وإبان عودته من المنفى في عام 1991، استأنف مسيرته السياسية عن طريق تولي المنصب النيابي نفسه الذي شغله قبله جده ووالده.
وقد شاب صعوده السياسي اتهامات باختلاس المال العام. وما يثير القلق أكثر أنه اختار ابنة الزعيم الديكتاتوري المنتهية ولايته رودريغو دوتيرتي نائباً للرئيس، وتعهد بمواصلة السياسات المتشددة وغير الديمقراطية للزعيم الذي ترك السلطة والذي يمنعه الدستور من الترشح مجدداً.
لكن فيما من الظلم تحميل الابن وزر خطايا والده، ما زال على بونغ بونغ أن يكفر عن تجاوزات عائلته الكثيرة أو أن يتحمل مسؤوليتها، ويبدو أنه عازم على تكرارها. وهذا يستحق أن تسلط عليه الأضواء على قدر الانتباه الذي حظيت به مجموعة أحذية والدته في الأقل.
تحية طيبة،
بورزو درغاهي
مراسل دولي
© The Independent