دفعت قضية النصب والاحتيال على الطلاب التي كان أبطالها مجموعة ممن يعرف بـ"المؤثرين" في الجزائر، السلطات إلى التفكير في تقنين نشاط هؤلاء الذي باتوا يسيطرون على مواقع التواصل الاجتماعي وتتهافت عليهم الشركات من أجل الترويج للسلع والمنتوجات.
ودعا متخصصون إلى وضع ضوابط قانونية في ما يتعلق بعمل مجموعة من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، تجنباً لمزيد من التجاوزات التي لا يمكن التحكم فيها من دون وجود قوانين تنظم هذا النشاط، وما جعل المطالب ترتفع بقوة تزايد عدد هؤلاء وتسللهم نحو عدة مجالات مثل الإعلام والصحافة والتمثيل والغناء والفن بصفة عامة.
وفي حين تعتبر جهات أنه يجب احترام حرية نشاطهم ما داموا لا يرتكبون أي جرائم، يقول آخرون، إن التخوف يرجع إلى وجود عدد من الأشخاص "المهمشين" و"غير المهمين" وفي بعض الأحيان "المجرمين" بين هؤلاء النشطاء، ما يجعل محتوى ما يقدمونه على مواقع التواصل الاجتماعي غير قيم ومهلك، كما يفتح المجال لتسلل النصابين والمحتالين الذين يعرضون أموالاً طائلة على هؤلاء من أجل الترويج "المخادع" لمنتوجاتهم الوهمية.
وارتفعت الدعوات تزامناً مع تأجيل محاكمة 13 متهماً بالاحتيال على الطلبة، إلى الأسبوع المقبل وللمرة الثالثة بسبب غياب إحدى المتهمات بعد تدهور حالتها الصحية، وهي القضية التي أثارت الرأي العام لمساسها بطلاب أرادوا إكمال دراستهم في الخارج، حيث تعرض 76 طالباً جامعياً للنصب وسلب أموالهم نظير وعود كاذبة قدمها صاحب شركة وهمية استخدم مشهورين على مواقع التواصل الاجتماعي، لاستقطاب أكبر عدد من الضحايا.
شراسة الخطاب
وتعليقاً على الخطوة من الناحية القانونية، يقول الحقوقي عابد نعمان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن التحرك سيكون منتظراً "إذا قمنا بمراجعة سنوات ما بعد الحراك من حيث شراسة الخطاب الاجتماعي والتواصلي لوقوعه في فخ الكراهية والتمييز العنصري، وكذلك وقوع الخطاب السياسي في فخ العنف اللفظي العلني"، خصوصاً وأن صاحب الخطاب يجلس وراء الشاشة ويتلذذ بشتى الأساليب التي تلفت الانتباه، والتي من شأنها تمزيق النسيج الاجتماعي وغرس أفكار العداء بين الأفراد".
ويشدد نعمان، أنه بات من الضروري التفكير في توعية الخطاب التواصلي، على اعتبار أن من بين واجبات الدولة ترشيد السلوك المجتمعي وفق سلم القيم، بما يفتح أبواب التجريم والعقاب المناسبة مع خطورة هذا النوع من التواصل، لأن الدولة من واجباتها حماية الوحدة الوطنية ومن بين صورها الوحدة الاجتماعية للأفراد والقضاء على أي خطاب يمسها، مضيفاً أنه قد يقول البعض، إن هذا يعتبر مساساً بالحريات، لكن هو "في رأينا كلمة حق أريد بها باطل، لأنه لم يكن رأياً كل قدح أو سب أو مساس باعتبار شرف عائلة أو قومية أو عرق أو نسل، كما لم يكن رأياً كل إباحة لممنوع بأصله دينياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً بسبب قيمته، وإلا نكون أمام استباحة الشر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأثير سلبي
من جانبه، يرى الباحث بكلية العلوم الاجتماعية، بن مصطفى دحو، أن الدعوة تندرج ضمن سياق ضبط المشهد الإعلامي ككل، خصوصاً على مستوى الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، فقد سبق للسلطة أن أصدرت قانون مكافحة خطاب التمييز والكراهية وقانون محاربة الإشاعة في 2020، وقال إن "ظاهرة ما يعرف بالمؤثرين، وإن كنت أفضل مصطلح (يوتيوبر) لأن المؤثر له دور في صناعة الوعي والسلوك الاجتماعي، صارت تمارس تأثيراً سلبياً بخاصة مع بروز قضايا احتيال ومساس بالقيم الوطنية والأخلاقية، ونشر إشاعات قد تتسبب في اهتزاز الاستقرار الاجتماعي، وعليه من الضروري وضع قواعد وضوابط، مبرزاً أن هؤلاء يجهلون ولا يلتزمون بالميثاق الأخلاقي للنشر على الإنترنت مع العلم أن دولاً كثيرة ومنها فرنسا وألمانيا لها ميثاق أخلاقي وضوابط وتشريعات تسمح حتى بغلق الصفحات أو القنوات أو فرض غرامات ومتابعة هؤلاء قضائياً في حدود وقضايا معينة.
توازن الحقوق والواجبات
إلى ذلك، تبين الصحفية المهتمة بالإعلام الرقمي، فاطمة نازف، أن لكل تخصص ضوابط يجب أن يقوم عليها، والعالم الجديد أصبح عالم الذكاء الاصطناعي والحرب الجديدة قائمة عليه، أي كل شيء أصبح حرب معلوماتية وإنترنت، ولذلك كلما ظهر أي تخصص أو علم جديد تحدد ضوابطه، فالحرية المطلقة خراب للعقول وتعد على حياة الآخرين، مشيرة إلى أن تطور العالم يجب أن يقابله ضوابط قانونية تحمي المستهلك والمؤثر، لكن على القانون أن يكون متوازناً بين الحقوق والواجبات.
تقنين رسمي
وسبق أن أدرجت وزارة التجارة في أبريل (نيسان) 2021، الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في قائمة النشاطات التجارية، وقيّدتهم في السجل التجاري الوطني، واعتبرت أن "المؤثر" ينتمي إلى نشاط من خلاله يمكن لشخص التعبير عن رأيه أو تقديم نصائح كتابياً أو سمعياً أو بصرياً في مجال معين حسب أسلوب أو طريقة معالجة خاصة به.
وبناء على ذلك، أصبح على هؤلاء النشطاء استخراج سجل تجاري لمزاولة نشاطاتهم في إطار القانون، ويخضعون للضرائب والتصريح بعائداتهم المالية، ولكل القوانين التي تخص الأنشطة التجارية في البلاد.
كما صادق بنك الجزائر على مشروع نظام يرخص فيه لمصدري الخدمات الرقمية عبر الإنترنت بالحصول على عائداتهم كاملة بالعملة الصعبة في حال تعاملهم مع زبائن من خارج الوطن.