كشفت هيئة رقابية بريطانية أن الناس في إنجلترا يُضطرون للعيش في حال من الألم، لعدم قدرتهم على زيارة عيادة طب أسنان تكون تابعة لـهيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" (أن أتش أس) NHS.
وتوضح تلك الهيئة المعروفة باسم "هيلث ووتش إنغلاند" Healthwatch England [تُعنى بجمع آراء مستخدمي خدمات الرعايتين الصحّية والاجتماعية، لتحديد الجوانب المطلوب تحسينها، والتأثير في خطط مقدّمي الخدمات] إن المشكلة تفاقمت بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة، إضافةً إلى توقّف تلك العيادات عن استقبال مرضى جدد.
وأضافت الهيئة التي تمثّل المرضى، أن بعض هؤلاء يعانون من الألم، وهم غير قادرين على الكلام أو تناول الطعام بشكل صحيح، لأنهم لم يتمكّنوا من الحصول على علاج. وكذلك أشارت الهيئة إلى أن أشدهم معاناةً هم الذين ينتمون إلى الطبقة الأشدّ فقراً في البلاد، والأقل قدرةً على تحمّل نفقات الرعاية الصحّية في عيادات الأسنان الخاصّة.
وكذلك توضح هيئة الرقابة أن الأزمة أوجدت نظاماً يعمل ضمن مستويين متفاوتين، ما يسهم في زرع الفرقة بين الأغنياء والفقراء. وقد دعت الحكومة إلى اتّخاذ "خطواتٍ عاجلة" لحلّ هذه المسألة.
ووفق المديرة الوطنية لهيئة "هيليث ووتش إنغلاند"، لويز أنصاري، فإن "الأزمة تزداد تفاقماً، فيما يتسبب النقص في التوظيف ضمن مرافق "خدمات الصحّة الوطنية" في نشوء نظام يعمل ضمن مستويين متفاوتين في قطاع طبّ الأسنان، ما يوسّع فجوة عدم المساواة، ويضرّ بصحّة المجتمعات الأكثر حرماناً".
وتضيف أنصاري، "مع اضطرار الملايين من الأسر إلى تحمّل وطأة تكاليف المعيشة المتزايدة، لم يعد العلاج في القطاع الخاص خياراً متاحاً لها، حتى أن رسوم "الخدمات الصحّية الوطنية" ربما باتت تشكّل تحدّياً لها كذلك. بالتالي، يتعيّن على الحكومة أن تولي هذه المسألة اهتماماً عاجلاً إذا ما أرادت التزام خطّتها الرامية إلى تحسين أوضاع المناطق، ومعالجة الفوارق الصحّية".
وتتابع المسؤولة في تلك الهيئة الرقابية، "إننا ندعو مرّةً أخرى وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية و"هيئة الخدمات الصحّية الوطنية في إنجلترا" (أن أتش أس إنغلاند) NHS England ، إلى اتّخاذ خطوات عملية وملحّة بهدف تفعيل خطط الإصلاح المتعلّقة بقطاع طب الأسنان، من أجل توفير رعاية صحّية عادلة وشاملة للمرضى. ونحن نوصي بشدّة بضرورة إبرام عقد جديد لطب الأسنان قبل أن تتولى مجموعة "أنظمة الرعاية المدمجة" Integrated Care Systems (ICSs) [شراكات تجمع بين مقدّمي خدمات "أن أتش أس" وسلطاتٍ محلّية وشركاء محليّين] المسؤولية الرسمية عن طب الأسنان اعتباراً من شهر أبريل (نيسان) المقبل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ردٍّ على هذه الدعوات، أفاد متحدّث باسم وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية، "نحن ملتزمون بمعالجة هذه القضايا كجزء من جدول أعمال في خطة تحسين أوضاع المناطق التي أقرّتها الحكومة، ونعمل على تعزيز مستوى الخدمات الصحّية لإتاحة وصول الأفراد إليها بسهولة، إضافة إلى النظر في خطط إصلاح النظام".
وتُعتبر عيادات طب الأسنان التابعة لـ"خدمات الصحّة الوطنية" في منطقة "سومرست" بجنوب غربي إنجلترا، من بين تلك التي تثير قلق هيئة "هيلث ووتش إنغلاند" الرقابية بشكل خاص. إذ تورد الهيئة الرقابية إن السكان في مختلف أنحاء تلك المقاطعة لم يتمكّنوا من التسجيل كمرضى جدد لإجراء فحوص طبّية روتينية لأسنانهم.
ووفقاً للهيئة الرقابية "هيلث ووتش سامرست" Healthwatch Somerset [التي تمثل مصالح سكّان المقاطعة في ما يتعلق بالرعايتين الصحّية والاجتماعية]، فإن ثلث المكالمات التي تلقّتها خلال الأشهر الثلاثة الممتدة حتى فبراير (شباط) 2022، كانت تتعلّق بمشاكل في الحصول على خدمات طب الأسنان التابعة لـ"أن أتش أس"، ومن بينها عدد من المكالمات في شأن أطفال وحوامل، أو من قبل أشخاص لا يستطيعون تحمل تكاليف الرعاية الطبّية في القطاع الخاص.
وكذلك نبّهت الهيئة إلى أن بعض المسنّين في دور الرعاية أُزيلَتْ أسمائهم من لوائح أطباء الأسنان المدرجين لدى هيئة "خدمات الصحّة الوطنية"، بعدما تخلّفوا عن الحضور إلى مواعيدهم خلال فترة تفشّي الوباء.
في السياق نفسه، يُشار إلى أن الكثير من أطباء الأسنان التابعين لـ"أن أتش أس" يعمدون إلى شطب المرضى من قوائمهم إذا لم يحضروا موعداً خلال فترة زمنية محدّدة.
وفي أحد الأمثلة على ذلك، انتقلت ليديا ديفيس البالغة من العمر 27 سنة، وهي إحدى المريضات في "سامرست"، إلى منطقة "بريدج ووتر" في مطلع عام 2020. وقد ذكرتْ أنها لم تتمكّن من العثور على طبيب أسنان تابع لـ"الخدمات الصحّية" ضمن أي وجهة يمكن الوصول إليها في غضون ساعتين.
ونقلت تلك المريضة إلى وكالة أنباء "برس أسوسيشن" أنها عانت أحد أشكال التهابات اللثة، مع نزيف متكرّر في لثتها لدى تنظيف أسنانها بالفرشاة، وأنها كانت بحاجة لوضع حشوتين جديدتين ولخلع أضراس العقل. وأضافت أنها بعدما عجزت عن العثور على عيادة أسنان تابعة لـ"أن أتش أس" في منطقتها، اضطُرت إلى اللجوء إلى عيادة خاصّة.
وتابعت، "خلال وجودي في عيادة طبيب الأسنان، وبعد الاستماع إلى قائمة العلاجات التي أحتاج إليها وتصل كلفتها إلى 1100 جنيه استرليني (1357 دولاراً) أجهَشْتُ بالبكاء. وكانت هذه التكاليف منفصلة عن رسم الاستشارة الطبّية الذي تصل قيمته إلى 50 جنيهاً استرلينياً (61 دولاراً) وكان عليّ تسديده للحصول على موعد".
وأضافت، "كلما تناولت وجبة وأحسستُ بوخز ما، يتملّكني ذعر شديد خشية حدوث أمر مروّع آخر. أشعر بالقلق باستمرار وهذا الأمر يؤثر كثيراً في صحتي وسلامتي العقلية".
وكذلك اعتبرت ليديا أن "ليس من العدل أن يستخدم الأشخاص الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة خدمة عيادات طب الأسنان الحكومية التابعة لهيئة "أن أتش أس" والمتوافرة بسعرٍ زهيد، فيما يُضطر آخرون من ذوي الدخل المنخفض إلى الاقتراض وتكبّد ديونٍ للاعتناء بصحّتهم".
ولفتت ليديا إلى أنه "ليس هناك من خيار متاح للحصول على علاج للأسنان في عيادات خاصّة بكلفة معقولة. حتى استخدام عبارة "كلفة معقولة" للحصول على علاج طبّي للأسنان لدى عيادة خاصّة، يُعَدّ بمثابة صفعة على الوجه بالنسبة إلى الذين يدفعون ضرائب طائلة من أجل تلقّي خدمة صحّية حيوية لا يمكنهم الحصول عليها".
وفي سياق متصل، تبيّن من خلال استطلاع شمل أكثر من ألفي شخص بالغ في إنجلترا، بتكليف من هيئة "أن أتش أس"، أن نحو نصف المشاركين زاروا طبيب أسنان تابعاً للهيئة الحكومية خلال العامين الماضيين.
ومن بين هؤلاء، أورد 41 في المئة إنه كان من الصعب حجز موعد، فيما أفاد 20 في المئة بأنهم لم يتمكّنوا من الحصول على جميع العلاجات التي يحتاجون إليها، وأشار 17 في المئة منهم إلى أنهم اضطروا إلى اللجوء للعيادات الطبّية الخاصة وتكبّد كلفة استشاراتها.
ومن بين المشاركين في الاستطلاع ممن لم يزوروا طبيب أسنان يعمل مع الخدمات الصحّية، لم تكن غالبية أولئك الأشخاص في حاجة لعلاج، أو أنهم اختاروا عدم زيارة طبيب أسنان، أو كانوا مستعدّين لدفع تكاليف الرعاية الطبّية الخاصّة. في المقابل، أعرب 21 في المئة منهم عن رغبتهم في ارتياد العيادات الطبّية الحكومية لكنهم لم يتمكّنوا من العثور على أيّ خدمات متوافرة في منطقة سكنهم.
في ذلك الصدد، أشار شون تشارلوود رئيس لجنة أطباء الأسنان العامّين في "جمعية طب الأسنان البريطانية" British Dental Association إلى أن "تلك الهيئة [الخدمات الصحية الوطنية] كانت تعاني من تعثّر مالي لأكثر من عقدٍ من الزمن، الأمر الذي جعل مرضانا يدفعون أكثر كي تتمكّن وزارة الخزانة البريطانية من أن تدفع أقل".
وكذلك اعتبر أن "الخيارات التي اتّخذتها الحكومة أدّت إلى مغادرة أطبّاء الأسنان عملهم لدى "الخدمات الصحّية"، فيما تُرك ملايين الأشخاص بلا رعاية يحتاجونها. حينما تحدث مشكلة في دوائر "وايتهول" الحكومية يتعيّن إيجاد حلّ لها في "وايتهول"، من خلال إصلاح حقيقي وتمويل عادل".
في سياق موازٍ، تناول متحدّث باسم هيئة "أن أتش أس" تلك المعطيات عبر إشارته إلى أن "طب الأسنان هو خدمة مهمّة في القطاع، ولهذا السبب اتّخذنا إجراءاتٍ غير مسبوقة لدعم أطبّاء الأسنان التابعين للهيئة، بما في ذلك توفير الحماية المالية للقطاع، لضمان مواصلة عيادات طب الأسنان تقديم خدمات قيّمة للمرضى، والالتزام بتخصيص ما يصل إلى 50 مليون جنيه إضافية (61.5 مليون دولار) للأشخاص الذين يحتاجون إلى الرعاية العاجلة".
وعلى نحوٍ مشابه، جاء تعليق ناطق باسم وزارة الصحّة والرعاية الاجتماعية، إذ ذكر أنه "لقد منحنا هيئة "الخدمات الصحّية الوطنية" 50 مليون جنيه (61.5 مليون دولار) لتمويل ما يصل إلى 350 ألف موعد إضافي لطب الأسنان، ونعمل على تنمية القوى العاملة كي يتمكّن الناس من الحصول على العناية التي يحتاجونها لأسنانهم".
وأضاف المتحدّث الحكومي، "طيلة فترة الوباء، كُنّا نطلب من أطباء الأسنان إعطاء الأولوية في ما يتعلّق بالقدرات المتاحة للفئات الضعيفة وأصحاب الاحتياجات الملحّة، مع مواصلة توفير الرعاية المجّانية للأسنان لفئات أخرى كالنساء الحوامل والشباب وذوي الدخل المنخفض".
وختم المتحدث نفسه تصريحه بالإشارة إلى أنه "الآن فيما نتعلّم كيف يكون التعايش مع "كوفيد"، فإننا ملتزمون تحسين النتائج الصحّية، بما في ذلك ما يرتبط بمشكلات طب الأسنان، في مختلف أنحاء البلاد، وضمان أن تكون لكلّ فردٍ فرصة ليعيش حياة أطول وبصحّة أفضل، بغضّ النظر عن خلفيته".
نشر في "اندبندنت" بتاريخ 10 مايو 2022
© The Independent