عاد الحديث في الجزائر مجدداً حول نجوم وسائط التواصل الاجتماعي "المتهمين بالاحتيال"، بعد إعلان القضاء تأجيل محاكمتهم ورفض الإفراج عنهم مؤقتاً لمرة أخرى، وبقدر ما عبرت أطراف عن تضامنها مع المتهمين، دقت القضية ناقوس خطر بشأن ما يجري في الفضاء الأزرق.
قالت العدالة الجزائرية إن محكمة "الدار البيضاء" شرق العاصمة قررت إرجاء محاكمة المتهمين: الممثلة ومقدمة البرامج نوميديا لزول، وفاروق بوجملين المعروف باسم ريفكا، وأبركان محمد المعروف باسم ستانلي، والقاصر إيناس عبدلي، إضافة إلى مدير الشركة الوهمية التي احتالت على الطلبة، رزقي أسامة، وآخرين ملاحقين في القضية بلغ عددهم 14 متهماً، بينهم 11 موقوفاً، إلى 19 مايو (أيار) الحالي، بناء على طلب تقدمت به هيئة المحكمة بغية السماح بتعيين ممثل قانوني للشركة واستدعاء الضحايا الغائبين.
ويواجه المتهمون اتهامات بالنصب الموجه للجمهور، ومخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وتبييض الأموال باستعمال تسهيلات يضمنها النشاط المهني في إطار جماعة إجرامية منظمة، والتزوير واستعمال المزور في محررات مصرفية، والتزوير واستعمال المزور في وثائق إدارية. وفي حين يعتبر تأجيل القضية الأول من نوعه، يبقى رفض الإفراج المؤقت متكرراً في ظل استمرار الطلب، وآخره في فبراير (شباط) الماضي.
القضية "الفضيحة" واعترافات المتهمين
كانت السلطات الجزائرية أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي عن إلقاء القبض على شبكة وصفتها بالإجرامية، توهم ضحاياها بالتسجيل ومزاولة الدراسة في أوكرانيا وتركيا وروسيا، ووقع في شباكها أزيد من 75 طالباً جزائرياً. وتفجرت القضية عندما كشف عدد من الطلبة عن تعرضهم للاحتيال من قبل الشركة الوهمية التي قبضت مبالغ تقدر بعشرين ألف يورو (20.82 ألف دولار) عن كل طالب، لقاء تسجيلهم في جامعات أوكرانية وتركية وروسية، تتضمن مصاريف الإقامة وشقة سكنية، قبل أن يفاجأ الطلبة بعد وصولهم إلى الجامعات، بأنها لم تسدد سوى مستحقات ثلاثة أشهر دراسة وغرفة في فندق ليلتين فقط، بالإضافة إلى تحملهم أعباء مالية إضافية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعرضت مصالح الأمن بعض المشاهد من اعترافات المتهمين "الذين استغلوا شهرتهم للدعاية والإشهار لصالح شركة تتحايل على الطلبة"، وأقروا بتسلمهم أموالاً من الشركة الوهمية، تتراوح بين 1500 و27 ألف يورو (1500 و28.11 ألف دولار). في المقابل، تم عرض إقرارات لعدد من الطلبة الضحايا وأوليائهم، الذين قدموا شهادات بتعرضهم للاحتيال ودفع مبالغ مالية كبيرة نظير عروض وهمية.
خطر على القيم والتقاليد
إلى ذلك، يرى أستاذ علم الاجتماع، يوسف شاطري، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الفضاء الأزرق بما فيه عالم "إنستغرام" يشكل خطراً على القيم الأسرية والتقاليد المجتمعية والمعايير الإنسانية، بعد أن ارتبط مفهوم الشهرة والمال بنشر الأمور التافهة وبممارسات النصب والاحتيال. مضيفاً أن قضية هؤلاء المؤثرين تحولت بسرعة البرق إلى قضية رأي عام، لأنها تتعلق بطلبة وطلاب علم، الأمر الذي يكشف عن وجود قضايا أخرى صامتة لأنها تمس ضحايا "غير مهمين"، أو لأنهم لم يبلغوا الجهات المعنية خشية تعرضهم للانتقام أو تجنباً لنظرة العائلة والمجتمع، ولعل قضايا الشرف والجنس والتحرش والسرقة التي باتت منتشرة بقوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أهم ما يجب الوقوف عنده.
ويواصل شاطري أنه يمكن أن يحصل المؤثرون على البراءة في حال عدم ثبوت إدانتهم، وهو ما تتوقعه أطراف عدة بعد رمي الآخرين بالتهم الثقيلة جداً التي تحتاج إلى مراجعة دقيقة لملف القضية والأدلة، مشككاً في حقيقة من يطلق عليهم "المؤثرون"، الذين يرى أنهم "وجوه قد تكون بأرقام من سراب، ولكنها تحدث مخاطر تهدد كيان الأسر والمجتمع وتمهد لجرائم عنيفة".
قانوناً، تعتبر الحقوقية، فاطمة بن براهم، أن وضع المؤثرين رهن الحبس المؤقت يكشف عن حجم الضرر الذي خلفته الجريمة في المجتمع، وكذا من أجل أن يكونوا عبرة لمستخدمي "إنستغرام"، وأبرزت أن هذا الفضاء تحول إلى ساحة لممارسة الفساد الأخلاقي والاقتصادي والتأثير بغاية النصب والاحتيال.