تحولت الجزائر إلى وجهة روسية بامتياز، كما بات خط موسكو- الجزائر حيوياً بشكل لافت، ما أعاد إلى الأذهان التقارب الذي عرفه البلدان خلال الستينيات والسبعينيات، في حين تؤكد الرسميات أن الأمر يتعلق بترقية العلاقات وتشدد الآراء على أن موسكو تسعى إلى تجاوز الحظر والعقوبات.
وصل رئيس لجنة الدفاع والأمن في المجلس الفيدرالي الروسي فيكتور بونداييف إلى الجزائر، في زيارة رسمية بدعوة من مجلس الأمة الجزائري، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، حسبما جاء في بيان الغرفة العليا للبرلمان، حيث التقى فيكتور بونداييف نظيره الجزائري صالح قوجيل، وناقشا تفعيل بروتوكول التعاون البرلماني الثنائي، الموقع بين المجلسين بتاريخ 13 مايو (أيار) 2014، وكذا مذكرة التفاهم المبرمة بين إدارتي المجلسين، بتاريخ 11 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2010.
كما أوضح مجلس الأمة أن المسؤول الروسي والوفد المرافق له، بحثوا مع نظرائهم الجزائريين تطوير التعاون العسكري بين البلدين، والتدريبات العسكرية المشتركة المعلن عنها في وقت سابق، والمقررة بالجزائر في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، إضافة إلى الحرب الجارية في أوكرانيا. وأضاف أن أجندة نشاط بونداييف، تتضمن محادثات مع رئيس المجلس الشعبي الوطني إبراهيم بوغالي، إلى جانب تنظيم لقاءات مع مسؤولين بارزين في الدولة.
وسبق للسيناتور فيكتور بونداييف أن زار الجزائر في خريف عام 2018، وهو قائد العملية العسكرية الروسية في سوريا.
الطابع العسكري والأمني هو الغالب
وفي وقت ربط مراقبون توالي زيارات المسؤولين الروس إلى الجزائر بسعي موسكو لفك الحصار المضروب عليها من طرف الغرب بقيادة الولايات المتحدة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، يعتبر البعض أن "الأمر يتعلق بتوسيع موسكو دائرة حلفائها، ثم الاستجابة لرغبة البلدين بتطوير تعاونهما في مختلف المجالات بعد الموقف الجزائري من الأحداث الجارية في أوكرانيا، وما تبعه من إجراءات في ما تعلق بملف توريد الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي"، بينما يرى طرف ثالث أن "موسكو بصدد بعث رسائل إلى دول غربية وإقليمية تستهدف الضغط على الجزائر وابتزازها بعدد من القضايا وأهمها قضية الصحراء الغربية".
لكن ما يلفت الانتباه في زيارات الروس أن الطابع العسكري والأمني هو الغالب عليها، على الرغم من أن الحلف الأطلسي سارع إلى إرسال وفد رفيع المستوى إلى الجزائر بعد مغادرة وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، ما ترك تأويلات لم تنخفض حرارتها.
وبين الجزائر وروسيا، علاقات قوية في مجالات الدفاع والصناعة الحربية منذ عهد الاتحاد السوفياتي، وغالبية تجهيزات الجيش الجزائري من العتاد الروسي، ومعظم صفقات السلاح التي أبرمتها الجزائر منذ استقلالها عام 1962، كانت مع موسكو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مواجهة المنافسة
ويرى المتخصص في الشأن الاقتصادي محمد عدنان لـ"اندبندنت عربية" أن "توالي زيارات المسؤولين الروس، خصوصاً العسكريين تندرج في إطار مواجهة المنافسة على تولّي قيادة العالم، إذ نعيش منذ حرب الخليج الأولى أحادية قطبية في إدارة العلاقات الدولية وحل النزاعات"، مشيراً إلى أن "ظهور روسيا بمثابة ظهور نظام عالمي جديد تسعى من خلاله دول عدة إلى إعادة مجدها الضائع لدى دول محورية لها وزن جغرافي وإقليمي لا يستهان به من الناحية الاقتصادية باعتبارها سوقاً رائجة وشريكاً مثل الجزائر"، وأوضح أن "معظم واردات الجزائر العسكرية روسية الصنع، وتطلع الجزائر إلى تواصل دعم جيشها يفتح شهية مصانع الأسلحة الروسية على إيجاد آلية للتخلص من الضغوط التي تخلفها الحرب في أوكرانيا، والعقوبات الأميركية والأوروبية".
موازنة الضغط
من جانبه، يعتبر الباحث في العلاقات الدولية عدنان محتالي في تصريح خاص أن "زيارة المسؤول الروسي تدخل في إطار الجهود الروسية لاستمالة الجزائر أو موازنة الضغط الذي تتعرض له من طرف مجموع الدول التي لها دور بشكل أو بآخر في الحرب الأوكرانية، بسبب أهمية ورقة أمن الطاقة في هذه الحرب ولكون الجزائر مورداً مهماً للطاقة نحو أوروبا"، مضيفاً أن "السلطات الجزائرية تجاوزت خطوة تسيير الضغط وأصبحت تستغله لخدمة مصالحها، وقد شاهدنا كيف يقدم كل طرف يزور الجزائر جملة من العروض، سياسية كانت أو اقتصادية". وقال إنه "وبسبب كون روسيا المورد الأول والأساس للجزائر في ما يتعلق بالتسليح، فإن زيارة مسؤولين عسكريين روس تدخل في سياق هذه العروض المقدمة، بحيث يسمح تشاور خبراء متخصصين في إتمام التفاهمات التي سطّرها السياسيون من قبل".
رسم جغرافيا لسياسة دولية
يوضح الحقوقي حاج حنافي أن "هناك مؤشرات إلى رسم جغرافيا لسياسة دولية تتحرك نحو المعسكر الشرقي، كانت بادرتها الأولى الحرب الروسية الأوكرانية"، وأضاف أن "موسكو فقدت الثقة بالغرب وبأميركا أحادية الجانب في رسم الاستراتيجيات الدولية"، مشيراً إلى أن "الجزائر كدولة لها تقاليد في رسم تلك السياسة الدولية من حيث مواقفها الدولية من معظم القضايا المعروضة، ومن حيث كونها نموذجاً في رسم الوساطات الدولية وحلحلة الأزمات".
يتابع، "الجزائر امتنعت عن إدانة روسيا من دون معرفة قريبة لخلفية اندلاع الأحداث مع أوكرانيا، كما أنها عارضت التصويت على رفع العضوية عنها كعضو أصيل ينتمي إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لأنها تدرك أن الخطوة على علاقة بمواقف مسيسة وأن واشنطن تسوق الغرب إلى جملة التناقضات التي رسمتها في الاتجاه المخالف بالنسبة إلى مواقف وأحداث دولية متشابهة"، مشدداً على أن "زيارة رئيس لجنة الدفاع والأمن الروسي تسعى إلى رسم سياسة أمنية عسكرية جديدة موثوق بها، وكذا للوقوف على البدائل السياسية الممكنة".