لم يكد يفيق الاقتصاد العالمي من أزمة جائحة كورونا وتداعياتها التي طالت غالبية القطاعات الاقتصادية وأسهمت في ارتفاع معدلات التضخم على مستوى الدول كافة، حتى بوغت بضربة أخرى وهي الحرب الروسية- الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) الماضي، وألقت هي الأخرى بظلالها على الاقتصاد العالمي، وليس على مستوى الدولتَين فقط، ما أسهم في اندلاع موجة جديدة من تضخم الأسعار داخل الدول، لأسباب من أبرزها النقص في سلاسل الإمداد والعرض والطلب داخل الأسواق، والذي يلعب دوراً مهماً ورئيساً في معدلات الأسعار، وما ترتب عليه من ارتفاعات لمستويات التضخم في غالبية الدول، ومنها دول الخليج العربي وتحديداً قطر والسعودية.
وأعلن "جهاز التخطيط والإحصاء" القطري، الاثنين 16 مايو (أيار) الحالي، عن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين خلال أبريل (نيسان) الماضي، بنسبة 4.66 في المئة على أساس سنوي بدعم من ارتفاع أسعار 8 مجموعات رئيسة. وبحسب بيانات الجهاز، فإن السكن والكهرباء والماء والوقود والثقافة والترفيه والغذاء والمشروبات، هي أبرز القطاعات التي تدعم معدلات التضخم في تلك الدولة الخليجية.
من جانبها، أعلنت هيئة الإحصاءات العامة السعودية، الأحد الماضي (15 مايو)، ارتفاع معدل التضخم لشهر أبريل (نيسان) 2022، بنسبة 2.3 في المئة مقارنة بالشهر ذاته من عام 2021، وهو أعلى من شهر مارس الماضي حين كان عند 2 في المئة.
ولفتت هيئة الإحصاءات في بيانها إلى أن أكثر القطاعات ارتفاعاً هو قطاع النقل، وبنسبة 4.6 في المئة، إذ ارتفع تأثراً بارتفاع أسعار البنزين بنسبة 9.5 في المئة والسيارات بنسبة 4.1 في المئة، يليه قطاع الأغذية والمشروبات الذي ارتفع بمعدل 4.3 في المئة، متأثراً بارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 4.6 في المئة التي تأثرت بارتفاع أسعار اللحوم بنسبة 3.5 في المئة، وأسعار الخضار بنسبة 13.5 في المئة.
أسباب عدة
في السياق ذاته، قال الباحث الاقتصادي حسام الشنبري، إن "أسباباً عدة أسهمت مجتمعة في ارتفاع معدلات التضخم حالياً، منها الانفتاح الاقتصادي بعد الإغلاق الكبير بسبب أزمة كورونا، وقابل ذلك الانفتاح ضغوط عالية على الطلب في ظل انخفاض معدلات الإنتاج وانخفاض آخر في سلاسل الإمداد العالمية، واكب ذلك ارتفاع أسعار حاويات الشحن البحري لتصل إلى مستويات قياسية بسبب ارتفاع أسعار النفط والطاقة نتيجة اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية وما ترتب على ذلك من فرض عقوبات على موسكو".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت الشنبري إلى أن "ارتفاع معدلات التضخم لا يتوقف على الدول النامية ومنطقة الخليج أو الشرق الأوسط، بل شمل منطقة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأميركا التي هي الأخرى تعاني من ذات الإشكالية".
من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي محمد بن فريحان، أن "معدل التضخم في السعودية للشهر التاسع، في ارتفاع متواصل طردياً، ليس في الرياض وحدها، بل في كل مؤشرات التضخم في العالم".
واستطرد قائلاً، "لا تزال معدلات التضخم لدينا في الحدود الطبيعية، ولا تدعو للقلق، إذ إن نسبته 2.3 في المئة، في حين أن هناك دولاً ارتفع فيها المعدل بشكل كبير مثل أميركا، حيث وصل التضخم إلى مستويات لم يبلغها منذ 40 سنة، عند 8.7 في المئة". ولفت إلى أن "ارتفاع مؤشر التضخم عند 4 في المئة وأكثر محلياً يُعد أمراً مقلقاً لاقتصاد الدول"، مؤكداً في الوقت ذاته أن الرياض لا تعاني من أزمة اقتصادية سواء على مستويات التضخم أو الدين أو على مستويات الحركة التنموية.
وقال، إن "ارتفاعات أسعار النفط أخيراً في ظل استمرار أزمة روسيا وأوكرانيا ساعدت في زيادة إيراداتها، وهو أمر إيجابي لصالح تقليص عجز الميزانية، ورفع مستوى الإنفاق في البلد، وتحريك العجلة الاقتصادية".
رفع الفائدة
في سياق متصل، أصدرت البنوك المركزية في دول الخليج العربي مطلع الشهر الحالي، قرارات بزيادة الفائدة، والتي تُعد من بين أدوات السياسات المالية الحكومية لسحب السيولة من الأسواق وخفض معدلات التضخم محلياً بهدف الحفاظ على النمو الاقتصادي وعدم تدهوره، وهنا علق الشنيري قائلاً، "بلا شك، فإن للتضخم آثاراً سلبية كبيرة، لا سيما وأنه يشكل عائقاً للنمو الاقتصادي، وذلك لسبب رئيس وهو أن ارتفاع الأسعار يؤدي في نهاية الأمر إلى تدهور قيمة العملة المحلية، وبالتالي القضاء على قيمتها الادخارية، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بها، وهروب المستثمرين إلى قنوات استثمارية أكثر أماناً وحدوث مشاكل اقتصادية كبيرة".
واستطرد، "لذلك فإن أحد أهم حلول، هي تلك التي تأتي من داخل البنوك المركزية كإحدى أهم أدوات السياسات النقدية، برفع معدلات الفائدة، والتي بدورها تسحب المعروض النقدي داخل الاقتصاد للسيطرة على معدلات التضخم في المستويات المعقولة، بحيث لا يعيق ذلك النمو الاقتصادي".
وأكد في الوقت ذاته أن "النتائج الإيجابية لاتباع هذه السياسات ستكون واضحةً خلال الربع الثالث من العام الحالي وتمتد آثارها إلى السنة المقبلة 2023"، مستدركاً بالقول، إن "المهم ألا يأتي ارتفاع أسعار الفائدة على حساب النمو وتوسع النشاطات الاقتصادية".