عمق تسرب نفطي جديد في الخط المغذي لميناء الحريقة، في طبرق، شرق ليبيا، أزمة قطاع النفط في البلاد، ودفع إلى مزيد من التراجع في الصادرات من الخام، متسبباً في فقدان 220 ألف برميل يومياً، لينخفض معدل الإنتاج العام إلى أقل من نصف القدرة الفعلية، التي وصلت في بداية العام إلى مليون و200 ألف برميل يومياً.
وضاعف هذا الخلل الفني المفاجئ أزمات المؤسسة الوطنية للنفط، التي بدأت مع إغلاق عدد من الحقول والموانئ في شرق البلاد وجنوبها، لأسباب سياسية، وتعرض عدد من منشآتها في غرب البلاد لأضرار كثيرة نتيجة الاشتباكات المتكررة بين ميليشيات مسلحة على مقربة منها.
تأخر الصيانة الدورية
وأرجعت "شركة الخليج العربي للنفط" سبب التسرب في الموقع الذي تشرف عليه، إلى "تأخر الميزانيات الذي أدى إلى تعذر قيام إدارة الشركة بصيانة خطوط نقل الزيت في حقول الشركة والمرافق التابعة لها".
وأضافت الشركة أن "هذه الظروف تسببت بحدوث تسرب في خط السرير الحريقة بالقرب من محطة البوستر وفقدان 220 ألف برميل يومياً".
وعبرت الشركة عن "أسفها لحدوث مثل هذه الإشكاليات بسبب تأخر الميزانيات، التي من شأنها توفير القدرة للشركة بصيانة الخطوط والمحطات والمرافق الناقلة من الحقول إلى موانئ التصدير، لأنه من دون هذه الميزانيات يستحيل إجراء المعالجات الكيماوية لخطوط النقل، وإنزال الفرشاة الذكية لقياس سمك الخطوط واتخاذ ما يلزم حيالها".
عذر غير مقنع
وعلق وزير النفط والغاز في حكومة الوحدة، محمد عون، على هذا البيان والحجج الواردة فيه بشأن التسرب النفطي، معتبراً أن "التحجج بالميزانيات في أزمة التسرب النفطي في حقل السرير ليس مقنعاً".
وقال عون إن "مصروفات المؤسسة الوطنية للنفط، بحسب موازنتها المقترحة لعام 2022، أوضحت أن هناك أربعة مليارات دينار (نحو 830 مليون دولار)، التزامات سابقة على الشركات النفطية، وهذا يعني أن هذه المبالغ صرفت في مشاريع أو صيانة أو قطع غيار".
وشدد على أنه "ما لم تقدم أرقام حقيقية عما تم صرفه لشركة الخليج، وكم صرف على الصيانة وكم تأخرت الميزانية، فلن يكون المعلن مقنعاً لذوي الخبرات، وكل الشركات يجب أن تكون لديها أولويات عندما تحدد ميزانياتها وهذه الأولويات تكون دائماً للسلامة والصيانة".
تكرر الظاهرة
وتكررت ظاهرة التسرب النفطي في خطوط النقل التي تغذي موانئ التصدير الليبية بشكل ملحوظ منذ بداية العام الحالي، ففي يناير (كانون الثاني) تمكن فنيو "المؤسسة الوطنية للنفط" من إصلاح تسرب في خط جنوب خزانات ميناء رأس لانوف، وسط ليبيا، الذي أدى وقتها إلى فقد 2600 برميل يومياً.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت المؤسسة حصول تسرب في حقل الشرارة النفطي، الذي يعد الأكبر من نوعه في البلاد، بطاقة إنتاجية تقارب 280 ألف برميل يومياً، في إحدى الآبار المنتجة.
وأوضحت في بيان تعليقاً على الحادثة أن "مستخدمي قسم الإنتاج تمكنوا من معالجة التسرب بخط ست بوصات، الذي يصل البئرين P01 وP02 بالحقل O-115 وعودة تشغيل البئرين وبقدرة إنتاجية بنحو 1200 برميل يومياً"، مشيرة إلى "شفط الكمية المسربة من الخام وانطلاق أعمال تنظيف ومعالجة مكان التسرب".
وأرجع البيان تكرر حالات التسرب إلى "ما تعرضت له خطوط النقل من إغلاقات متكررة، ونتيجة لسرقة معدات الحماية المهبطية ما أدى إلى تآكل الخطوط".
سلسلة من الأزمات
وضاعفت حادثة التسرب النفطي الجديدة، في طبرق، التي تعد الأكبر من نوعها منذ بداية العام متاعب القطاع النفطي والمؤسسات التي تشرف عليه، بعد وصول الإنتاج إلى أدنى مستوى له منذ عام 2020، ومن المتوقع أن يترك آثاراً سلبية مباشرة على الاقتصاد الليبي الريعي الذي يعتمد كلياً على النفط.
وجاءت هذه الضربة الجديدة مع استمرار الانسداد في ملف المفاوضات مع المحتجين في حقول النفط المقفلة منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، التي تفقد بسببها البلاد 400 ألف برميل من إنتاجها اليومي.
وتحاول جهات عدة إقناع المحتجين الذين يقفلون هذه الحقول والموانئ اعتراضاً على رفض رئيس الحكومة الموحدة، عبد الحميد الدبيبة، تسليم السلطة إلى خلفه فتحي باشاغا، بإنهاء احتجاجهم واستئناف العمل في المواقع النفطية بعد تفاقم تداعياتها على اقتصاد البلاد والقطاع الخدمي، خصوصاً في قطاع الكهرباء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا السياق، قال وزير النفط والغاز إن "الوزارة حاولت وما زالت تحاول عبر لجنة التفاوض التي تم تشكيلها التواصل مع جميع الأطراف إلى حل هذه الأزمة، وخلال الأيام المقبلة سيتم التواصل مع مجموعة كبيرة من الفاعلين في منطقة الهلال النفطي، على أمل الوصول إلى حلول لهذه الأزمة لأنها تمس الشعب الليبي".
وأضاف عون أن "المنطقة الشرقية تعاني نقصاً في إمدادات الكهرباء، بسبب نقص الغاز المغذي لمحطات شمال بنغازي والزويتينة، مما يزيد معاناة المواطنين"، داعياً "الفاعلين والمسؤولين في البلاد إلى أن يحيدوا الثروات العامة التي تهم أفراد الشعب، كالنفط والمياه والطرق، عن الخلافات السياسية".
وأشار وزير النفط إلى أن "الخسائر التي يتعرض لها قطاع النفط لم يتم حسابها بدقة، لكنها تتراوح بين 50 و60 مليون دينار يومياً (نحو 12.5مليون دولار)، وهناك خسائر شبه مباشرة وغير منظورة وممكن تترتب على الإغلاقات وآلية استرجاع بعض آبار الإنتاج".
ويعاني الاقتصاد الليبي بشدة أي أزمة تطاول القطاع النفطي بسبب عدم التنوع، إذ يعتمد على النفط والغاز في تحقيق أكثر من 60 في المئة من الناتج الاقتصادي الكلي، وأكثر من 90 في المئة من إيرادات المالية العامة والصادرات السلعية، بحسب المصرف المركزي في طرابلس.
البحث عن بدائل
ومع تكرار أزمات النفط وتداعياتها المباشرة والمرهقة للمستوى المعيشي للمواطن واقتصاد الدولة، عاد بعض المحللين إلى الدعوة للبحث عن البدائل وتقليل اعتماد البلاد على الإيرادات النفطية.
ويرى المتخصص في الشؤون الاقتصادية، علي الفايدي، أن "سبب معاناة الاقتصاد الليبي هو الإرث الثقيل من الاختلالات الهيكلية، التي تمخضت عن هيمنة القطاع النفطي على المساهمة الرئيسة في الناتج المحلي الإجمالي وفي حجم الصادرات، وذلك على حساب التخلف النسبي في الأنشطة الإنتاجية الأخرى، خصوصاً الصناعة وضعف الكفاءة الإنتاجية لعنصر العمل، وهذا الضعف في قطاع الصناعة أتاح الفرصة لقطاع الخدمات في استيعاب الجزء الأعظم من المشتغلين في الأنشطة الهامشية المنخفضة أو المنعدمة الإنتاج".
ويشير الفايدي إلى أن "المشكلة الحقيقية للاقتصاد الليبي ليست في أزمات القطاع النفطي الطارئة، بل هي أعمق وأقدم، لأنه عقب ثورة فبراير 2011 شمل التغيير النظام السياسي، في حين لم يتغير النظام الاقتصادي القائم على الملكية العامة والإنفاق العام الذي تسبب في استمرار الصراع على موارد الدولة".
وخلص الفايدي إلى أن "الحل يستلزم خروجاً تدريجياً من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة، ومن الدولة الراعية إلى الدولة الضامنة، ومن العقود الإدارية إلى عقود الامتياز، وذلك من طريق اتخاذ أربعة قرارات مهمة هي تغيير سعر الصرف، وتحويل الدعم من سلعي إلى نقدي، وفتح مخططات جديدة، ومسؤولية اجتماعية تجاه ذوي الدخل المحدود".