Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماكرون والأحزاب والانتخابات... امتحان "الاستثناء" الفرنسي

لم تكن باريس في تاريخها الحديث وسطية يوماً ما لا في الجمهورية الرابعة ولا الخامسة

ربما جعل ماكرون الاستثناء قاعدة في الرئاسة الفرنسية (أ ف ب)

فرنسا ليست ولم تكن في تاريخها الحديث وسطية، لا في الجمهورية الرابعة ولا في الجمهورية الخامسة، ولا حتى أيام الإمبريالية الفرنسية التي اضطرت إلى التخلي عن المستعمرات بعد الحرب العالمية الثانية، وأنهى آخر فصولها في الجزائر الجنرال ديغول.

وإذا كانت ألمانيا وريثة أثينا الإغريقية في الفلسفة و"إسبرطة" في تمجيد القوة، فإن فرنسا مختبر الفكر السياسي وجنة الأدباء والمثقفين الذين اختاروا العيش والإبداع في باريس بدل البقاء في بلدانهم، وأولها أميركا ورومانيا وإيرلندا ومصر ولبنان وسواها، وكانت دائماً مسرح صراع على السلطة بين اليمين واليسار، ومن حولهما تيارات متطرفة في هذه وتلك، تبقى على أطراف المسرح.

 لكن إيمانويل ماكرون بدا الاستثناء من القاعدة حين ربح الانتخابات الرئاسية للمرة الأولى، ويبدو انتخابه لولاية ثانية كأن الاستثناء قد يصبح "القاعدة" الجديدة، فاليمين الديغولي واليسار الاشتراكي واليسار الشيوعي لم يصل أي مرشح منهم إلى الجولة الثانية من الانتخابات التي وصل إليها اليمين المتطرف ثلاث مرات، جان ماري لوبن مؤسس "الجبهة الوطنية" في مواجهة جاك شيراك، وابنته مارين لوبن في مواجهة ماكرون مرتين، وما رافق صعود التيار اليميني المتشدد الذي نال 41 في المئة من الأصوات خلال الجولة الثانية، هو صعود اليسار المتشدد بزعامة جان لوك ميلانشون الذي نال في الجولة الأولى أكثر من 20 في المئة، لكن التجربة الناجحة في صناديق الاقتراع ليست سهلة في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، فالفرنسيون ضجروا حتى من الجنرال ديغول الذي أعاد لفرنسا دوراً مهماً في اللعبة الدولية أيام الحرب الباردة والصراع بين الجبارين، وكان بطل المقاومة الفرنسية للاحتلال الألماني، ورصيد ماكرون متواضع بالقياس على ذلك.

حزب "الجمهورية إلى الإمام" الذي صار اسمه "النهضة" أسسه ماكرون قبل مدة قصيرة من خوض المعترك الانتخابي، واستقطب بعض اليسار واليمين القديم ليخلق نوعاً من الوسط الهجين.

 كانت رئاسة الحكومة في الولاية الأولى لليمين ومعها وزارات الاقتصاد والداخلية، وتولى يساريون سابقون الخارجية والدفاع والعمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

رئيسة الحكومة الجديدة إليزابيت بورن اشتراكية سابقة مع نقل "الخارجية" من جان إيف لودريان الاشتراكي إلى كاترين كولونا اليمينية، و"الدفاع" من فلورانس بارلي الاشتراكية إلى سيباستيان لوكورونو اليميني السابق، وهي ابنة مهاجر روسي يهودي حصل على الجنسية الفرنسية عام 1950 وبدّل اسم عائلته من بورنشتاين إلى بورن، اسمه المستعار أيام المقاومة.

وهي المرأة الثانية التي تتولى رئاسة الحكومة بعد أديث كريسون عام 1991، أما الحكومة التي نصفها من النساء والآخر من الرجال، فإنها خلطة يمين ويسار ممن تركوا الحزب الديغولي والحزب الاشتراكي والتحقوا بالرجل الذي أزاحهما من المشهد.

ليس سهلاً على ماكرون الانتقال من واقع "رئيس الأغنياء" إلى وعد "رئيس المهمشين"، فحين سئل إن كان مهتماً بتبدل صورته العالمية من "رئيس ليبرالي معتدل" إلى "رئيس سلطوي"، أجاب، "لا أشعر بأي شيء ولا أهتم". لكن عليه أن يفعل ذلك، لأن القضايا الاجتماعية تنتظره في "خريف الغضب" كما تنتظره قضية الانتخابات النيابية في الصيف، فالأحزاب والتيارات التي فاز عليها في الانتخابات الرئاسية ودفعها إلى الهامش واستقطب كادرات منها تستعد لمعركة أساس في الانتخابات النيابية التي تبقى معاييرها مختلفة، والألعاب المحلية فيها هي الملعب التقليدي للأحزاب القديمة، والمعادلة دقيقة هي إما أن يربح حزب ماكرون الأغلبية ليتمكن الرئيس من تحقيق وعوده وبرنامجه، وإما أن تستعيد الأحزاب الأغلبية وتفرض عليه حكومة "تساكن"، ولا أحد يعرف إلى أي حد يتمكن ماكرون من تحقيق شعاره المعلن "أمة فرنسية أكثر استقلالاً في إطار أوروبي أقوى".

لكن الواضح أن الرئيس الفرنسي نجح في السياسة الخارجية أكثر من الداخلية،  والواضح والمؤكد أن ما بعد حرب أوكرانيا يقود إلى عالم متغير لا مجال فيه للحسابات والمعادلات التقليدية، والمؤكد أيضاً أن دول الشرق الأوسط ترتاح إلى ماكرون، والبلد الأكثر انتظاراً لأن يتابع ماكرون الدور المساعد المهم الذي بدأه بعد الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت هو لبنان، فالتغيير الذي دعا إليه ماكرون أعطي فرصة في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة، والحاجة كبيرة إلى جهد عربي ودولي مع الجهد المحلي اللبناني، وكان من الأخبار المفرحة للبنانيين المهمومين تعيين ريما عبدالملك الفرنسية - اللبنانية وزيرة للثقافة.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل