أظهرت السعودية وإيران رغبة جادة هذه المرة بطيّ صفحة الخلاف بينهما أو التخفيف من حدته، على الرغم من أجواء التشكيك التي صاحبت محاولة الطرفين تقريب وجهات النظر بينهما في البداية، خصوصاً من جانب الرياض التي لا ترى خطوات عملية من طهران تدفع إلى أخذ ما تقوله من رغبة بـ"الحوار وحسن الجوار" على محمل الجد.
لكن مسارعة الجانب الإيراني كل مرة إلى تسريب مواقيت وأجواء المحادثات السرية مع السعوديين، أوحى للمراقبين بأن النظام هناك في عجلة من أمره ليصلح جانباً من مشكلاته مع جارته الإقليمية الأكثر إصراراً على كبح جماح مشروع إيران الذي يوصف بـ"التخريبي" في الخليج والمنطقة العربية.
وفي حين تحدث مسؤول إيراني الشهر الماضي عن "جو إيجابي" ساد المحادثات بين الدولتين، استعجل آخر هذه المرة إعلان عقد الجولة السادسة، مفيداً بأنها ستكون أعلى تمثيلاً من السابقات بجمعها وزيري الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في خطوة قد تبرهن على أن اللقاءات التي قلل الطرفان معاً من أهمية مراحلها الأولى، آتت بعض أكلها.
أعلن ذلك عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني جواد كريمي قدوسي في تصريح لوكالة "فارس" الرسمية، مفيداً بأنه "تم التوصل إلى اتفاقات أولية بين طهران والرياض، وفي المستقبل القريب، سيعقد اجتماع بين وزيري خارجية إيران والسعودية"، في لقاء تقرر عقده في بغداد، "لمناقشة القضايا الثنائية وفتح السفارات وكذلك القضايا الإقليمية، بخاصة الأزمة اليمنية"، إلا أن قناة "الشرق" السعودية نقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية السعودية االثلاثاء قوله "إنه لم تتم جدولة أي اجتماع بين وزيري الخارجية في البلدين"، فيما ذكرت وكالة "إرنا" الرسمية عن متحدث الخارجية الإيرانية نفيه حدوث "أي تطور جديد في الحوار الإيراني السعودي".
"دفء يبث اليأس"
وتدعم إيران ميليشيا الحوثي التي انقلبت على الحكومة الشرعية التي تساندها السعودية والإمارات في ظل التحالف العربي وتأييد من المجتمع الدولي، بالصواريخ والطائرات المسيّرة التي استهدفت بها منشآت مدنية في كل من السعودية والإمارات والداخل اليمني خارج سيطرتها.
لكن طهران أعربت أمس الاثنين عن أملها في تنمية العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة بعد تولّي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئاسة الدولة الخليجية عقب وفاة أخيه غير الشقيق.
وخفض البلدان مستوى علاقاتهما الدبلوماسية عام 2016 بعدما قطعت إيران والسعودية علاقاتهما.
وهنّأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الاثنين الشيخ محمد بن زايد بانتخابه رئيساً لدولة الإمارات، وفق ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة الإيرانية نقلته وكالة "إرنا" الرسمية.
وجاء في النسخة العربية للبيان على "إرنا" "تطلع آية الله رئيسي في برقية التهنئة، بأن تشهد العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولة الإمارات العربية المتحدة، التي أرست منذ عهد الفقيد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، مزيداً من النمو في عهد رئيسها الجديد وبما يشمل كافة المجالات التي تخدم مصالح البلدين".
وغادر عبد اللهيان طهران صباح الاثنين متوجّها إلى أبو ظبي لتقديم واجب العزاء بالشيخ خليفة، وفق الوزارة، على الرغم من اعتبار النظام في طهران إقامة الإمارات العلاقات مع إسرائيل عام 2020، تهديداً لها وتخلياً عن الفلسطينيين، وهو ما ترفضه دول الخليج التي ترى أنها قدمت للقضية الفلسطينية على المستويات كافة ما لا يُحصى، فيما يتوقف الدور الإيراني على "المزايدات والشعارات" بحسب رأيهم.
وأكد عبد اللهيان في أبو ظبي للشيخ محمد بن زايد أن "دفء العلاقات بين الدول الجارة يبث اليأس في نفوس أعداء المنطقة"، وفقاً لوكالة "إرنا" الرسمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تطلع إلى مرحلة أبعد
وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الذي تستضيف بلاده اللقاء بين جارتيها الكبيرتين، أعرب عن أمله خلال زيارة إلى طهران منتصف أبريل (نيسان) الماضي، في أن "نصل إلى مراحل أخرى من هذا الحوار (...) وننقل الحوار من حوارات مغلقة أو حوارات سرية أو حوارات على المستوى الأمني، إلى حوارات دبلوماسية وحوارات علنية"، وهو ما قد نرى جزءاً منه يتحقق في الجولة السادسة المقبلة، إذا ما تمت بين رأسَي دبلوماسية البلدين، وهو ما نفى مصدران في البلدين تأكيده حتى الآن.
لكن الأمير فيصل بن فرحان علّق في وقت سابق على التقدم في الحوار مع إيران بوجود "رغبة جدية لوقف التصعيد" والعمل على منطقة أكثر استقراراً.
حوار محاط بالشكوك
وفي تعليق على الجولات الأربع الأولى من المحادثات، قال الفرحان إنه "على الرغم من غياب تقدم جوهري، إلا أن هناك إمكانات كبيرة من أجل التقدم إلى الأمام، وهذا بالتأكيد يتطلب من إيران وجود رغبة جدية بالتصدي للقضايا القائمة، ونحن نأمل في أن تكون هناك رغبة جدية بإيجاد مقاربة. السعودية مهتمة بعلاقة إيجابية مع إيران بما يقدم الفوائد لكلا البلدين".
وتابع "نحن في السعودية نركز على رؤيتنا الوطنية 2030، ونتمنى أن تحقق التنمية المستدامة للمملكة والمنطقة الأوسع، ونتطلع إلى أن نكون شركاء مع جميع جيراننا، بما في ذلك إيران، لكن هذا سوف يحتاج إلى تعديل الأولويات الاستراتيجية في المنطقة. لم نرَ هذا، بخاصة مع التصعيد الأخير الذي جرى، ويشير إلى عدم وجود التزام كامل من طهران".
ويعتقد مدير المعهد الدولي للدراسات الإيرانية محمد السلمي أن محاولة إيران الراهنة لإحراز تقدم في حوارها مع السعودية، يعود إلى مواجهتها ضغوطاً داخل البلاد وخارجها. ففي الشق الدولي، تريد من الحوار "الالتفاف على المطالب الدولية عبر الإيهام بأنها في طريقها لحل إشكالاتها مع دول المنطقة مباشرة، من دون الحاجة إلى إدماجها في الاتفاق النووي".
وعلى الصعيد المحلي الذي يشهد توتراً متزايداً، يرى السلمي أن حكومة رئيسي في طهران تريد إقناع المحافظين بأنها "قادرة على حلحلة الإشكاليات الإقليمية على عكس حكومة الرئيس السابق حسن روحاني وفريقه الدبلوماسي. إلى جانب ذلك، كانت هناك أهداف إيرانية مرتبطة بالداخل العراقي، والسعي إلى المحافظة على المكتسبات التي حققتها طهران بعد احتلال العراق في 2003".
تفاؤل حذر
إلى ذلك، أعربت وسائل إعلام إيرانية عن ارتياح طهران لمخرجات الجولة الماضية من المحادثات بينها والرياض التي عقدت في بغداد، مؤكدة أنها تبعث على "التفاؤل باستئناف العلاقات الثنائية" بين الجارتين الإقليميتين.
وقُطعت العلاقات بين القوتين النافذتين في منطقة الخليج منذ مطلع 2016. إلا أن البلدين اللذين يقفان على طرفَي نقيض في مختلف الملفات الإقليمية، أجريا خلال العام الماضي أربعة لقاءات حوارية وهذا العام واحداً بهدف تحسين العلاقات، استضافها العراق بتسهيل من رئيس وزرائه مصطفى الكاظمي، الذي نجح في كسب ثقة الرياض لإعادة علاقة بلاده بها على نحو غير مسبوق منذ حرب الخليج 1990.
وقطعت السعودية علاقاتها مع إيران في يناير (كانون الثاني) 2016، بعد تعرّض سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، لاعتداءات من قبل محتجين على إعدام الرياض رجل الدين السعودي الشيعي المتطرف نمر النمر، الذي نسبت إليه تهم زعزعة استقرار محيطه والتحريض على كيان الدولة والأمن، إلا أن دبلوماسيين إيرانيين يعملون في "منظمة التعاون الإسلامي" في جدة مُنحوا تأشيرات دخول إلى السعودية، في أول مساعي التهدئة بين البلدين.
ويُعتقد على نطاق واسع أن الهدنة الحالية في اليمن، ما كان الحوثي ليستجيب لها من دون تلقّي إذن من طهران التي تدعمه، وتحتاج إلى التهدئة في الوقت الراهن لتسوية ملفات عدة مع الإقليم، أبرزها "الاتفاق النووي" في فيينا مع الغرب، الذي تربطه تحالفات كبرى مع الخليج، الذي يضغط لكي لا تكون إيران "الرابح الأكبر" في صفقة "النووي" على حساب أمن المنطقة واستقرارها.