رحلت الفنانة التشكيلية الإنجليزية وزوجة البروفيسور الراحل عبدالله الطيب، الجمعة 20 مايو (أيار) في مدينة عطبرة بولاية نهر النيل، عن عمر يناهز 97 سنة، قدمت خلاله الكثير للسودان، البلد الذي عشقته لأنه مسقط رأس زوجها الراحل.
في منزلها الكائن بمنطقة بُري في الخرطوم والتابع لجامعة الخرطوم حيث كان يعمل بروفسير اللغة العربية عبدالله الطيب، اختارت زوجته جريزلدا الطيب بريطانية الأصل، الاستقرار الدائم هناك، وكانت قد انتقلت للعيش في الخرطوم من عام 1950.
تطبعت الطيب بالبيئة والثقافة السودانية، وقررت أن تكمل حياتها في السودان لتكمل رسالتها التي بدأتها بطباعة ونشر أعمال عبدالله الطيب وفي العمل الطوعي ورعاية الأطفال أصحاب الهمم.
ومنذ دراستها الماجستير والدكتوراه، ومن ثم الانتداب في الولايات المختلفة، أصبحت السيدة جريزلدا الطيب متعلقة بالسودان، وتعمل بجد في إتمام رسالة عبدالله الطيب حيث تُشرف على طباعة كُتبه بالتعاون مع عدد من دور النشر، وتوزيعها وحجز جناح كامل باسمه في معرض الخرطوم للكتاب سنوياً، والتواصل مع معهد الطيب صالح الذي يديره الدكتور صديق عمر الصديق وهو أحد تلاميذه.
من بريطانيا إلى السودان
وعن لقائها بعبدالله الطيب وسر تعلقها بالسودان، قال عمر الصديق مدير معهد عبدالله الطيب للغة العربية لـ "اندبندنت عربية"، إن "جريزلدا التقت بعبدالله الطيب عام 1945 عندما كان يدرس في معهد الدراسات الشرقية في جامعة لندن، والتقيا هناك. ومن تلك اللحظة نشأ بينها إعجاب، حيث كان عبدالله الطيب جذاباً في مظهره وحديثه، واتفقا على الزواج. ولكن في بادئ الأمر وجد عبدالله الطيب رفضاً من أسرة جريزلدا، لكن الحب كان له الغلبة في نهاية الأمر، إذ تم الزواج وأكملا دراستهما وعادا إلى السودان".
تمسكها بالسودان
وعاشت مع عبدالله الطيب في السودان وصنعت محبة خاصة داخلها للبلاد، لم تُرزق بأبناء وقامت بتربية 23 طفلاً من أبناء أخوات عبدالله، ونشأت بينها وبين أسرته علاقة قوية، كان منزلها أشبه بالمحطة وكان كل أفراد أسرته يأتون للدراسة والعيش معها.
كانت أعمال عبدالله الطيب تجد عناية خاصة من قِبل زوجته، حيث قامت بطباعة كتبه وتصميم أغلفتها، وساعدها في ذلك بعض من أفراد أسرته وأصدقائه، وأوقفت طباعة الكتب وتوزيعها في السنوات الـ15 الماضية.
جريزلدا تشعر بقيمة الحياة عندما تقوم بالأعمال الخيرية، واختارت السودان للعيش حتى تكمل ما بدأته، ولكن حول سر ارتباطها بالسودان، قال الصديق إن "جريزلدا قضت وقتاً طويلاً في مدينة الدامر وشاهدت بعينها حميمية المجتمع السوداني، وما لفت نظرها الكرم والعطاء والتعامل البسيط والسهل، على الرغم من تجاربها المريرة في البداية، وإصابتها ببعض الأمراض الهضمية بسبب الأكل الغريب عليها، ما جعل عبدالله يخصص لها أكلاً بمواصفات إنجليزية. ولكن بعد مرور زمن أصبحت متخصصة في الفلكلور السوداني ليس ذلك فقط بل حتى الأزياء السودانية، وهي معجبة بالثوب السوداني والعمامة والجلباب السوداني، ما دفعها لأن تتخصص في الماجستير في الفلكلور السوداني، وتفوقت فيه ونقلت خبرتها ووثقتها بكتاب باللغة الإنجليزية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن أعمالها المتعددة في السودان، قال الصديق "أصبحت تحفظ مفردات السودان بدقة، وتعرف التراث السوداني كله بخبرة امتدت 50 سنة وهي المدة التي قضتها في السودان. وقامت بعمل معارض تشكيلية وهي فنانة تشكيلية، وثقت ملامح الحياة السودانية عبر رسوماتها، وكان أول معرض لها تحت اسم "مع عبدالله الطيب في آفاق الدنيا"، وأصبحت سودانية الهوى بريطانية الدم، واستطاعت الموازنة بين الثقافتين وجمعهما معاً، وهي معتزة ببريطانيتها وبسودانيتها وقد دخلت السودان من باب واسع، من بوابة عبدالله الطيب وهو حارس التراث السوداني، ما صقل تجربتها".
وفي السياق ذاته، أضاف الصديق "أصبح لحياتها معنى كبير مع عبدالله الطيب بحكم طول الصُحبة، ولم تغادر السودان منذ زمن طويل، كان عملها مرتبطاً بعبدالله إذ كانت تشرف على كل تفاصيل حياته وتقوم بتصميم أغلفة الكتب التي يؤلفها. وحالياً وجدت لحياتها معنى بعد أن أصبحت ترعى هذا الإرث العظيم، وهو مواصلة للدور الذي انقطع ليظل عبدالله الطيب حاضراً بين الناس حتى بعد رحيله".
وفي لقاء سابق عبرت جريزلدا لـ "اندبندنت عربية" عن فخرها بالبلدين، السودان وبريطانيا، وقالت إنها "حاصلة على وسام الشرف من بريطانيا والسودان، وتحمل الجوازين وتفتخر بهما، ومع ذلك ارتباطها الوثيق بعبدالله الطيب دفعها للتمسك بالسودان".
قصتها مع الانتفاضة
وكانت من أنصار الانتفاضة، بل مدحت جيل الانتفاضة ووصفته بالجيل المختلف والفريد، وقالت "أتمنى أن يستكمل الشباب ثورتهم ولا يستسلموا لموجة الهجرة والاغتراب، حتى إذا ساءت الأوضاع، لأن مرحلة البناء تحتاج وقتاً ولا بد من الصبر". ووصفت رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، قائلة إنه "يعمل بجد من أجل مصلحة البلاد، وترك كل الامتيازات التي كان ينعم بها ليعمر وطنه الذي استلمه في أسوأ حالاته".