تعيش الجزائر مرحلة مفصلية في تاريخها، ليس بسبب الحراك المتواصل بسلميّته منذ 22 فبراير (شباط) 2019، والذي أسقط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وإنما لما يحدث مع كبار المسؤولين السياسيين ورجال الأعمال، الذين كانوا حتى وقت قريب، "فراعنة" على الجزائريين، وقد سيقوا إلى السجن تباعاً، في سيناريو لم يكن ينتظره أو حتى يحلم به أي جزائري، بعد أن تمكن سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس المستقيل، من توريطهم بشكل يصعب عليهم الهروب من قبضة العدالة.
سعيد بوتفليقة... رئيس من وراء حجاب
لم يكن الجزائريون على مختلف مستوياتهم، يملكون معلومات عن شخصية سعيد بوتفليقة، قبل 20 سنة. والاحترام الذي كان يكنّه الشعب "للمجاهد والسياسي المحنك" عبد العزيز بوتفليقة، الذي ارتبط اسمه بالرئيس الراحل هواري بومدين، لم يحظ به الشقيق الأصغر سعيد، الذي نال مكانة عكسية لدى الشعب مرتبطة بالفساد، بعد أن تسلل إلى السياسة بمعناها الحقيقي، منذ العام 1999، عبر بوابة شقيقه الرئيس، الذي منحه منصب مستشار الرئاسة، لتنطلق مسيرة رجل بدأ صغيراً مع التدريس بالجامعة، إلى "رئيس من وراء حجاب" للجزائر.
توريط الجميع
لقد تمكن سعيد أن يورط الجميع ويجرهم إلى السجن، بعد أن فشلت كل الكوادر والجهات الرسمية، التي حكمت الجزائر، من رؤساء جمهورية ورؤساء حكومات وجنرالات وقضاة ووكلاء جمهورية وغيرهم من رجالات الدولة، من وضع فاسد واحد داخل السجن أو على الأقل محاكتهم، إلا في حالات نادرة وُصفت بـ "تصفية حسابات"، مثل سجن الجنرال بلوصيف، أو للتغطية عن "الحيتان الكبيرة"، مثل قضية الخليفة.
صحيح يمكن القول إن سعيد بوتفليقة لا يمتلك تجربة سياسية، ولو أنه كان معارضاً للسلطة ونقابياً خلال سنوات تدريسه في جامعة باب الزوار.
في هذا الإطار، يقول المحلل السياسي رابح لونيسي، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، إن "سعيد تعلم الكثير من شقيقه عبد العزيز"، وإن "سعيد بوتفليقة ومن خلال تشجيعه الفساد، جرّ هؤلاء الفاسدين إلى العدالة، وقد عمل على تشكيل شبكة مالية لدعم الرئيس عبد العزيز للبقاء في السلطة، ثم حوّلها إلى شخصه، على اعتبار أنه كان يسعى إلى تولي حكم الجزائر"، وقال إنه "كان يستخدم الفساد كوسيلة للضغط وشراء الذمم".
استغلال تدهور صحة شقيقه الرئيس
استغلّ سعيد إصابة شقيقه عبد العزيز الرئيس، بجلطة دماغية أثرت في صحته ومهامه، ليفرض سيطرته على مفاصل الدولة. وأصبح هو من يقود البلاد والآمر الناهي، إذ من أجل إنجاح خلافته لشقيقه، بادر بتأسيس شبكته وبوضع قوانينه وباختيار رجاله، بعيداً من أي إطار قانوني. ولم يخفِ سياسيون وعسكريون ورجال أعمال بعد 22 فبراير، أنهم كانوا يأتمرون بأوامر سعيد بوتفليقة، منذ العام 2013"، وكشفوا أنه "هو الذي يحوز ختم الرئاسة، والمسؤول عن كل القرارات التي تصدر باسم رئيس البلاد، مستخدماً كل أنواع المؤامرات والدسائس لتصفية أغلب منافسيه على خلافة عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما نجح فيه بالفعل خلال السنوات العشر الماضية، الأمر الذي يكشف أن الرجل إما عبقري أو متهور أو مراهق سياسي".
الماكر؟
ويضيف لونيسي قائلاً "لا يمكن وصف سعيد بوتفليقة بالمتهور، ما دام حاول الالتفاف على الحراك بأسلوب مرن، تلبية لمطلب رئيس توافقي، لكن بالتحكم فيه من بعد"، وتابع "يمكن وصفه بالمراهق بسبب تصرفاته الصبيانية والمحتقرة للشعب، والتي كان يسعى من ورائها إلى ترويض الشارع، أما وصفه بالعبقري فلا"، موضحاً أن "وصفه بالماكر، هو الأقرب إلى القبول، مثل شقيقه عبد العزيز، فالمكر مناقض للذكاء، لأن الذكي يبني، أما الماكر فيحطم، ويمكنه تحطيم حتى ذاته، فمكر السعيد وعبد العزيز وراء ما وصلت إليه الجزائر".
تحييد أقوى الجنرالات
وما زاد من "قوة" سعيد، تمكنه من تحييد أقوى الجنرالات كخالد نزار ومحمد العمارى ومحمد تواتي ومحمد مدين ومهنا جبار وحسان ومجدوب وغيرهم، لتسهل مهمته في تشكيل "لوبي مالي"، وآخر إعلامي، ليسيطر بذلك على الوضع العام في البلاد، بعد أن حوّل الوزراء ومديري المؤسسات المصرفية والإعلامية إلى "بيادق" في يده.
ويرى الإعلامي المهتم بالشأن السياسي حكيم مسعودي، في تصريح إلى "اندبندنت عربية"، أن "سعيد بوتفليقة عرف كيف يلعب على وتر المطامع السياسية والمادية لبعض من كان يفترض بهم أن يكونوا رجالات الدولة، وما ساعده على ذلك هو تمديد فترة حكم شقيقه عبد العزيز بفتح العهدات الرئاسية"، وتابع "سقوط سعيد بوتفليقة يعني الإفراج عن ملفات فساد ثقيلة ارتبطت بفترة نفوذه برئاسة الجمهورية، الإشكال لم يكن مطروحاً من ناحية الكشف عن ملفات الفساد، كون بعضها لم يُخفَ حتى على المواطن البسيط، وإنما في تحرك العدالة تجاه ما ينشر من ملفات وفضائح".
سعيد... لا يؤتمن؟
واعتبر مسعودي، أن "سعيد بوتفليقة كشخص معروف بكونه حاد الذكاء والحيلة، لا يؤتمن في علاقاته وتصرفاته وقراراته، وهي الانطباعات التي عُرف بها حتى وهو يزاول التدريس في الجامعة، على عكس أشقائه الذين عرفوا بالرزانة"، مشيراً إلى أنه "يتحمل المسؤولية الكبيرة في خروج شقيقه الرئيس من الباب الضيق وتوريط العديد من المسؤولين في الفساد".