قد يكون اليوبيل مناسبة للاحتفال أو قد لا يكون -يعتمد هذا على الطريقة التي تنظرون بها إلى العالم- لكنه بلا شك مناسبة للتفكير. لم يتمكن كثير من زعماء الدول من البقاء في مناصبهم لمدة 70 عاماً، وقد تغيرت المملكة المتحدة بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية.
يتحتم على المؤرخين والمعلقين الاجتماعيين أن يفكروا في التغييرات التي حدثت، للأفضل أو للأسوأ، في أفكارنا حول كيفية تنظيم المجتمعات. ومع ذلك، من منظور اقتصادي، يجدر توضيح أن هذه الفترة كانت فترة تقدم هائل، وإن كان متفاوتاً.
أنا واحد من الأشخاص القلائل الذين يتذكرون تتويج الملكة، على الرغم من أنني كنت في إيرلندا وبالكاد حصل الحدث على تغطية إعلامية هناك. كان علينا مشاهدة التتويج في عرض خاص في المدرسة.
عند النظر إلى صور إليزابيث وفيليب الشابين بإمكانكم الإحساس بتلك الأبهة الساحرة: الزي الموحد والسيارات وتصميم الملابس وما إلى ذلك، لكن خلف تلك الواجهة كانت هناك دولة مفلسة. فبعد سبع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان التقنين لا يزال سارياً على الأغذية الأساسية. في عام 1952 كان التقنين مفروضاً على الشاي واللحوم والبيض والسكر والحلويات. واستمر تقنين البيض (بيضة واحدة للفرد أسبوعياً) واللحوم لغاية عام 1954.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كانت آثار القصف ما زالت واضحة في مراكز المدن لأن إعادة البناء قد بدأت للتو. كنا نعيش في إيرلندا وأحد الأمور التي أتذكرها من طفولتي هي إحضار الطعام في حقائبنا عندما كنا نزور جدي في لندن. كانت دبلن آنذاك مهملة للغاية، وليست العاصمة الأوروبية المتلألئة التي نعرفها الآن، لكن السيارات كانت جديدة وكان الناس يحصلون على غذاء جيد، وكان هناك تفاؤل مفقود في المملكة المتحدة البائسة.
أعرب المؤرخ دومينيك ساندبروك، الذي يكتب لصالح الأرشيف الوطني، عن هذه النقطة بقسوة "في بداية الخمسينيات، كانت بريطانيا في نهاية المطاف رثة، ومقصوفة بالكامل، ومنهكة مالياً وأخلاقياً. كانت مدنها الرئيسة لا تزال مواقع طالها القصف، وكان اقتراض المال شبه مستحيل بالنسبة إلى العديد من العائلات، وكان التقنين أقسى من أي وقت مضى، إضافة إلى وجود نقص حاد في المساكن اللائقة".
على المستوى المالي، كانت البلاد لا تزال تسعى جاهدة للسيطرة على الدين الوطني [الدين العام]. كان الدين ينخفض لكنه لا يزال يعادل أكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما الآن، وعلى الرغم من ارتفاعه في العامين الماضيين، فهو أقل من 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ماذا عن التضخم؟ حسناً، صحيح أننا لم نبلغ بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته الأسعار في السبعينيات والثمانينيات، لكن مؤشر أسعار التجزئة في أبريل (نيسان) سنة 1952 ارتفع بنسبة 11.8 في المئة خلال سنة، مقارنة بـ11.1 في المئة في أبريل هذا العام.
تحسنت الأمور تدريجياً خلال خمسينيات القرن الماضي، حتى إن رئيس الوزراء هارولد ماكميلان تمكن في عام 1957، من الإدلاء بتصريحاته الشهيرة المعروفة بـ"لم تكن الأحوال بهذه الجودة من قبل" الشهير، حيث قال "دعونا في الواقع نتحدث بصراحة، معظم شعبنا لم يعش ظروفاً بهذه الجودة من قبل. تجولوا في جميع أنحاء البلاد، واذهبوا إلى المدن الصناعية، وزوروا المزارع وسترون حالة من الازدهار لم نشهدها من قبل في حياتي - ولا حتى في تاريخ هذا البلد".
بالطبع كانت الأمور أسوأ مما هي عليه الآن بكثير في فترة الستينيات المتأرجحة والسبعينيات الأكثر اضطراباً، لكن ما فائدة هذا المنظور [الرؤيا]؟ كيف يمكن أن يساعدنا إلقاء نظرة على المملكة المتحدة في بداية عهد الملكة في فهم الأمور الآن؟ سأقدم خمس عبر رئيسة، وبإمكان القراء اقتراح المزيد.
الدرس الأول والأكثر وضوحاً هو أن الحروب مدمرة للغاية للثروة [الموارد]. كان الدمار في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي ناجماً من الجهود التي بذلتها المملكة المتحدة في الحرب العالمية الثانية، وظل عبء الديون يثقل كاهل البلاد خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
ثانياً، يمكن أن تنقلب الأحوال الاقتصادية بشكل سريع. ثلاث سنوات فقط كانت تفصل بين تقنين البيض وتمكن ماكميلان من التحدث بمصداقية عن الازدهار الذي لم يشهد مثيلاً له في حياته.
ثالثاً، لم يكن التضخم محنة شهدتها السبعينيات والثمانينيات فقط. ارتبط التضخم في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي بالحرب الكورية، التي أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية. وبمجرد امتصاص النظام تلك الزيادات في الأسعار، تراجع التضخم مرة أخرى وبحلول عام 1954 انخفض إلى أقل من واحد في المئة. ومع ذلك، فإن التضخم الذي يستمر لفترات طويلة يشوه [يقوض] كل شيء. وفقاً لآلية حساب التضخم الممتازة التي يعتمدها بنك إنجلترا، كانت قيمة عشرة جنيهات استرلينية في عام 1952 تساوي 202.30 جنيه في عام 2021.
رابعاً، لا ينبغي أبداً أن ننخدع بصورة ما من عصر ذهبي سالف. كانت الخمسينيات من القرن الماضي تتمتع ببعض الخصائص الإيجابية بما في ذلك مستويات جريمة أقل بكثير، لكن وبصرف النظر عن الفقر النسبي حينها مقارنةً باليوم، كانت هناك ظواهر اجتماعية أخرى، بما فيها تجريم المثلية الجنسية، الذي يبدو قمعياً أكثر في يومنا هذا.
أخيراً، لنسأل أنفسنا هذا السؤال، ما الذي تغير بالفعل على مدى 70 عاماً؟ ستكون إجابتي هي التكنولوجيا. نحن أكثر ثراءً بسبب التقدم التقني. لدينا حياة أكثر ثراءً بسبب تقنيات الاتصالات الجديدة. نتمتع بفرص أكبر لتحسين حياتنا بطرق لم يكن تصورها ممكناً في ذلك الوقت. وهذا أمر يستحق الاحتفال، مهما كان موقفكم من اليوبيل نفسه.
صدر كتاب هاميش ماكراي الجديد "العالم في عام 2050: كيف نفكر في المستقبل" The World in 2050: How to Think About the Future في مايو (أيار) هذه السنة عن دار بلومزبري للنشر.
© The Independent