قبل انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من أفغانستان، اعتبر الرئيسان دونالد ترمب وجو بايدن أن تنظيم "داعش" وليس "القاعدة" هو التهديد الأكبر لبلادهما، وأن "القاعدة" أصبح قوة مستهلكة بعد مقتل مؤسسه أسامة بن لادن، لكن تنظيم "القاعدة" لا يزال من وجهة نظر كثير من المتخصصين في مكافحة الإرهاب هو القوة الملهمة أكثر من "داعش" والدافعة للإرهاب الدولي. فهو ما زال الأب الروحي للإرهابيين الراغبين في إطاحة عديد من الحكومات حول العالم. فما مدى صحة هذا الادعاء، ولماذا يبدو "القاعدة" فاعلاً في المشهد على الرغم من الضربات العديدة التي تلقاها؟
القوة الدافعة للإرهاب
في عهد ترمب، أبرمت الولايات المتحدة اتفاق سلام عام 2020 مع حركة "طالبان" الأفغانية، بشرط قطع علاقاتها مع تنظيم "القاعدة"، لكن ذلك لم يحدث، والآن يتمتع "القاعدة" الذي فجّر برجي مركز التجارة العالمي بضيافة حكومة "طالبان" في أفغانستان مع الحفاظ على تأثيره الأيديولوجي والعملياتي المهيمن على المقاتلين التابعين له من جنوب آسيا إلى أفريقيا، بحسب ما يشير عديد من الباحثين في الولايات المتحدة.
وفي حين اعتبر المسؤولون الأميركيون، في كل من إدارتي ترمب وبايدن، أن "داعش" وليس "القاعدة" هو أكبر تهديد لأميركا، وأن "القاعدة" أصبح قوة مستهلكة بعد القضاء على زعيمه بن لادن في غارة شنّتها القوات الأميركية الخاصة في باكستان عام 2011، إلا أن لين أودونيل الكاتبة في موقع "فورين بوليسي" والصحافية الأسترالية السابقة في أفغانستان لسنوات عدة، ترى أن "القاعدة" لا يزال القوة الدافعة للإرهاب الدولي، أكثر مما كانت عليه "الدولة الإسلامية"، ولا يزال يلهم الجماعات الإرهابية من سوريا والصومال إلى مالي وموزمبيق.
الأكثر خطورة
ويتفق بيل روجيو، خبير الإرهاب الدولي في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات خلال شهادته التي ألقاها أمام لجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب الأميركي قبل أسابيع، في أن "القاعدة" في النهاية هو الأكثر خطورة لأنه يواصل الحفاظ على شبكة عالمية متنامية من فروعه تمتد عبر الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى، وبلدان أخرى، بينما يستخدم هذه الخلايا للتخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، وكذلك ضد الدول التي يراها مخالفة لما يعتقده من منهج وتوجه.
ويعتقد روجيو أن انتصار "طالبان" في أفغانستان كان نعمة لـ"القاعدة"، لأن الجيل المقبل من قادته العسكريين، وكوادره على المستويات الوسيطة، يتسللون إلى ساحات المعارك التي يختارونها، بينما تبقى عناصر رئيسة من الحرس القديم في أفغانستان لتوجيههم. وعلى الرغم من مطاردة الولايات المتحدة لقادة "القاعدة" على مدى أكثر من 20 عاماً، لا يزال أيمن الظواهري، الذي كان نائباً لبن لادن في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وسيطر على القاعدة بعد وفاة بن لادن في مايو (أيار) 2011، على قيد الحياة ويسيطر على الشبكة العالمية للتنظيم.
انتشار واسع
وبينما تركز الصحافة والإعلام ودوائر مكافحة الإرهاب اهتمامها على تنظيم "داعش" بسبب وحشيته في قتل ضحاياه، إلا أن قدرته على التوسع لا تزال محدودة مقارنة بتنظيم "القاعدة". ويعود ذلك إلى أن "داعش" محلي الطابع بدرجة أكبر، إذ يطالب بالولاء المطلق لأميره وتنظيمه. وهو غير مستعد للعمل مع الدول الراعية للإرهاب مثل إيران، في حين أن نهج "القاعدة" الصبور واستعداده لتقديم تنازلات لكبار قادته بالعمل انطلاقاً من إيران ساعد "طالبان" على الانتصار في أفغانستان.
وإضافة إلى أفغانستان، يحتفظ "القاعدة" بملاذات آمنة في دول عدة، حيث تستضيف محافظة إدلب في شمال غربي سوريا كلاً من تنظيم "حراس الدين" التابع لـ"القاعدة"، و"هيئة تحرير الشام" وهي فصيل تحالف مع "القاعدة" في السابق ويعتقد أنه ما زال على صلة بقيادته. ولهذا يستهدف الجيش الأميركي بين الحين والآخر قادة "القاعدة" في محافظة إدلب.
وفي اليمن، يسيطر الفرع المحلي لـ"القاعدة" على مناطق ريفية في البلاد، ودبر هجمات عدة ضد الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين، وأعلن مسؤوليته عن إطلاق النار في 6 ديسمبر (كانون الأول) 2019 على محطة بنساكولا الجوية البحرية، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص.
وفي الصومال، تسيطر "حركة الشباب" التي تُعد فرعاً لـ"القاعدة" في شرق أفريقيا، على أجزاء كبيرة من جنوب البلاد ووسطها، ومن دون العمليات التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد الحركة عبر طائرات الدرون والاستهداف الجوي والصاروخي البعيد منذ أن سحبت قواتها في يناير (كانون الثاني) عام 2021، لكانت الحركة قد سيطرت على جنوب الصومال ووسطه، كما فعلت بين عامي 2008 و2011.
وفي مالي، يتعرض الوضع الأمني الهش في وسط البلاد للخطر بعد خروج الفرنسيين من هناك، بينما يعزز تنظيم "القاعدة" وجوده باستمرار.
ينتظرون الضربة المناسبة
وبحسب الصحافي الباكستاني افتخار فردوس، المتخصص في شؤون الإرهاب في جنوب آسيا، فإن قادة تنظيم "القاعدة" على الرغم من أنهم لم ينفذوا عمليات جوهرية خلال الفترة الماضية، إلا أنهم يتحركون ببطء ويدققون حساباتهم وينتظرون الفرصة الملائمة، لبدء الهجوم، وبخاصة أن التنظيم هو الأب الروحي للإرهابيين الذي يريد إطاحة الحكومات من الصين إلى نيجيريا ومن كشمير إلى الشرق الأوسط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع ذلك، فإن تقييماً رسمياً أميركياً عن تهديد المتشددين المنبثق من أفغانستان، قلل من أهمية دور "القاعدة" كمصدر إلهام موجه للجماعات الإسلامية المتشددة في جميع أنحاء العالم، في سياسة بدت منسجمة مع سياسة الرئيس الأميركي بايدن لتبرير الانسحاب العسكري بقيادة الولايات المتحدة من أفغانستان الصيف الماضي، والذي سلم البلاد إلى الجماعة المتشددة، وفقاً لما يقوله أسفانديار مير الباحث في المعهد الأميركي للسلام، الذي أشار إلى أن هذا التوجه الخاص بـ"القاعدة" إلى جانب التركيز على محور الصين، أصبح هو الرواية الرسمية للإدارة الأميركية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ويرى مير في ورقة بحثية حديثه أنه على الرغم من الضغط الهائل على حركة "طالبان" كي تنفصل عن "القاعدة" تلبية للشروط الأميركية، إلا أنها لم تفعل، بل على العكس من ذلك ظل أعضاء من القيادة الرئيسة لـ"القاعدة" وفرع شبه القارة الهندية التابع للتنظيم في أفغانستان، في وضع جيد لمتابعة حشد مطرد لشن عمليات جديدة.
رواية مناقضة
وعلى العكس من ذلك، أفاد تقرير صدر أخيراً عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في شأن عمليات مكافحة الإرهاب الأميركية في أفغانستان، أن تنظيم "القاعدة" "مقيد" من جانب "طالبان"، وأن التهديد الرئيس للولايات المتحدة يأتي الآن من تنظيم "داعش"، المعروف في أفغانستان باسم "داعش - خراسان"، وقد استفاد من فتح السجون عندما اجتاحت "طالبان" أفغانستان العام الماضي وجندت عناصر من الجيش الأفغاني السابق، بحسب التقرير.
ويضيف تقرير البنتاغون أن التنظيم الإقليمي لـ"القاعدة"، وهو تنظيم "القاعدة" في شبه القارة الهندية، كان لديه 200 مقاتل فقط، في الربع الأول من عام 2022، وأن حكومة الولايات المتحدة لم تتخذ أي إجراءات لتعطيل أو إضعاف أنشطة التنظيم في أفغانستان، بما في ذلك عملياتها الإعلامية، التي زادت منذ أغسطس (آب) 2021.
بصمات "القاعدة"
لكن الأرقام ليست هي المشكلة، بحسب ما يشير خبراء مكافحة الإرهاب، إذ ترى بصمات "القاعدة" المميزة من باكستان إلى دول الساحل، من انتحاريين، وعبوات ناسفة، وتفجيرات على جانب الطريق، وعمليات خطف، وعمليات أخرى معقدة على غرار القوات شبه العسكرية. وعلى سبيل المثال، نفذت "طالبان" باكستان التي تسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في باكستان، أكثر من 100 هجوم، عديد منها على غرار هجمات "القاعدة" ضد أهداف عسكرية. وبسبب غضبها من أن "طالبان" توفر الحماية لحركة "طالبان" باكستان، قصفت القوات العسكرية الرسمية الباكستانية مواقع "طالبان" باكستان في مقاطعتي خوست وكونار في أفغانستان لإجبار حكومة "طالبان" التي انتصرت في حربها بدعم باكستاني على وقف الهجمات.
وعلاوة على ذلك، أشار معهد الاقتصاد والسلام في تقريره الأخير، إلى أن "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" التابعة لتنظيم "القاعدة" في المغرب العربي وغرب أفريقيا كانت المنظمة الإرهابية الأسرع نمواً في العالم خلال العام الماضي 2021، وهي الجماعة التي تهدد استقرار مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغرب أفريقيا بشكل كبير.
تهديد ممتد
وكدليل آخر على امتداد التهديدات الإرهابية لـ"القاعدة" والجماعات المنتسبة له في أفريقيا، وافق الرئيس بايدن في مايو على نشر قوات أميركية خاصة في الصومال لمواجهة التهديد المتزايد هناك من "حركة الشباب" التابعة لـ"القاعدة".
وقبل أسابيع، حذر عضو البرلمان الباكستاني محسن دوار، من تعاظم نفوذ أعضاء المتشددة الموجودة في أفغانستان مثل "الحركة الإسلامية لأوزبكستان"، و"حركة تركستان الشرقية الإسلامية" المناهضة للحكومة الصينية، و"جماعة أنصار الله" المعروفة باسم "طالبان" الطاجيكية، وغيرها من الحركات والتنظيمات التي يقول النائب الباكستاني إنها تتمتع بحماية دولة، فلماذا تتراجع قوة أي منها.
وفي قلب العلاقة بين "طالبان" و"القاعدة" يوجد سراج الدين حقاني، زعيم "شبكة حقاني" المرتبطة بـ"القاعدة"، أكثر فروع "طالبان" وحشية، فهو نائب زعيم "طالبان" ووزير الداخلية بالوكالة، ويسيطر على الأمن الداخلي والشؤون المالية، ومن المعروف عنه سمعته الطيبة وسط فريق قيادة "القاعدة"، وفقاً لموقع "فورين بوليسي" الذي يذكر بأن الروابط بين جماعة حقاني و"القاعدة" تمتد منذ أجيال وترتبط بـ"طالبان"، إذ إن زميل سراج الدين، تاجمير جواد، المعروف بقدرته على التواصل عبر الجماعات الإرهابية لتجميع المواهب العملياتي، هو نائب رئيس وكالة الاستخبارات الأفغانية، وعمه خليل الرحمن حقاني، هو الوزير المؤقت لشؤون اللاجئين. كما أن نصف أعضاء حكومة "طالبان" تقريباً، أدرجوا كإرهابيين ومطلوبين من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي".
بالنسبة إلى البرلماني الباكستاني، فإن جميع هذه التنظيمات تشكل تهديداً لدول المنطقة لأن لديهم مساحة أكبر نسبياً للعمل والتجنيد والتدريب والتخطيط للعمليات الآن مع "طالبان".