أنهت رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن مشاركتها في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في الكونفيدرالية السويسرية يومي 23 و24 مايو (أيار) 2022، مستغلة وجودها في هذا الحدث الاقتصادي العالمي البارز للتطرق إلى الأوضاع الاقتصادية والمالية الصعبة لتونس على وقع تداعيات أزمة "كوفيد- 19" والحرب الروسية الأوكرانية وأثرها في ارتفاع أسعار المواد الأولية.
وحرصت رئيسة الحكومة التونسية، المعينة من قبل الرئيس قيس سعيد في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2021، على الترويج لبلادها كوجهة استثمارية آمنة ودعوة كبار مسؤولي الدول إلى المشاركة في ثلاثة أحداث استثمارية بارزة تستعد لها هي: تنظيم منتدى تونس للاستثمار يومي 23 و24 يونيو (حزيران) المقبل، وتنظيم الدورة الثامنة لندوة طوكيو الدولية للتنمية بأفريقيا يومي 27 و28 أغسطس (آب) "تيكاد"، والأخير احتضان جزيرة جربة للقمة الفرنكوفونية يومي 19 و20 نوفمبر (نشرين الثاني).
وتأمل بودن في أن تعطي هذه الأحداث الاقتصادية والترويجية انطلاقة ودفعاً جديدين لتونس وقدرتها على مزيد من استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة المعطلة منذ أعوام عدة.
حشد الدعم والتعاطف مع تونس
ويرى المراقبون للشأن الاقتصادي والمالي في تونس أن نجلاء بودن استغلت إيجابياً مشاركتها في منتدى دافوس العالمي لحشد الدعم والتعاطف من كبار المانحين والممولين العالميين، بخاصة صندوق النقد الدولي ومحاولة إقناعهم بضرورة تمويل الموازنة للخروج من الأزمة المالية الخانقة.
وتحتاج تونس إلى تمويل بقيمة 12.6 مليار دينار (4.2 مليار دولار) في شكل قروض خارجية لتعبئة موارد موازنة 2022، غير أن انسداد الأفق السياسي وصعوبة إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية وعميقة مثلما يطلبها صندوق النقد الدولي أوصد أبواب التمويل الخارجي الذي بات وبإجماع جل المتخصصين صعباً إن لم يكُن مستحيلاً، إذ لم يعُد بمقدرة تونس الخروج على الأسواق المالية العالمية للاقتراض.
وتصطدم حكومة نجلاء بودن برفض نقابي شرس من الاتحاد العام التونسي للشغل المعارض لوثيقة الإصلاحات التي قدمتها الحكومة إلى صندوق النقد الدولي بشأن جملة من الإصلاحات الهيكلية، على رأسها إصلاح الشركات الحكومية ورفع الدعم على الكهرباء والمحروقات، بخاصة التقليص من كتلة الأجور التي تُعدّ من أرفع الكتل في العالم.
مواصلة المحادثات مع صندوق النقد الدولي
وعلى هامش مشاركتها في منتدى دافوس، التقت بودن مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، بحيث تم استعراض مسار التعاون المالي والفني مع الصندوق.
وأوضحت بودن في تصريح إعلامي في هذا السياق، رؤية تونس الشاملة حول التنمية وتلازم التوازنات الاجتماعية والاقتصادية وأهمية مراعاة الفئات الضعيفة والهشة ومرتكزات الاقتصاد الوطني ضمن مقاربة تشاركية مع الأطراف الاقتصادية والاجتماعية كافة. وتم الاتفاق على مواصلة هذه المشاورات تمهيداً لانطلاق المفاوضات الرسمية في أقرب الآجال.
كما تم التطرق إلى السبل الكفيلة بالحدّ من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد التونسي نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لا سيما في ما يتعلق بالأمن الغذائي والطاقة.
واستعرضت جملة الإصلاحات التي وضعتها الحكومة وتهدف إلى إنعاش الاقتصاد وإصلاح الشركات الحكومية والمحافظة على توازنات المالية العمومية وتحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل.
وفي سياق حشد الدعم، تناول لقاء نجلاء بودن رئيسة البنك الأوروبي للإعمار والتنمية أوديل رونو باسو ونائبها، آفاق التعاون المالي مع تونس، بخاصة في تمويل المشاريع الاستثمارية الكبرى على المدى المتوسط والبعيد وتم الاتفاق على دعم خطة التعاون المالي المباشر على المدى القصير.
وفي السياق ذاته، استعرضت رئيسة الحكومة مع رئيس الوكالة اليابانية للتعاون الدولي أكاهيكو ناتاكا، التعاون المثمر بين تونس وهذه الوكالة منذ 1975، في مشاريع كبرى عدة وآفاق تعزيز هذا التعاون في مجالات التنمية الصناعية والبنية التحتية الاقتصادية والتنمية الجهوية وتهيئة الموارد المائية وتفادي الكوارث الطبيعية، وتعزيز المالية العمومية في مواجهة غلاء أسعار المواد الأولية العالمية والصعوبات التي تشهدها مسالك التوزيع على المستوى الدولي. كما كان لبودن لقاء مع رئيس البنك الأميركي الأول "جي بي مورغان"، تبادلا خلاله الآراء والخبرات حول التحديات التي تواجه السوق المالية العالمية وتأثيراتها في الاقتصاد العالمي بسبب الأزمات المتداخلة وانعكاساتها على التوازنات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى لغالبية الدول.
كسب ود المانحين الدوليين
وعلى امتداد مشاركتها في فعاليات منتدى دافوس، سعت رئيسة الحكومة التونسية من خلال لقاءاتها المتعددة مع كبار مسؤولي الدول والمؤسسات المالية إلى التعريف بمناخ الاستثمار والإصلاحات الاقتصادية التي تعمل على تنزيلها على أرض الواقع في خطوة لكسب ود المانحين الدوليين.
وفي هذا الإطار، التقت الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي نايف الحجرف، فتطرقا إلى آفاق دعم التعاون الثنائي مع دول المجلس، خصوصاً في ما يتعلق بتنظيم بلادها للدورة العشرين لمنتدى تونس للاستثمار، من أجل تحفيز الاستثمار المباشر والتعاون المالي الثنائي والثلاثي مع دول القارة الأفريقية. وتمت دعوة الأمين العام للمشاركة في هذا المنتدى وحث شركات دول المجلس على الحضور وتوسيع الشراكات في إطار التعاون العربي الأفريقي.
كما كان لها لقاء وجلسة عمل مع رئيس سويسرا إغناسيو كاسيس ونائبه آلان بارسي، بحيث تم استعراض واقع وآفاق العلاقات الثنائية بين تونس وسويسرا، بخاصة مع إطلاق استراتيجية التعاون الدولي 2021-2024 وتثبيت تونس ضمن الدول ذات الأولوية بالنسبة إلى الدولة الأوروبية.
وعرضت نجلاء بودن مقاربة تونس الشاملة وأولوية حكومتها، تحديداً بعد النجاح في تجاوز أزمة جائحة "كوفيد- 19"، القائمة على ضمان التوازنات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا على أسعار المواد الغذائية الأساسية والارتفاع الكبير في أسعار المحروقات وما يسببه من مخاطر على مسالك التوزيع العالمية وتعميق العجز في موازنة الدولة.
وتم الاتفاق خلال اللقاء على أهمية التوصل في المدى القريب إلى تجديد الاتفاق الثنائي في مجال الطيران المدني ودعم سويسرا لتونس كوجهة سياحية ذات أولوية، بخاصة بعد العودة الكبيرة والواعدة لهذا القطاع.
ومثلت أجندة منظمة التجارة العالمية والتوجهات متعددة الأطراف لتحرير تجارة بعض القطاعات محور محادثات رئيسة الحكومة التونسية مع المديرة العامة للمنظمة نغوزي أكنجو إيويلا، وتم الاتفاق على مساهمة تونس في الدورة الوزارية المقبلة التي ستعقد في يونيو 2022.
التعريف بمناخ الاستثمار
وفي إطار التعريف بتونس كوجهة استثمارية، بخاصة في أفق انعقاد مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية بأفريقيا يومي 27 و28 أغسطس (أب) 2022، كان لرئيسة الحكومة التونسية لقاء مع ياسوتورو هيراي، نائب مجموعة الشركة العالمية اليابانية "ميتسوبيشي"، فتم تم استعراض كل جوانب مناخ الاستثمار في تونس، والإمكانات المتاحة لتطوير شراكات مع هذه المجموعة العالمية في مجالات التكنولوجيا الحديثة والاقتصاد الأخضر وتقنيات استخراج وتحويل وتسويق الفوسفات ومشتقاته الزراعية، بخاصة أن المناخ الدولي للاستثمار يشهد حركية وتنقلات جغرافية سريعة في فترة ما بعد "كوفيد" والحرب في أوكرانيا.
تجدر الإشارة إلى أن تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة شهد نسقاً كبيراً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام بتطورها بنسبة 73 في المئة لتبلغ نحو 596 مليون دينار (198.6 مليون دولار)، مقابل 344.6 مليون دينار (114.8 مليون دولار).
والتقت رئيسة الحكومة التونسية أيضاً على هامش المؤتمر مع عدد من رؤساء الدول والحكومات ومسؤولي المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، لا سيما ملكة هولندا ماكسيما، والوزير الأول للوكسمبورغ زافييه بيتل ونائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور، إلى جانب عدد من أعضاء الكونغرس بغرفتيه ومحافظة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، ومحافظ البنك المركزي الفرنسي فرانسوا دي غالو وبورغ براند الرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي.
كما كان لوزيرة المالية ومحافظ البنك المركزي التونسي جلسات عمل مع عدد من نظرائهم من الدول الصديقة والشقيقة ومسؤولي المؤسسات الإقليمية والدولية.
إجمالاً، فإن رجع صدى هذه المشاركة في أبرز حدث اقتصادي عالمي ستكون ارتداداته خلال الفترة المقبلة سواء بإعلان التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وبداية الخروج من عنق الزجاجة، أو تواصل تعثر المفاوضات، ما يعني مزيداً من انسداد الأفق أمام تونس وتزايد عزلتها الاقتصادية العالمية.