في الكويت ولبنان نموذجان لتجربتين تميزتا في منطقتنا بهوامش الديمقراطية على مدى عقود، لكنهما وصلتا إلى طريق مسدود. وأعتقد أن الديمقراطية الكويتية تمر بمرحلة جمود طال أمده ويحتاج إلى تغيير للمعادلة وتعديل لآلية العلاقة بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، فالدستور الكويتي الذي وصل عمره ستين عاماً لم يعد صالحاً لهذه المرحلة، وقد استقرأ واضعو الدستور ذلك بنص في مواده يقول إن هذا الدستور يحتاج إلى تعديل بعد مضي خمس سنوات على إقراره. وقد أقر الدستور الكويتي في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962 ولا يزال كما هو حتى اليوم من دون تعديل.
من جانب آخر، فإن الديمقراطية اللبنانية التي أقرت باتفاق عام 1943، وأعيد تأكيدها في مؤتمر الطائف عام 1989، لا يمكن لها أن تنهض بلبنان الكسيح اليوم على كافة الأصعدة. فالاتفاق الذي رعته فرنسا قبل انسحابها من لبنان وسوريا عام 1943 مأسس للطائفية السياسية: رئيس الدولة ماروني، ورئيس الوزراء سني، ورئيس البرلمان شيعي، ورئيس الجيش ماروني، وهكذا. واستمر هذا النظام حتى يومنا هذا. لكن قبل الاسترسال يرجى النظر للتوزيعة أدناه:
سني، شيعي، درزي، علوي، ماروني، روم كاثوليك، روم أرثوذكس، إنجيلي، أرمن كاثوليك، أرمن أرثوذكس. هذه توزيعة الدوائر الانتخابية التي تحدد عدد مقاعد كل طائفة من طوائف لبنان المتعددة، يضاف إليها خانة لـ"أخرى".
هذه التوزيعة هي الضمان لبقاء الانقسام اللبناني على ما هو عليه، والتي تم استنساخها في العراق منذ عام 2003، والكل يدرك أين انتهى العراق اليوم من فشل وفساد وانهيار واحتراب لا يتوقف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من غير المنطق ولا المعقول الحديث عن بناء لبنان حديث من دون علمنة للنظام السياسي وإزالة أي مظهر رسمي لفئة أو دين أو طائفة، وإلا فإن كل طائفة ستفكر بمصلحتها وليس بمصلحة الوطن.
دول العالم المستقرة ليست جنساً واحداً، بما في ذلك فرنسا راعية اتفاق الـ43 كما يسميه اللبنانيون، لكن دول العالم المستقرة تعزز المواطنة بدساتيرها وقوانينها فوق انتماءات الصدفة التي يرثها الإنسان من قومية ولغة ودين وفئة، وما لم يتم ذلك في لبنان، وفي دول عربية أخرى في عالمنا العربي، فإن التشرذم والاحتقان الداخلي سيبقى ما بقيت المحاصصة الطائفية السياسية.
الانتخابات اللبنانية التي أجريت هذا الأسبوع بعد أربع سنوات من الفراغ التشريعي لن تقدم ولن تؤخر في حال الفشل اللبنانية، فمهما حلل المحللون، ومهما قرأ المفسرون في نتائج الانتخابات فإن القرار الحقيقي بلبنان لا يزال بيد من يملك السلاح، والفئة الوحيدة التي تملك السلاح هي فئة الشيعة السياسية: "حزب الله" و"أمل"، وهي القادرة وحدها على فرض "أمرها الواقع" كما حدث عام 2008 باحتلال بيروت الذي سمّاه حسن نصر الله، أمين عام "حزب الله"، بـ"اليوم المجيد".
حال الجمود الكويتية التي طالت تحتاج إلى تحريك وتعديل، أما حال الفشل اللبنانية فهي بحاجة ماسة لهدم معبد المحاصصة الطائفية، وإلا فإنها ستبقى تدور في داومة الفشل والتشرذم والانهيار.
ثمانون عاماً مضت على اتفاق الـ43، كما مضى على الدستور الكويتي ستون عاماً، الأول قاد إلى الفشل والدمار، والثاني قاد إلى الجمود بجمود نواب وحكومات يفترض أن يكونوا رعاته وحافظيه لا خارقيه ومنتهكيه، وما بين الجمود والفشل تستمر الحالة الكويتية جامدة، ويستمر لبنان من فشل إلى آخر.