جاهدة وهبي مطربة لبنانية، متفردة في صوتها وألحانها، وفي اطلالاتها الغنائية الطربية الأصيلة وكذلك الحديثة. وهي تميزت في إدائها الجميل لأغنيات تتعدد مصادرها من الصوفي إلى الكلاسيكي والجاز والأوبرا. رئيسة لجنة الثقافة والبرامج في مجلس المؤلفين والملحنين وعضو نقابة الموسيقيين المحترفين في لبنان وجمعية الساسيم الفرنسية. حاصلة على شهادتيّ البكالوريوس في علم النفس والماجستير في التمثيل والإخراج وعلى دبلوم في الأغاني الشرقية، والأنشودة السريانية، وتجويد القرآن، والعزف على عود الشرق الأوسط.
من أديث بياف إلى أم كلثوم
خاضت جاهدة تجارب تمثيلية مسرحية بالإضافة إلى تجارب محدودة في التلفزيون والسينما، ووظفت دراستها الأكاديمية وخبرتها كممثلة لخدمة غنائها، وتقول في هذا الصدد: "خبرتي المسرحية في التمثيل والإخراج تساعدني عندما أغني على المسرح، لأنها تمنحي بعداً درامياً في الأداء والحضور. لكنني أفضل أن أجمع بين التمثيل والغناء كما فعلت في "أوبرا شهرزاد". الأداء التمثيلي والدرامي لا ينفصل أبداً عن غنائي على المسرح، وهو يعكس تلوناً في أدائي يتفاعل معه الجمهور حتى الذي لا يفهم اللغة العربية. كل الملكات التي اختزنتها أكاديمياً أو في الحياة تجعلني أعيش حالة درامية ولا أكون مؤدية فقط. مؤخراً أنجزت مشروعاً بعنوان "هن في مهب النغم: من أديث بياف إلى أم كلثوم"، قدمت فيه شخصيات نسائية مهمة جداً في تاريخنا الموسيقي العربي والعالمي، من بينهن أم كلثوم وأسمهان وأديث بياف وداليدا وفيروز وصباح. وإلى غناء أعمالهن تلبّست روحهن في الأداء حتى أنني مثلت خلال العرض واستبدلت الملابس والأكسسوارات، لكي أتقمص الشخصية والزمن الذي عشن فيه، والطريقة التي يؤدين فيها. أما علم النفس فهو يعطيني خبرة في اختيار الأغاني وفي كيفية التعامل مع السوق الفنية لأننا نعيش عصراً سمعياً ومرئياً بامتياز، وفي عصر السوشيال ميديا، ونحتاج إلى كمّ كبير من النظريات في علم النفس لمواكبة التغيير الذي يحصل في الفن، وخبرة في التعامل معه لأنه مختلف عن ذاك الذي نعرفه والذي عاشه كبارنا في الموسيقى. كما أن علم النفس يساعدني في التعامل مع محيطي الفني من موسيقيين وكورال، ومع منظمي الحفلات وفي اختيار أعمالي والمواضيع وكيفية تقديمها. بل حتى أنه يساعدني في علاقتي مع الجمهور، لكنني لا أتعمده لأنه مختزن في داخلي ولدي باع طويلة فيه".
زمن السوشيال ميديا
وعن الصعوبات التي تواجهها في سعيها إلى مواكبة التغيير الفني والتعامل معه، تقول وهبي: "إن المعايير اختلفت في هذا الزمن عما كانت عليه سابقاً، حين كان بإمكان الفنان الذي يملك صوتاً جميلاً وأداء جيداً، وحضوراً كي يتواجد في المشهد الغنائي. أما اليوم فلا أهمية للموهبة والدراسة والملكات، ويكفي أن يكون لدى الفنان فريق يدير صفحته على السوشيال ميديا لكي يصبح في رصيده ملايين المتابعين. فهذه أصبحت معياراً من معايير النجاح، مع أنها يمكن أن تكون مزيفة". وتضيف: "الفنانون أصحاب الخبرة والتجربة والمعرفة لا يتاح لهم الظهور كما يستحقون، لأنهم لا يملكون معرفة في موضوع السوشيال ميديا، حتى أن البعض غائبون عنها كلياً، وآخرون حاضرون على رغم غيابهم عنها. لذا فالمطلوب من الفنان مواكبة هذا العصر إذا كان يريد رقعة أكبر من التواجد والجمهور، شرط ألا يدخل فيه بشكل عميق، لأن ثمة أموراً أهم وعليه أن يعرف كيف يحقق التوازن بين وجوده وبين ما يقدمه. وأنا شخصياً يهمني أولاً وقبل أي شيء أن أقدم أعمالاً تشبهني، أحبها، تحمل رسالة وتحدث فرقاً عند المتلقي لأنها مختلفة عن السائد".
وعما إذا كنا متجهين نحو الأسوأ فنياً تعلّق وهبي: "بعض الفنانين اللبنانيين حتى المرموقين منهم، لا يترددون بالتعبير عن فرحهم لأن لديهم حساباً عبر "تيك توك" وغيره من التطبيقات. وإحدى الفنانات احتفلت بالمليار متابع على "تيك توك" واعتبرته إنجازاً، مع أنه ليس بإمكان أحد أن يقيّم الحقيقة. لا أحد يعرف ما الذي يمكن أن يستجد مستقبلاً، إذ ربما تحصل ردّة نحو الأصالة أو ربما نحن ذاهبون نحو الأسوأ. لكنني أشعر أن الجيل الشاب مظلوم في ظل الغوغائية السائدة لأنه أكثر تأثراً بالصيحات الجديدة. وأنا أحب أن أتوجه إليه من خلال أعمالي وأن أربطه بموروثنا وبهويتنا الثقافية والحضارية. عندما حصلت "الثورات" اعتقدت أنه يمكن أن تحصل صحوة فنية، ولكنني اليوم أشعر بالتشاؤم لأننا كلما تقدمنا تكنولوجياً ابتعدنا عن الأصالة. صحيح أن التكنولوجيا أحدثت من ناحية صخباً وفوضى، ولكنها من ناحية أخرى أتاحت الفرصة لوجود الجيل الجديد من دون الحاجة إلى منّةٍ من الفضائيات ووسائل الإعلام".
كلاسيك وجاز وأوبرا
في المقابل تؤكد وهبي بأنها لا تشعر بالقلق تجاه الفن الذي تقدمه لأنها لا يمكن أن تساير فنياً أو أن تقدم تنازلات من أجل الوجود، وتعقّب: "أنا لا أقدم إلا الفن الذي يشبهني والذي أحبه وأقتنع به وأرضى عنه. ولكن هذا لا يمنعني من أن أفكر بتطوير تجربتي في ظل كل ما يحصل لكي أظل مستمرة، خصوصاً أنّ ليس من شركة إنتاج أو ممول يقدمان لي الدعم وكل ما بنيته حتى اليوم اعتمدت فيه على نفسي. جمهوري يزداد عدداً مع الوقت والناس تتلقف أعمالي بشكل جميل لأنني أقدم أعمالاً مختلفة عن السائد. الله أنعم علي بنعمة صوت يسمح لي بالتجول بين أنماط موسيقية عدة من الصوفي إلى الكلاسيكي والجاز والأوبرا، ووجودي في المهرجانات المهمة في مختلف المدن الكبيرة، هو أكبر دليل على أن جمهوري صار أكبر في حين أن هناك فنانين يملكون حضوراً واسعاً على السوشيال ميديا ولكنهم غير موجودين عملياً مع الناس، في الحفلات وفي المهرجانات المهمة. ويسعدني وجود الجيل الشاب في حفلاتي، وبفضل الأغنيات والألبومات التي قدمتها أخيراً والتي اعتمدت فيها التوزيع المعاصر والأفكار الجديدة، نجحت باستقطاب هذا الجيل بينما عندما كنت أقدم الأعمال الكلاسيكية والتراثية كان معظم جمهوري من الجيل الأكبر سناً أو المعتاد على سماع الطرب".
الشعر الصوفي
علاقتها بالقصيدة فيها الكثير من الحب والعشق والشغف، وهي قدمت بصوتها قصائد لكبار الشعراء أمثال جلال الدين الرومي وأبو فراس الحمداني وابن العربي ومحمود درويش وبدر شاكر السياب وجبران خليل جبران وأدونيس، وكأنها كانت تتحدى نفسها في غناء أهم القصائد وأصعبها. وغنت أيضاً للميعة عباس عمارة وطلال حيدر وأحلام مستغانمي وغيرهم، وحول هذا الموضوع تقول: "منذ الطفولة وأنا أدمن قراءة الشعر، وهناك قصائد كنت أحلم بغنائها وأخرى تعرفت إليها أو إلى مؤلفيها عن طريق الصدفة، ولكنني لم أتعمد غناء قصائد الكبار. يجب أن تسكنني القصيدة لكي أغنيها وألحنها ولكي أعطيها بعداً موسيقياً، وهناك قصائد تسكنني إلى حد القلق وتسبب لي مرضاً لا أستطيع الشفاء منه، إلا عندما أغنيها وألحنها وأقدمها للناس. أحببت شعر الصوفيين كثيراً كما أحببت تقديمه للناس. وهناك قصائد كانت تختارني قبل أن أختارها. أما عند غنائي للقصائد المعروفة عند الناس، فأكون في تحد مع نفسي لكي أستخرج أشياء جميلة من ذاتي ولكي أكون جاهدة الجميلة وأن أذهب بها إلى مكان أكثر خصوبة ونقاء وجمالاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن سبب غياب الشاعر نزار قباني عن أعمالها واكتفائها بغناء قصيدته "المطر"، توضح: "أنا مقلة في الغناء له ولكنني قدمت له أمسيات كاملة، وحاليا أحضر لقصيدة جديدة له تعاونت فيها مع الملحن المغربي يونس الأزلي".
إلى الغناء تستعد وهبي لإصدار الجزء الثاني من كتابها "الأزرق والهدهد: عشق في الفايسبوك"، وهي تقول عن تجربتها ككاتبة: "أحياناً أكتب كلمات أغنياتي وأحياناً أخرى مقالات تعليقاً على مواضيع ثقافية أو فنية لها علاقة بالشعر والموسيقى. أما إصداراتي في الكتابة فهي كتاب واحد يتناول تجربة شخصية حول العلاقات الافتراضية التي تنشأ عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهو حظي بالترحاب من القراء وفي معارض الكتاب. وسوف يكون هناك جزء ثان منه، ولكنها خطوة مؤجلة ولن أصدره في الفترة القريبة حالياً لأنني بصدد التحضير لإصدارات موسيقية ومشاريع فنية، من بينها أغنية جديدة من ضمن ألبوم جديد تعاونت فيه مع الأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي. والأغنية من ألحاني وتوزيع مايك ماسي، كما هناك مشروع آخر مع الأخوين ساري وعياد خليفة، وهو عبارة عن ألبوم جاهز أصدرنا منه أغنية واحدة، بالإضافة إلى التحضير لمشروع مسرحي مع جواد الأسدي وربما يتحول إلى فيلم سينمائي".