تحول الغرب الليبي من جديد إلى بؤرة مشتعلة بسبب التوترات الأمنية بين الكتائب المسلحة المتنازعة على النفوذ في مدنه الكبيرة مع تجدد الاشتباكات المسلحة في بني وليد وطرابلس وصرمان، في حين لا يزال النفط محط صراع بين الأطراف السياسية بسبب الخلافات على تقاسم ما يدره من موارد.
الفصل الجديد في هذا النزاع، الذي احتدم بالمنافسة بين الحكومتين المتنازعتين على السلطة في البلاد، كان إعلان رئيس مجلس النواب تجميد إيرادات النفط إلى حين التوصل لصيغة توافقية بشأن اقتسام موارده. وزاد السفير الأميركي سخونة المشهد، بتصريحات جديدة مثيرة للجدل ألمح فيها إلى عدم قانونية ترشح نجل الرئيس الليبي السابق سيف الإسلام القذافي لمنصب رئاسة الدولة، ما أشعل موجة غضب بين أنصاره في ربوع البلاد.
نزاع جديد في العاصمة
عاشت العاصمة الليبية طرابلس ليلة جديدة على وقع الاشتباكات العنيفة التي اندلعت هذه المرة في منطقة جنزور، غرب المدينة. وبينت مقاطع فيديو تداولها نشطاء على مواقع التواصل، تبادلاً لإطلاق النار بالأسلحة الثقيلة قرب محطة الكهرباء في جنزور مع تصاعد لأعمدة دخان كثيفة في محيط المحطة.
وفي حين لم تصدر أية جهة رسمية في العاصمة توضيحاً بشأن هذه الاشتباكات وأطرافها، قالت مصادر محلية وصحافية متطابقة، إن الاشتباكات دارت بين كتيبة "فرسان جنزور" وكتيبة "55" من ورشفانة، بإمرة معمر الضاوي، التابعة لما يعرف بـ"جهاز الدعم والاستقرار"، بعد أيام من التوتر بين الطرفين على خلفية مقتل قيادي في الكتيبة الثانية، قبل أيام، أثناء مداهمة للقبض عليه.
وجاءت الاشتباكات بعد يوم واحد من صدامات مسلحة شهدتها مدينة بني وليد الواقعة جنوب شرقي طرابلس، عقب اعتقال أشخاص على يد قوة تابعة للواء "444 قتال" التابع لرئاسة الأركان في العاصمة. وتضاربت الأنباء بشأن طبيعة العملية الأمنية التي نفذها اللواء في بني وليد وتسببت في إشعال هذه الاشتباكات، إذ قال شهود عيان، إن عناصر تابعة له داهمت أوكاراً لمهربي البشر، ما أدى إلى اشتباكات مسلحة بين الطرفين سُمع دويها في أرجاء المدينة.
من جانبه، قال اللواء، إن "المفارز القتالية الصحراوية التابعة له كثفت دورياتها وطلعاتها بمناطق جنوب مدينة بني وليد، بعد ورود بلاغات عن تحركات يشتبه أن تكون لأفراد تابعين لتنظيم (داعش) في المنطقة". وأكد أن "وحداته القتالية شنت، السبت، حملة مكثفة لتمشيط الأودية والسهول والهضاب الواقعة في تلك المناطق التي يشتبه بوجود أفراد لهذا التنظيم الإرهابي بها".
طرابلس على صفيح ساخن
يبدو أن طرابلس تستعد كالعادة لأن تكون مسرحاً رئيساً تتنازع فيه الفصائل المسلحة لبسط النفوذ وتصفية حساباتها خلال الأيام المقبلة، بعد تصاعد التوتر الأمني في المدينة على أثر تعرض مساعد بارز لرئيس جهاز دعم الاستقرار التابع لحكومة الوحدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، عبد الغني الككلي (إغنيوة)، لمحاولة اغتيال فاشلة بأحد شوارع المدينة.
في ملف النفط، قرر رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، تجميد إيرادات النفط في مصرف ليبيا الخارجي، لحين وضع آلية تضمن استفادة كل الليبيين من مداخيله بما يحقق العدالة والمساواة للجميع، بعد أيام من إعلان رئيس الحكومة المكلفة، فتحي باشاغا، نهاية أزمة إغلاق المواقع النفطية على يد محتجين، وهو ما لم يتم بشكل فعلي.
وقال صالح في بيان رسمي، إن "حجز إيرادات وعوائد الصادرات النفطية يأتي حفاظاً على مصلحة الليبيين ولضمان الاستفادة من ارتفاع سعر النفط في الوقت الحالي، ما يتطلب الاستمرار في ضخه وانتظام عمل المنشآت الحيوية وحمايتها من العبث والفساد وإهدار المال العام".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قرار رئيس البرلمان، الذي يتوقع أن يثير خلافات كثيرة بين أطراف المشهد الليبي، جاء بعد مطالب رئيس لجنة الطاقة والموارد الطبيعية بمجلس النواب عيسى العريبي "تجميد إيرادات النفط إلى حين الوصول إلى آلية توزيع عادلة للإيرادات النفطية بالتساوي لكل أبناء الشعب الليبي".
وجاء القرار في وقت يواصل محتجون قفل ميناء الزويتينة النفطي وحقلي الفيل والشرارة جنوب البلاد، مطالبين بتمكين الحكومة الليبية برئاسة فتحي باشاغا من تولي مهامها في العاصمة طرابلس، وإقالة رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله، على الرغم من إعلان باشاغا نهاية هذه الأزمة.
وكان باشاغا دعا مصطفى صنع الله في وقت سابق لتحديد آلية لإدارة العوائد النفطية بشكل شفاف، تزامناً مع دعوة مشابهة أطلقها السفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، الذي طالب بدوره بفتح الموانئ والحقول النفطية بشكل فوري.
مطالب عادلة
قال المستشار السياسي لرئيس مجلس النواب، فوزي نجم، إن "قرار تجميد الإيرادات النفطية كان اضطرارياً من عقيلة صالح، بعد استنفاد كل الجهود لضمان عدالة توزيع الثروات في ليبيا والتحذير المستمر من ذهابها إلى فئة قليلة من المستفيدين، واستخدامها لغير أغراضها في تحقيق التنمية وخدمة الشعب وتوفير احتياجاته الأساسية".
وأضاف نجم لـ"اندبندنت عربية"، "مايدعم عدالة المطالب التي أدت إلى اتخاذ القرار الصعب هو الحديث الدولي عن عدم استخدام الموارد النفطية في محلها الصحيح والظلم في توزيعها، ما يؤكد صدق هذه الادعاءات، وخصوصاً بعد المقترح الأميركي بشأن استحداث آلية شفافة لتوزيع الدخل النفطي في ليبيا".
دعم أميركي للقرار
من جانبها، أعلنت السفارة الأميركية في ليبيا دعمها التام لـ"التجميد المؤقت لعائدات النفط في حساب المؤسسة الوطنية للنفط لدى المصرف الليبي الخارجي، حتى يتم التوصل إلى اتفاق بشأن آلية إدارة الإيرادات". وقالت السفارة، في بيان، السبت، إن "من الواجب أن تتضمن الآلية اتفاقاً على النفقات ذات الأولوية وتدابير الشفافية وخطوات لضمان الرقابة والمساءلة".
وأكدت "استعداد الولايات المتحدة لتقديم المساعدة الفنية بناء على طلب الأطراف الليبية لوضع الآلية". وأشارت إلى "أهمية استعادة إنتاج النفط الليبي، والحفاظ على آلية لإدارة شفافة لعائداته، بحسب ما ناقشته الأطراف الليبية في اجتماعها، مطلع أبريل (نيسان) الماضي".
وبعد ساعات قليلة من إعلان عقيلة صالح تجميد إيرادات النفط حتى إشعار آخر، أعلن محتجون في طبرق، إغلاق ميناء الحريقة النفطي. وأكد المحتجون، في بيان مصور رفضهم الاستجابة والتفاوض إلا مع جسم شرعي من دون تحديد هويته، وقال البيان، "لن نتفاوض إلا مع جهة سنعتبرها هي الشرعية التي تحقق تطلعات الشعب، وندعو كافة أبناء الوطن للوقوف أمام هذه المؤامرة التي تستهدف وطننا الغالي".